الحلقة الأولى : وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة
6 يناير، 2016
إسلاميات, تربوى
1,645 زيارة
الحلقة الأولى بعنوان “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ” بتاريخ 6-1-2015
الافتتاحية : من سورة الأنفال (آية 60)
قال تعالي: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ (الأنفال: 60).
يقول الألوسي رحمه الله: “َالْإِعْدَادُ: التَّهْيِئَةُ وَالْإِحْضَارُ، وَيدَخَلَ فِي الاستطاعة كُلُّ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَةِ النَّاسِ اتِّخَاذُهُ مِنَ الْعُدَّةِ. وَالْقُوَّةُ كَمَالُ صَلَاحِيَةِ الْأَعْضَاءِ لِعَمَلِهَا وَتُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى شِدَّةِ تَأْثِيرِ شَيْءِ ذِي أَثَرٍ، وَتُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى سَبَبِ شِدَّةِ التَّأْثِيرِ، فَقُوَّةُ الْجَيْشِ شِدَّةُ وَقْعِهِ عَلَى الْعَدُوِّ، وَقُوَّتُهُ أَيْضًا سِلَاحُهُ وَعَتَادُهُ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، فَاتِّخَاذُ السُّيُوفِ وَالرِّمَاحِ وَالْأَقْوَاسِ وَالنِّبَالِ مِنَ الْقُوَّةِ فِي جُيُوشِ الْعُصُورِ الْمَاضِيَةِ، وَاتِّخَاذُ الدَّبَّابَاتِ وَالْمَدَافِعِ وَالطَّيَّارَاتِ وَالصَّوَارِيخِ مِنَ الْقُوَّةِ فِي جُيُوشِ عَصْرِنَا. وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ يُفَسَّرُ مَا رَوَى مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ ثُمَّ قَالَ «أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ» قَالَهَا ثَلَاثًا، أَيْ أَكْمَلُ أَفْرَادِ الْقُوَّةِ آلَةُ الرَّمْيِ، أَيْ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَصْرَ الْقُوَّةِ فِي آلَةِ الرَّمْيِ. وَعَطْفُ رِباطِ الْخَيْلِ عَلَى الْقُوَّةِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، لِلِاهْتِمَامِ بِذَلِكَ الْخَاصِّ. وَالرِّبَاطُ صِيغَةُ مُفَاعَلَةٍ أُتِيَ بِهَا هُنَا لِلْمُبَالَغَةِ لِتَدُلَّ عَلَى قَصْدِ الْكَثْرَةِ مِنْ رَبْطِ الْخَيْلِ لِلْغَزْوِ، أَيِ احْتِبَاسُهَا وَرَبْطُهَا انْتِظَارًا لِلْغَزْوِ عَلَيْهَا، وَقَدْ سَمَّوُا الْمَكَانَ الَّذِي تُرْتَبَطُ فِيهِ الْخَيْلُ ربَاطًا، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَحْرُسُونَ الثُّغُورَ الْمَخُوفَةَ رَاكِبِينَ عَلَى أَفْرَاسِهِمْ، ثُمَّ أُطْلِقَ الرِّبَاطُ عَلَى مَحْرَسِ الثَّغْرِ الْبَحْرِيِّ، وَبِهِ سَمَّوْا رِبَاطَ (دِمْيَاطَ) بِمِصْرَ، وَرِبَاطَ (الْمُنَسْتِيرِ) بِتُونُسَ، وَرِبَاطَ (سَلَا) بِالْمَغْرِبِ الْأَقْصَى. وَإِذْ قَدْ كَانَ إِعْدَادُ الْقُوَّةِ يَسْتَدْعِي إِنْفَاقًا، وَكَانَتِ النُّفُوسُ شَحِيحَةً بِالْمَالِ، تَكَفَّلَ اللَّهُ لِلْمُنْفِقِينَ فِي سَبِيلِهِ بِإِخْلَافِ مَا أَنْفَقُوهُ وَالْإِثَابَةِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُم وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ”(روح المعاني، بتصرف).
يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله: “يجب على المعسكر الإسلامي إعداد العدة دائماً واستكمال القوة بأقصى الحدود الممكنة لتكون القوة المهتدية هي القوة العليا في الأرض التي ترهبها جميع القوى المبطلة والتي تتسامع بها هذه القوى في أرجاء الأرض، فتهاب أولاً أن تهاجم دار الإسلام وتستسلم كذلك لسلطان الله فلا تمنع داعية إلى الإسلام في أرضها من الدعوة، ولا تصد أحداً من أهلها عن الاستجابة، ولا تدعي حق الحاكمية وتعبيد الناس، حتى يكون الدين كله لله… إن الجهاد فريضة على المسلمين حتى لو كان عدد أعدائهم أضعاف عددهم. وأنهم منصورون بعون الله على أعدائهم، … وفريضة الجهاد إذن لا تنتظر تكافؤ القوى الظاهرة بين المؤمنين وعدوهم فحسب المؤمنين أن يعدوا ما استطاعوا من القوى، وأن يثقوا بالله، وأن يثبتوا في المعركة، ويصبروا عليها والبقية على الله. ذلك أنهم يملكون قوة أخرى غير القوى المادية الظاهرة” ويقول رحمه الله: “لإسلام يتخذ للنصر عدته الواقعية التي تدخل في طوق العصبة المسلمة; فهو لا يعلق أبصارها بتلك الآفاق العالية إلا وقد أمن لها الأرض الصلبة التي تطمئن عليها أقدامها; وهيأ لها الأسباب العملية التي تعرفها فطرتها وتؤيدها تجاربها; وإلا إذا أعدها هي للحركة الواقعية التي تحقق هذه الغايات العلوية:فالاستعداد بما في الطوق فريضة تصاحب فريضة الجهاد; والنص يأمر بإعداد القوة على اختلاف صنوفها وألوانها وأسبابها” (في ظلال القرآن، بتصرف).
دروس مستفادة من الآية الكريمة:
• من رحمة الله بالمؤمنين أنه كلفهم إعداد ما يستطيعونه من قوة ولم يكلفهم إعداد قوة تكافئ قوة أعدائهم أو تزيد عليها.
• إعداد القوة والاستعداد للحرب يحقق السلام والاستقرار لأنه يرهب العدو ويكف عدوانه، أما المسلمين فدينهم يعصمهم من العدوان.
• إعداد القوة يتطلب التضحية بالمال؛ ولذلك لا يقل الجهاد المالي عن الجهاد بالنفس «من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا».
• ………………………………………………………………………..أذكر دروساً أخري.
