الجمعة , أكتوبر 10 2025
الرئيسية / إسلاميات / الحلقة السادسة: الوصفة الربانية لمواجهة الباطل

الحلقة السادسة: الوصفة الربانية لمواجهة الباطل

الحلقة السابعة: سنة الله تعالي في إهلاك الظالمين

الافتتاحية: من سورة القلم:44-45


قال تعالي: ﴿فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ (القلم:44-45).
يقول الإمام النسفي رحمه الله: “ذرني وإياه أي كله إليّ فإني أكفيكه، والمراد كل أمره إليَّ وخل بيني وبينه فإني عالم بما ينبغي أن يفعل به مطيق له فلا تشغل قلبك بشأنه وتوكل عليّ في الانتقام منه، وفي ذلك تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتهديد المكذبين. وقوله تعالي: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُم﴾ أي سندنيهم من العذاب درجة درجة. يقال استدرجه إلى كذا أي استنزله إليه درجة درجة حتى يورط فيه واستدراج الله تعالى العصاة أن يرزقهم الصحة والنعمة فيجعلون رزق الله ذريعة إلى ازدياد المعاصي ﴿مّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ من الجهة التي لا يشعرون أنه استدراج. قيل كلما جددوا معصية جددنا لهم نعمة وأنسيناهم شكرها. قال عليه السلام إذا رأيت الله تعالى ينعم على عبد وهو مقيم على معصيته فاعلم أنه مستدرج وتلا الآية ﴿وَأُمْلِى لَهُمْ﴾ وأمهلهم ﴿إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ﴾ قوي شديد فسمى إحسانه وتمكينه كيداً كما سماه استدراجاً لكونه في صورة الكيد حيث كان سبباً للهلاك والأصل أن معنى الكيد والمكر والاستدراج هو الأخذ من جهة الأمن ولا يجوز أن يسمى الله كائداً وماكراً ومستدرجاً”(تفسير النسفي).
يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله: “﴿فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ﴾ وهو تهديد مزلزل والجبار القهار القوي المتين يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: خل بيني وبين من يكذب بهذا الحديث وذرني لحربه فأنا به كفيل، ومن هو هذا الذي يكذب بهذا الحديث؟. إنه ذلك المخلوق الصغير الهزيل المسكين الضعيف. هذه النملة المضعوفة. بل هذه الهباءة المنثورة. بل هذا العدم الذي لا يعني شيئا أمام جبروت الجبار القهار العظيم. فيا محمد خل بيني وبين هذا المخلوق، واسترح أنت ومن معك من المؤمنين؛ فالحرب معي لا معك ولا مع المؤمنين. الحرب معي. وهذا المخلوق عدوي، وأنا سأتولى أمره فدعه لي، وذرني معه، واذهب أنت ومن معك فاستريحوا. أي هول مزلزل للمكذبين وأي طمأنينة للنبي والمؤمنين والمستضعفين؟ ثم يكشف لهم الجبار القهار عن خطة الحرب مع هذا المخلوق الهزيل الصغير الضعيف ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ. وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ وإن شأن المكذبين، وأهل الأرض أجمعين، لأهون وأصغر من أن يدبر الله لهم هذه التدابير. ولكنه سبحانه يحذرهم نفسه ليدركوا أنفسهم قبل فوات الأوان. وليعلموا أن الأمان الظاهر الذي يدعه لهم هو الفخ الذي يقعون فيه وهم غارّون. وأن إمهالهم على الظلم والبغي والإعراض والضلال هو استدراج لهم إلى أسوأ مصير. وأنه تدبير من الله ليحملوا أوزارهم كاملة، ويأتوا إلى الموقف مثقلين بالذنوب، مستحقين للخزي والرهق والتعذيب. وليس أكبر من التحذير، وكشف الاستدراج والتدبير، عدلا ولا رحمة. والله سبحانه يقدم لأعدائه وأعداء دينه ورسوله عدله ورحمته في هذا التحذير وذلك النذير. وهم بعد ذلك وما يختارون لأنفسهم، فقد كشف القناع ووضحت الأمور. إنه سبحانه يمهل ولا يهمل. ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته. وهو هنا يكشف عن طريقته وعن سنتهالتي قدرها بمشيئته. ويقول لرسوله صلى الله عليه وسلم ذرني ومن يكذب بهذا الحديث، وخل بيني وبين المعتزين بالمال والبنين والجاه والسلطان. فسأملي لهم، واجعل هذه النعمة فخهم؛ فيطمئن رسوله، ويحذر أعداءه. ثم يدعهم لذلك التهديد الرعيب وفي ظل مشهد القيامة المكروب وظل هذا التهديد المرهوب يكمل الجدل والتحدي والتعجيب من موقفهم الغريب”(في ظلال القرآن).
دروس مستفادة من الآيات:
تولي الله القوي القادر مهمة الانتقام من المكذبين والظالمين، وفي ذلك طمأنة للمؤمنين وتهديد للمكذبين والظالمين.