الواجب العملى استفراغ الوسع:
يقول الشيخ الغزالي رحمه الله: “من فضائل القوة التى يوجبها الإسلام أن تكون وثيق العزم، مجتمع النية على إدراك هدفك بالوسائل الصحيحة التى تقربك منه باذلا قصارى جهدك فى بلوغ مأربك غير تارك للحظوظ أن تصنع لك شيئا أو للأقدار أن تدبر لك ما قصرت فى تدبيره لنفسك فإن هناك أقواما يجعلون من الملجأ إليه ستارا يوارى تفريطهم المعيب وتخاذلهم الذميم وهذا التواء كرهه الإسلام. فعن عوف بن مالك قال: قضى رسول الله بين رجُلين. فلما أدبرا قال المقضى عليه حسبى الله ونعم الوكيل فقال صلى الله عليه وسلم: إن الله يلوم على العجز ولكن عليك بالكيس، فإذا غلبك أمرٌ فقل: حسبى الله ونعم الوكيل ]رواه أبي داود: 3627 [؛ أى أن المرء مكلف بتعبئة قُواه كلها لمغالبة مشاكله حتى تنزاح من طريقه فإن ذللها حتى استكانت له فقد أدى واجبه، وإن غلب على أمره أمامها بعد استفراغ جهده كان ركونه إلى الله عندئذ معاذا يعتصم به من غوائل الانكسار؛ فهو على الحالين قوى بعمله أولا وبتوكله آخراً. إن الإسلام يكره لك أن تكون مترددا فى أمورك تحار فى اختيار أصوبها وأسلمها وتكثر الهواجس فى رأسك فتخلق أمامك جوا من الريبة والتوجس فلا تدرى كيف تفعل. وتضعف قبضتك فى الإمساك بما ينفعك فيفلت منك ثم يذهب سُدى. إن هذا الاضطراب لا يليق بالمسلم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” المؤمن القوى خيروأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفى كل خير. احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أنى فعلت كذا لكان كذا. ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان” (رواه مسلم : 2664 ). وعمل الشيطان هو تشييع الماضى بالنحيب والإعوال، وهو ما يلقيه فى النفس من أسى وقنوط على ما فات. إن الرجل لا يلتفت وراءه إلا بمقدار ما ينتفع به فى حاضره ومستقبله أما الوقوف مع هزائم الأمس واستعادة أحزانها والتعثر فى عقابيلها وتكرار لو وليت فذلك ليس من خلق المسلم بل لقد عده القرآن الكريم من مظاهر الحسرة التى تتلجلج فى قلوب الكافرين”(خلق المسلم). يقول تعالي ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ”(آل عمران:156
إدراك النجاح ليس مهمتنا:
علي المرء أن يسعي وليس عليه إدراك النجاح: يقول الإمام البنا رحمه الله: “أيها الإخوان المسلمون: إنكم تبتغون وجه الله وتحصيل مثوبته ورضوانه، وذلك مكفول لكم ما دمتم مخلصين. ولم يكلفكم الله نتائج الأعمال ولكن كلفكم صدق التوجه وحسن الاستعداد، ونحن بعد ذلك إما مخطئون فلنا أجر العاملين المجتهدين، وإما مصيبون فلنا أجر الفائزين المصيبين. علي أن التجارب في الماضي والحاضر قد أثبتت أنه لا خير إلا طريقكم، ولا إنتاج إلا مع خطتكم، ولا صواب إلا فيما تعملون، فلا تغامروا بجهودكم ولا تقامروا بشعار نجاحكم. واعملوا والله معكم ولن يتركم أعمالكم والفوز للعاملين ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (البقرة:143)” (رسالة المؤتمر الخامس). وفي مجال الدعوة يقول الله تعالي لرسوله صلي الله عليه وسلم: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ﴾ (الغاشية:21-22) ويقول تعالي ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ﴾ (الشوري: من الآية48). ويقول تعالي ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ (البقرة: 272) فالمطلوب من المسلم هو السعي والعمل والدعوة والحركة والنشاط أما النتائج فليست إليه. ولذلك قسم ابن القيم الهداية إلي قسمين: “هداية البلاغ وهى مهمة الأنبياء وأتباعهم، وهداية التوفيق وهي لله وحده”(مدارج السالكين، بتصرف) ولا يقتصر هذا الأمر علي الدعوة وحدها وإنما يمتد إلي عموم النشاط الإنساني.
من مجالات إعداد القوة:
• إيقاظ القلوب بالإيمان: الجانب الإيماني من أهم جوانب إعداد القوة. يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: “العقيدة المكينة معين لا ينضب للنشاط الموصول، والحماسة المذخورة، واحتمال الصعاب، ومواجهة الأخطار، بل هى سائق حثيث يدفع إلى لقاء الموت دون تهيب إن لم يكن لقاء مُحب مشتاق. تلك طبيعة الإيمان إذا تغلغل واستمكن. إنه يضفى على صاحبه قوة تنطبع فى سلوكه كله؛ فإذا تكلم كان واثقا من قوله، وإذا اشتغل كان راسخا فى عمله، وإذا اتجه كان واضحا فى هدفه، وما دام مطمئنا إلى الفكرة التى تملأ عقله، وإلى العاطفة التى تعمر قلبه، فقلما يعرف التردد سبيلا إلى نفسه وقلما تزحزحه العواصف العاتية عن موقفه”(خلق المسلم). يقول محمود شيت خطاب رحمه الله: “القيادة الرشيدة لا بدَّ أن تدفعها عقيدة مؤمنة وقلب لم يركس في المعاصي، ونفس لم تُدنَّس بالفسوق والانحراف، وإرادة حازمة قوية ضابطة غير خاضعة لهوى يهوِي بها؛ بل هي سيدة على النفس، حاكمة لها”(بين العقيدة والقيادة). يقول الشيخ عبد الكريم زيدان رحمه الله: “من عوامل النصر التي مضت بها سنة الله في النصر وأخبرنا بها الله جل جلاله الإيمان. قال تعالى وهو أصدق القائلين: ﴿وكان حقاً علينا نصر المؤمنين﴾، قال صاحب تفسير المنار في هذه الآية: وهي نص في تعليل النصر بالإيمان، وقال الآلوسي: وظاهر الآية أن هذا النصر في الدنيا وأنه عام لجميع المؤمنين فيشمل من بعد الرسل من الأمة. وقال تعالى: ﴿إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئاً ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين﴾ أي من كان الله في نصره لم تغلبه فئة وإن كثرت”(عوامل نصر المؤمنين ومعوقاته). ومن الوسائل العملية لإيقاظ القلوب وزيادة الإيمان تلاوة القرآن وسماعه، والحفاظ علي صلاة الجماعة والصف الأول وتكبيرة الإحرام، والأخذ بنصيب من صيام التطوع وقيام الليل، ومن هذه الوسائل أيضاً زيارة المقابر وعيادة المرضي والسعي في قضاء حوائج المسلمين ومنه أيضاً ممارسة الدعوة إلي الله بالحكمة والموعظة الحسنة والأمربالمعروف والنهي عن المنكر، ورفض الظلم ومقاومته، وتبغيض الظلم إلي الناس وتعريفهم بمخاطره ودفعهم لرفضه ومقاومته. ومنها كذلك رعاية أسر المجاهدين ودعم صمودهم وجهادهم، والذب عن عرضهم ورد غيبتهم.
• إيقاظ العقول بالتفكير: العقل في الإسلام مناط التكليف، وقد تواتر في القرآن الكريم توجيه الخطاب لأولي الألباب وأصحاب العقول والنهي الذين يتفكرون ويذكرون ويعقلون؛ فينتفعون بالآيات، قال تعالي: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (النحل: من الآية11) وقال تعالي: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ (النحل: من الآية67) وقال أيضاً: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى﴾ (طه: من الآية54). وقال: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ (البقرة: 164). وإيقاظ العقول من أهم جوانت إعداد القوة؛ لإن العقول السليمة المبدعة المتحررة من الخرافة ومن التقليد الأعمي هي الأساس المكين لمعرفة الحق والعمل به “قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: مَا اسْتَوْدَعَ اللَّهُ أَحَدًا عَقْلًا إلَّا اسْتَنْقَذَهُ بِهِ يَوْمًا مَا. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الْعَقْلُ أَفْضَلُ مَرْجُوٍّ، وَالْجَهْلُ أَنْكَى عَدُوٍّ. وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: صَدِيقُ كُلِّ امْرِئٍ عَقْلُهُ وَعَدُوُّهُ جَهْلُهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: خَيْرُ الْمَوَاهِبِ الْعَقْلُ، وَشَرُّ الْمَصَائِبِ الْجَهْلُ”( الماوردي، أدب الدنيا والدين). والعقل أساس لتحصيل العلم الذي يمثل جانباً مهمهاً من جوانب القوة التي أوجب الإسلام علي المسلمين إعدادها؛ فأقسم الله سبحانه بأداة التعليم فقال: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ (القلم:1) وجعل العلم طريقاً لمعرفة الله وخشيته فقال سبحانه: ﴿إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ (فاطر: من الآية28).