الله عز وجل يمهل ولا يهمل، ويستدرج الظالمين ولايعاجلهم بالعقوبة إلا بعد أن يضيعوا كل فرص التوبة التي يمنحها لهم.
………………………………….أذكر دروساً أخري.
سنة الله في إهلاك الظالمين:
يعلمنا القرآن الكريم أن إهلاك الله للظالمين قانون عام، وسنة مطردة فى كل زمان ومكان، وأن ما أصاب السابقين بظلمهم يدرك اللاحقين إذا نهجوا نهجهم وسلكوا دربهم، دون محاباة أو مجاملة، فليس لهم عند الله عهد، ولا يعصمهم منه عاصم، قال تعالي: ﴿أَلَمْ نُهْلِكْ الأَوَّلِينَ. ثُمَّ نُتْبِعُهُمْ الآخِرِينَ. كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ﴾ (المرسلات16 :18)، وبعد قصص الهالكين من أقوام نوح وعاد وثمود ولوط وفرعون يخاطب كفار قريش بقوله: ﴿أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِى الزُّبُرِ. أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ. سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ (القمر43 :45). وقد دعا سبحانه الظالمين أن يعتبروا بمِنْ قبلِهم، فلم تعصمهم قوتهم ولا أموالهم من الله فقال سبحانه: ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ﴾(الأنعام:6) ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾(القمر:51). وحتي لا يصور غرور القوة للظالمين الجدد أنهم استثناءٌ من قانونِ اللهِ تعالى في إهلاكِ الظالمينَ جاءت الآياتُ توضِّحُ أنَّ اللهَ قد أهلك السابقين، وقد كانوا أعظم قوة وأكثر جمعاً، وأعز نفراً، وأرسخ قدماً، وأشدَّ بأساً، و أمضي سلاحاً، وأقسي بطشًا، فقال تعالى: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا﴾، فلم يغن عن هؤلاء مال ولا ولد ولا عائلة ولا قوة و مظهر عندما نزل به عقاب الله تعالي. وبتأمل القصص القرآني والتاريخ الإنساني يمكن استنتاج أن سنة الله تعالي في إهلاك الظالمين تمر بالمراحل الأربعة التالية:
الإملاء: في هذه المرحة يمهل الله الظالمين حتي يظن الناس أنه أهملهم، فالمظلوم يتمنَّى أنْ يُعَجِّلَ اللهُ العذابَ للظالمين، لكن الله تعالي لا يعجل بعجلة أحد من خلقه، وقد حدد سبحانه لهلاك كل ظالم ميعادًا استأثر بعلمه وكيفيته، ولا يُعْجِلُه عن ذلك الموعد شوق المؤمنين إلي النصر، ولا رغبتهم في رؤية مصارع الظالمين، ولا إحساسُهم بشِدَّةِ البلاء، ومرارة الظلم، وقسوة المحنة، فإنَّ حِكْمتَه سبحانه اقتضتْ أنْ يُنْزِلَ عذابَه بالظالمين في الوقت الذي سبق في علمه ومضت به حكمته وجري به قدره ﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ. مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ﴾(الحجر:5) أي جعلنا لهلاكِ الظالمين أجلاً حددناه، ووقتاً كتبْناه، لا نُهلِكُهم حتى يبلغ الكتاب أجله، فلا يَنْزِلُ بهم العقاب قبل موعده ولا يتأخر عنهم إذا حان وقته ﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلا* وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا﴾(الكهف:58) ، فليس ما يراه الناسُ من التأخيرِ في إهلاك الظالمين إهمالًا لشأنهم، ولا عفوًا عن جرائمهم، ولا إقراراً لباطلهم، ولا تمكيناً لسلطانهم، ولا رفعاً لقدرهم، ولا تكريماً لهم، ولا عجزاً عن تعجيل العقوبة لهم، ولا قسوة علي المظلومين ولا خذلاناً لهم، ولا إهمالاً لدعواتهم، ولكنها سنة الله التي لا يخرقها لأحد من خلقه ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ (الحج: 48). فمن تمام عدله سبحانه أنه لا يأخذ الظالمين أول عهدهم بالظلم ولكن يُنْظِرُهم ويُمْهِلهُم ثمَّ يأخذُهم أَخْذَ عزيزٍ مُقْتَدِر، قال تعالي: ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾(القلم:45)، وقال تعالى مخاطباً رسوله صلي الله عليه وسلم: ﴿فمهل الكافرين أمهلهم رويداً﴾(الطارق:17)، وقال له أيضاً: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (الأحقاف: 35)، وأخرج البخارى رحمه الله عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ قَالَ ثُمَّ قَرَأَ ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾(هود:102). ولله تعالي حكم بالغة في تأجيل هلاك الظالمين والكافرين منها ما ذكره في قوله تعالي: ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾(آل عمران:178). فقد أجل الله تعالي هلاكهم حتي يستكثروا من الظلم، يقول د. سيد العربي بن كمال في تفسير قوله تعالي: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ (هود: 117): “أي لم يكن ليهلكهم بالكفر وحده حتى ينضاف إليه الفساد, كما أهلك قوم شعيب ببخس المكيال والميزان, وقوم لوط  باللواط; ودل هذا على أن المعاصي أقرب إلى عذاب الاستئصال في الدنيا من الشرك, وإن كان عذاب الشرك في الآخرة أصعب”(سنة الله في القرى، مقال).
الاستدراج:  قال تعالي: ﴿فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (القلم:44).وقال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾(الأعراف:182) وفي هذه المرحلة يفتح الله تعالي الدنيا علي الظالمين حتي يظنوا أن الأرض قد دانت لهم، وأنهم قد ملكوا ناصيتها بل قد يذهب بهم الكبر والغرور أن يظنوا أن مكانتهم في الآخرة مترتبة علي مكانتهم في الدنيا، فهذا صاحب الجنتين يقول لصاحبه: ﴿…مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا* وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا﴾ (الكهف:35-36). ففي هذه المرحلة كلما أحدث الظالمون ذنباً أحدث الله لهم نعمة يستدرجهم بها إلي حتفهم قال تعالي: ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (يونس: من الآية24).
التزيين: وهذه المرحلة امتداد لسابقتها من حيث الكبر والغرور وانفتاح الدنيا علي الظالمين، ويزداد عليها بلوغ القسوة  في قلوب الظالمين إلي ذروة لم تبلغها من قبل، وانطماس بصيرتهم بالكلية، وانقلاب الموازين لديهم تماماً، حتي يظنوا أنهم علي حق، وأن ما يفعلونه هو الصواب والمصلحة، وفي هذه المرحلة تبدأ مقدمات العقاب الإلهي تسفر لهم عن وجهها بالتدريج لكنهم لا يكترثون لها ولا يعبأون بها حتي تنزل بهم القاصمة ﴿فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون﴾(الأنعام: 43) فقد زين لهم الشيطان أن ما نزل بهم من شدة أمر مؤقت يرجع إلي بعض الأخطاء في إدارتهم بمقدورهم أن يصلحوها حتي لا تتكرر مستقبلاً، وليست إنذاراً إلهياً لهم كي يكفوا عن بغيهم ويثوبوا إلي رشدهم ويرفعوا أيديهم عن عباد الله ويقلعوا عن الظلم و البغي والفساد  والاستبداد. وقال تعالى في أمثال هؤلاء: ﴿وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمَ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ﴾ (العنكبوت:38). وقال سبحانه: ﴿تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (النحل:63).
الأخذ بغتة:  وهذه هى المرحلة الحاسمة  في إهلاك الله للظالمين، قال تعالي: ﴿﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ* فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (الأنعام44 :45). والعقوبة القاصمة التي تستأصل شأفة الظالمين وتقطع دابرهم تأتي بغتة حتي تفجأ المؤمنين كما تفجأ الظالمين، فقد تطرقهم العقوبة ليلاً أو تنزل بساحتهم نهاراً، قال تعالى: ﴿وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ﴾ (الأعراف: 4). وقال سبحانه: ﴿أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ﴾ (الأعراف:97). وقد جرتْ سنةُ الله تعالي  أنْ يأخذ الظالمين علي غرة، وأن يأتيهم عذابه من حيثُ لم يحتسبوا، بل ربما يأتيهم من مأمنهم، وبطريقة لم تخطر لهم علي بال، بل لم تخطر علي بال المؤمنين المظلومين، فانظر كيف تنوعت طرق إهلاك الله للظالمين ﴿فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ. وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ﴾(الحاقة:5-6)، ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾(العنكبوت:40). وقد تأتي العقوبة بطريقة يظنها الظالمون خيراً لهم في البداية حتي تتبين لهم حقيقتها كما وقع لقوم عاد ﴿فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ. تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾(الأحقاف:24) فليقر المظلومون عيناً، ولينعموا بالاً، ولا يشغلون أنفسهم بموعد هلاك الظالمين ولا بالكيفية التي يأخذهم الله بها، وليكونوا علي يقين أن ذلك سيحدث لا محالة، وأن الله تعالي سيشفي صدورهم ويقتص لهم.