• إيقاظ العزائم بالتحدي: قال تعالي: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ (159) وقد جعل الله تعالي الصبروالتقوي من العزيمة، وخاصة الصبر علي الأذي الذي يلقاه المؤمن في طريق الدعوة إلي الله، فقال تعالي: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ (آل عمران:186) ومن العزم أيضاً التوجه بقوة للقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر علي ما يناله جراء قيامه بهذا الواجب قال تعالي علي لسان لقمان عليه السلام وهو يوصي ابنه: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ (لقمان: 17). ومن العزم أيضاً تحدي غرائز الخصام في النفس الأمارة بالسوء وحملها علي الصبر والتسامح، قال تعالي: ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ (الشوري: 43). ولا شك أن قوة العزيمة من جوانب القوة المهمة ذات الوزن النسبي الكبير، والاهتمام بتقوية العزائم بتحدي قدرات النفس وتحدي مشكلات الواقع وعدم الاستسلام لأوهام النفس أو لضغوط الواقع ينتج التماسك والصلابة والصمود في مواجهه الشدائد، ويغذى طاقة الكفاح، ويعين علي تحمل أعباء الصدمات، فالاستجابة للتحديات الخارجية والتهديدات الواقعية استجابة إيجابية يقوي العزم، وتقوية العزم تدفع إلي الاستمرار حتي النهاية مهما كانت المصاعب والتضحيات وأشواك الطريق. ومن الوسائل العملية لتقوية العزيمة التدريب العملي علي فطام النفس عن بعض مألوفاتها، وتغيير بعض عاداتها، وتدريب النفس علي القيام ببعض المهام التي تشق عليها أو التي تحدثك نفسك بعدم قدرتك عليها أو عدم صلاحيتك لها،وتذكر أن نجاحك الأول رغم صعوبته يؤدي إلي نجاح جديد، وعزم أكيد يقودك إلي تحدي تغيير الواقع الذي لا ترغبه بعد أن نجحت في تغيير ما لا ترضاه من نفسك.
• حفظ وتقوية الأبدان: وهذا الجانب لا يقل أهمية عن الإعداد العقلي والعلمي، أو الإعداد الروحي والإيماني؛ لأن العقل السليم في الجسم السليم، والبدن المعلول يعوق صاحبه عن آداء الشعائر التعبدية فضلاً عن تحمل أعباء الجهاد، والأمة تحتاج في جهادها إلي السواعد الفتية حاجتها إلي العقول الذكية والقلوب التقية والعزائم القوية، وقد جعل الله تعالي بسطة العلم والجسم من مؤهلات طالوت لقيادة الجهاد. فقال سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: من الآية247). ويقول صلي الله عليه وسلم: “المؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير” (رواه مسلم) ومن الوسائل العملية التي تعينك علي إعداد بدنك لتحمل أعباء الجهاد أن تلتزم بورد رياضي يومي لا تتركه بأي حال، وأن تتعلم إحدي رياضات الدفاع عن النفس، وأن تكون معتدلاً في طعامك وشرابك، وأن تتعلم طرق التغذية السليمة، وتتدرب علي الإسعافات الأولية، وتبادر بالكشف الطبي الدوري، وتتعلم كيف تقي نفسك من الأمراض، ولا تنس أن تعلم غيرك ما تعلمت حتي تشيع هذه العادات في المجتمع فيصبح مجتمعاً قوياً قادراً علي مواجهة الشدائد.
• بث روح الجهاد: قد يكون الإنسان ذكياً تقيا فتياً لكنه ليس متشرباً لروح الجهاد، إما لإلف التنعم، أو لغلبة الدنيا علي نفسه واهتمامه، أو غير ذلك مما يؤدي إلي قلة استعداده للتضحية، ولا يكون إعداد القوة كاملاً إلا إذا عملت الأمة علي بث روح الجهاد في طبقات الأمة حتي يغلب عليها الجد، وتشيع فيها أخلاق القوة، قال تعالي: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ﴾ (الحج: من الآية78)، وقال تعالي: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (العنكبوت:69). يقول الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله: “فرض الله الجهاد على كل مسلم فريضة لازمة حازمة لامناص منها ولا مفر معها، ورغب فيه أعظم الترغيب، وأجزل ثواب المجاهدين والشهداء، فلم يلحقهم في مثوبتهم إلا من عمل بمثل عملهم ومن اقتدي بهم في جهادهم. ومنحهم من الامتيازات الروحية والعملية في الدنيا والآخرة ما لم يمنح سواهم، وجعل دماءهم الطاهرة الذكية عربون النصر في الدنيا وعنوان الفوز والفلاح في العقبى، وتوعد المخلفين القاعدين بأفظع العقوبات، ورماهم بأبشع النعوت والصفات ووبخهم علي الجبن والقعود، ونعني عليهم الضعف والتخلف، وأعد لهم في الدنيا خزياً لا يرفع إلا إن جاهدوا، وفي الآخرة عذاباً لا يفلتون منه ولو كان لهم مثل أحد ذهباً، واعتبر القعود والفرار كبيرة من أعظم الكبائر وإحدى الموبقات المهلكات”(رسالة الجهاد). ومن الوسائل العملية لتشرب نفسك روح الجهاد وبثها في من حولك تعويد نفسك علي خشونة العيش في بعض الأحيان، ومراجعة ورد المجاهد وتنفيذ ما جاء به من وسائل عملية، والعيش في ظلال آيات الجهاد بتلاوتها وحفظ ما تيسر منها، والصلاة بها، وقراءة تفسيرها وتسجيل الخواطر حولها، وجعلها موضوعاً للدروس والبوستات في مواقع التواصل الاجتماعي، وقراءة أبواب الجهاد في أحد كتب الحديث مثل البخاري ومسلم ورياض الصالحين، والحديث مع الزوجة والأبناء والأقارب عن فضل الجهاد وتذاكرمعهم سير المجاهدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.
• امتلاك القوة المادية: قال تعالي: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحديد:25) فالصناعات العسكرية جزء من هذا الإعداد المادي للقوة الذي يحقق منافع الناس من تحكيم الشريعة ونشر الدعوة وإقامة العدل والقسطاس. يقول علماء أصول الفقه: “ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب” وقد يكون الإنسان مؤمناً بقضيته، مستعداً للتضحية من أجلها فاهماً لأبعادها مدركاً لواقعه وواقع عدوه، ولديه العقل الذكي والقلب التقي والبدن القوي والعزم الفتي ولكنه لا يمتلك الأدوات التي تعينه علي تحقيق أهدافه فمثل ذلك يكون إعداده ناقصاً؛ لأن القوة المادية لا تقل أهميتها عن القوة المعنوية ولكن حدودها المطلوبة هو استفراغ الوسع وبذل منتهي الطاقة؛ فلابد للمجاهد من تأمين سلاحه الذي لا غني له عنه في جهاد عدوه، والأولي له أن يجتهد ما استطاع في إنتاج سلاحه بنفسه ولا يعتمد في الحصول عليه من مصدر خارجي يمكن أن يبتزه وينحاز إلي عدوه في أي وقت تبعاً لتغير المصالح. وأن يتعلم كيف يحتفظ بسلاحه صالحاً للعمل لوقت الحاجة، وأن يتدرب جيداً علي استخدام هذا السلاح ليحقق به أقصي نكاية ممكنة في العدو، وأن يتعلم كيف يتجنب الخسائر وكيف يحافظ علي قوته، وأن يتعلم متي يتقدم ومتي يتأخر وماذ يجب عليه أن يفعل في كل الاوقات. ومع أهمية القوة المادية إلا أنها تأتي في ترتيبها الصحيح. يقول الإمام البنا رحمه الله: “إن أول درجة من درجات القوة قوة العقيدة و الإيمان, ثم يلي ذلك قوة الوحدة و الارتباط, ثم بعدهما قوة الساعد و السلاح, و لا يصح أن توصف جماعة بالقوة حتى تتوفر لها هذه المعاني جميعا, و أنها إذا استخدمت قوة الساعد و السلاح و هي مفككة الأوصال مضطربة النظام أو ضعيفة العقيدة خامدة الإيمان فسيكون مصيرها الفناء و الهلاك “(رسالة المؤتمر الخامس) و يقول أيضاً: “لو آمن الشرق بحقه و غير من نفسه و اعتنى بقوة الروح و عني بتقويم الأخلاق, لأتته وسائل القوة المادية من كل جانب و عند صحائف التاريخ الخبر اليقين”(رسالة إلي أي شيء ندعو الناس).
• إبداع استراتيجيات جديدة: إن إبداع استراتيجيات جديدة مهما كانت بسيطة يغير موازين القوي لصالح الإبداع الجديد مهما كان حجم القوة التقليدية التي يعتمد عليها العدو؛ والأمثلة الأبرز علي هذا النوع المبدع من الإعداد شبكة الأنفاق الهجومية و الدفاعية التي فاجأت غزة بها العالم وكانت أحد أبرز الأسباب في انتصارها علي إسرئيل رغم فرق القوة الهائل، ومن أمثلتها كذلك استراتيجية الطعن ضمن فعاليات الانتفاضة الثالثة؛ فرغم بساطتها إلا أنها أصابت إسرائيل بالرعب، وضغطت علي الاقتصاد الإسرائيلي الذي ينزف تحت تأثير غياب الأمن الذي يمثل الهاجس الأكبر لكل مواطن إسرائيلي. فاستراتيجية الطعن تعتمد علي سلاح بسيط موجود بشكل طبيعي في كل بيت، ولا يحتاج الأمر إلا إلي قلب مؤمن جسور وساعد قوي ويد لا ترتعش. وقد حققت هذه الاستراتيجية أهدافاً كبيرة مع بداية استخداما منها إيقاف مخطط تقسيم المسجد الأقصي ولو مؤقتاً، وإنهاء مشروعات التسوية ومسار المفاوضات، كما أحيت القضية الفلسطينية من جديد ودفعت بها إلي صدارة المشهد العالمي رغم كل الأحداث الساخنة من حولها والتي كادت تغطي عليها، و من هذه النتائج أيضا أنه قد شغلت إسرائيل بنفسها وبمحاولة توفير الأمن لساكني تل أبيب بدلا من التفكير في شن حرب جديدة علي غزة، ومن الممكن أن تستمر هذه الاستراتيجية حتي تجبر إسرائيل علي الانسحاب الكامل من الضفة الغربية كما انسحبت من قطاع غزة. والمطلوب من الثوار المصريين تقديم استراتيجيات مبدعة لكسر الانقلاب في إطار السلمية والحفاظ علي الثورة من السقوط في مستنقع الحرب الأهلية، أو الوقوع في فخ العسكرة، أو الانجرار إلي المواجهة الشاملة مع الجيش لما يفتحه ذلك من أبواب واسعة للتدخل الخارجي ويهدد وحدة الوطن وسلامة أراضيه.
2 تعليقات
تعقيبات: الحلقة الثالثة: 25 يناير جولة أخري في مواجهة البغي – موقع منزلاوي
تعقيبات: الحلقة الرابعة :خطورة التراخى فى العمل مع المجتمع – موقع منزلاوي