متي يهلك الله الظالمين؟:
بعد إقامة الحجة عليهم: قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ﴾ وقال سبحانه: ﴿وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى﴾ (القصص:59) فسنة الله في الظالمين أنه لا يهلكهم حتي ينذرهم، وتبلغهم آياته وأوامره ونواهيه فينكرونها، أو يتجرأوا عليها، أو يعطلوها بأي حجة من الحجج. بل إن الله تعالي في كثير من الأحيان لا يأخذهم  حتى يعترفوا ويُقِرُّوا على أنفسهم بالظلم ولكن بعد فوات الأوان، ففي الحديث: «مَا هَلَكَ قَوْمٌ حَتَّى يُعْذِرُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ»، قيلَ لابنِ مسْعُودٍ: كيْفَ يكونُ ذلك؟ فقرأَ قوله تعالي: ﴿فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾(الأعراف:5). وقال تعالي: ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ (ص:3) أي أن نداءهم جاء في الوقت الضائع بعد أن عاينوا العذاب وأدركوا أنهم لا ملجأ لهم ولا منجا من الله إلا إليه، وأن حصونهم وأموالهم وقوتهم وسلطانهم وجندهم لا يغنون عنهم شيئاً.
بعد بلوغ ظلمهم منتهاه: قال تعالي: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾ (الاسراء:16). وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ (الأنعام: 123) وقال سبحانه: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ﴾ (القصص:58). وقد جاء إهلاك فرعون بعد أن قال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ (النازعات: من الآية24) وقال: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ (القصص: من الآية 38) وقال: ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ (الزخرف: من الآية:51) وقال: ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ (غافر: من الآية29) ، وجاء هلاك النمروذ بعد أن دفعه الغرور إلي قوله: ﴿أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾ (البقرة:من الآية258)، وجاء هلاك قارون بعد أن دفعه الغرور إلي قوله: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ (القصص: من الآية 78).
بعد اغترارهم بالمهلة:  واستخفافهم بالنذر، فتأمل معي هذه الطائفة من قصص الأمم التي أهلكها الله بظلمها في هذه الآيات لتعلم أن الله تعالي أخذهم بعد أن كذبوا النذر، واستخفوا بالوعيد، واستهانوا بالآيات، وتعجلوا العذاب، وغرهم حلم الله عليهم، كما غرتهم قوتهم قال تعالي: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ * فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ * أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ * سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ * إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ * وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ * فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ* كَذَّبَتْ قَوْم لُوطٍ بِالنُّذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ* نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ* وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ * وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ * فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ *وَلَقَدْ جَاءَ آَلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ* كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ * أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ * أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ* سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ (القمر:24-45). وقال تعالي: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ * وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ (فصلت:15-17). بل إن بعضهم يطلب العذاب ولا يطلب الهداية إلي الحق ﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (الأنفال:32). فعندما تغلق القوب ويستبد بالظالمين هذا الشعور الطاغي باستحالة قبولهم للحق وانصياعهم له أو تعايشهم معه يصبح هلاكهم حتمياً لصالح الإنسانية.
متي ينصر الله المظلومين:
بعد أن تبلغ محنتهم منتهاها:  أشد ساعات الليل سواداً قبيل طلوع الفجر، وأَشَدُّ أوقاتِ المِحْنَةِ قبيل انفراجها، وأعظم فُصولِ المحنةِ خطرًاً وأثقلُها وطأةً على نفوسِ المؤمنينَ علي بعد خطوات من النهاية، فقد تكونُ النهايةُ في غايةِ القُرْبِ، وظواهِرُ الأمورِ لا تنبئ عن شيء من ذلك، وقد يكون المؤمنون في حالةِ خَوُّفٍ شديدٍ من الاستئصالِ، ولا يَدْرُون أنَّ النصرَ أقربُ ما يكون إليهم، ألم تر كيف نصر الله لوطاً عليه السلام وأهلك الظالمين من قومه بعد أن بلغت قلوب المؤمنين الحناجر ﴿وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾(هود:77). ولم يكن  لوط عليه السلام ولا المؤمنون معه ولا الظالمون من قومه يعلمون أن النهاية  تسرع إليهم الخطو لتخط  المصير المحتوم لنصر المؤمنين وإهلاك الظالمين حتي أخبر الملائكة لوطاً عليه السلام بالموعد الذي خبأه الله تعالي عنه زمناً لحكمة بالغة حتي يستفرغ وسعه في دعوة قومه وإقامة الحجة عليهم ﴿إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ. فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ. مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾(هود:81-83).وتأمل نصر الله تعالي لرسوله صلي الله عليه وسلم بعد أن تحزبت عليه الأحزاب ﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا﴾ (الأحزاب:10-11) ولا غرو فإن الزلزلة العظيمة يعقبها نصر عظيم. يقول تعالي” أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ”(البقرة:214)
بعد أن يستفرغوا وسعهم: اقتضت حكمة الله تعالي أن يبلوا أهل الحق بأهل الباطل، وألا ينصر المؤمنين نصراً بارداً بلا ثمن، فإذا استفرغ أهل الحق وسعهم في رفض الظلم ومقاومة الظالم، وقاموا بما يجب عليهم في إعداد القوة التي تساعدهم علي الصمود في وجه الظلم وإزاحة الظالم سيأتي نصر الله تعالي للمظلومين من حيث لم يحتسبوا، وبأكثر مما خطر ببالهم، وستنزل عقوبة الله بالظالمين حتي يقول المؤمنون سبحانك ما أعدلك كما قالوا سبحانك ما أحلمك. يقول تعالي”ولقد نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ “(آل عمران:123-126)
بعد أن تتمايز صفوفهم: ومن حكمة الله تعالي أيضاً في تأخير نصر المظلومين حتي تتمايز صفوفهم ويخرج من بينهم الأدعياء، وتتساقط الأقنعة وينكشف الزيف، وتظهر المعادن، التي لا تنكشف حقيقتها إلا بحرارة المحنة، وهذا كله نوع من الإعداد الرباني لمرحلة ما بعد النصر. مرحلة البناء والتمكين والأستاذية.يقول تعالي” مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ” “(آل عمران:179)
بعد أن يستقر يقينهم بنصر الله:  فقد تأكد وعد الله لأهل الحقِّ أن يهلك عدوهم وأن يورثهم مشارق الأرض ومغاربها، وأن يسكنهم مساكن الظالمين ويمنحهم أرضهم وديارهم وأموالهم ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ﴾(إبراهيم:13-14) فإذا امتلأت قلوب المؤمنين باليقين في تحقق وعد الله لهم رغم ضباب المحنة الذي يحجب بوادر النصر فإن حرارة المحنة تنطفئ ببرد اليقين، فلا يكترث المؤمنون بتهديدِ الظالمين ولا يعبأوا بوعدهم ولا وعيدِهم. وتسكن السكينة قلوبهم فلا يتعجلوا ثمرة قبل نضجها ولا يقترِحُوا على الله موعدًا ولا كيفيةً للنصر ولا أسلوباً  للانتقام من الظالمين فهو وحده العليمُ الحكيمُ.
تطبيقات عملية لتأكيد معاني الموضوع :
هلا قامت الأسرة في اللقاء بصلاة ركعتي قبام بآيات من سورة آل عمران أو الأنفال تذرف فبها العيون وتسجد فيها القلوب!!
هل راجع كل منا وسعه الذى يبذله في مقاومة الانقلاب؟هل هو راض عن ذلك؟
يمكن أن يكلف القائد الثورى أحد أو بعض الأفراد لقراءة تاريخ بعض الثورات وعمل ملخصات حول كيف انتصرت هذه الثورات- تناقش هذه الملخصات أو تقرأ من باقي الأفراد

شاهد أيضا :

60-1-660x300

1403871244_945-660x330

maxresdefault

Untitled-2

الحلقة الخامسة: أين نحن من ركن التضحية

724828623

الحلقة السادسة : الوصفة الربانية لمواجهة الباطل

BcFPf0GIMAAHngn

شاهد أيضاً

وفي الصوم زاد.. من تراث الأستاذ مصطفى مشهور رحمه الله

يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *