الحلقة الرابعة :خطورة التراخى فى العمل مع المجتمع
27 يناير، 2016
إسلاميات, تربوى
1,253 زيارة
خطورة التراخى فى العمل مع المجتمع
الافتتاحية: من سورة الأنفال:25-28
قال تعالي: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ (الأنفال:25-28).
يقول الإمام ابن كثير رحمه الله: “يُحَذِّرُ تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ فِتْنَةً أَيِ اخْتِبَارًا وَمِحْنَةً يَعُمُّ بِهَا الْمُسِيءَ وَغَيْرَهُ لَا يَخُصُّ بِهَا أَهْلَ الْمَعَاصِي وَلَا مَنْ بَاشَرَ الذَّنْبَ بَلْ يَعُمُّهُمَا حَيْثُ لَمْ تُدْفَعُ وَتُرْفَعُ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ هَذَا التَّحْذِيرَ يَعُمُّ الصَّحَابَةَ وَغَيْرَهُمْ وَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ مَعَهُمْ هُوَ الصَّحِيحُ، ويدل عليه الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي التَّحْذِيرِ مِنَ الْفِتَنِ.
عن حذيفة بن اليماني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهن عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلَا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ»
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول «إِذَا ظَهَرَتِ الْمَعَاصِي فِي أُمَّتِي عَمَّهُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ» فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَمَا فِيهِمْ أُنَاسٌ صَالِحُونَ قَالَ «بَلَى» قَالَتْ فَكَيْفَ يَصْنَعُ أُولَئِكَ؟ قَالَ «يُصِيبُهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسُ ثُمَّ يَصِيرُونَ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ»”(تفسير القرآن العظيم).
يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله: “الجماعة التي تسمح لفريق منها بالظلم في صورة من صوره ولا تقف في وجه الظالمين ولا تأخذ الطريق على المفسدين، جماعة تستحق أن تؤخذ بجريرة الظالمين المفسدين؛ فالإسلام منهج تكافلي إيجابي لا يسمح أن يقعد القاعدون عن الظلم والفساد والمنكر يشيع وهم ساكتون. ثم هم بعد ذلك يرجون أن يخرجهم الله من الفتنة لأنهم هم في ذاتهم صالحون طيبون، ولما كانت مقاومة الظلم تكلف الناس التكاليف في الأنفس والأموال فقد عاد القرآن يذكر العصبة المسلمة بما كان من ضعفها وقلة عددها، وبما كان من الأذى الذي ينالها، والخوف الذي يظللها، وكيف آواها الله بدينه هذا وأعزها ورزقها رزقا طيبا؛ فلا تقعد إذن عن الحياة التي يدعوها إليها رسول الله، ولا عن تكاليف هذه الحياة، التي أعزها بها الله، وأعطاها وحماها. والحياة التي يدعو إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حياة كريمة، لا بد لها من تكاليف، ولا بد لها من تضحيات؛ لذلك يعالج القرآن هذا الحرص بالتنبيه إلى فتنة الأموال والأولاد، وبالتحذير من الضعف عن اجتياز هذا الامتحان، ومن التخلف عن دعوة الجهاد وعن تكاليف الأمانة والعهد والبيعة. واعتبار هذا التخلف خيانة لله والرسول، وخيانة للأمانات التي تضطلع بها الأمة المسلمة في الأرض، وهي إعلاء كلمة الله وتقرير ألوهيته وحده للعباد، والوصاية على البشرية بالحق والعدل. ومع هذا التحذير التذكير بما عند الله من أجر عظيم يرجح الأموال والأولاد، التي قد تُقعد الناس عن التضحية والجهاد: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ».
إن التخلي عن تكاليف الأمة المسلمة في الأرض خيانة لله والرسول؛ فالقضية الأولى في هذا الدين هي قضية: «لا إله إلا الله، محمد رسول الله». هذه هي قضية هذا الدين اعتقادا لتقريره في الضمير، وحركة لتقريره في الحياة، ومن هنا كان التخلي عنها خيانة لله والرسول يحذر الله منها العصبة المسلمة التي آمنت به وأعلنت هذا الإيمان فأصبح متعينا عليها أن تجاهد لتحقيق مدلوله الواقعي والنهوض بتكاليف هذا الجهاد في الأنفس والأموال والأولاد. كذلك يحذرها خيانة الأمانة التي حملتها يوم بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام. فالإسلام ليس كلمة تقال باللسان، وليس مجرد عبارات وأدعيات. إنما هو منهج حياة كاملة شاملة تعترضه العقبات والمشاق”(في ظلال القرآن، بتصرف).
دروس مستفادة من الآيات:
-
السلبية في مواجهة الظلم معصية تستوجب عقوبة الله تعالي التي تعم الظالمين والساكتين علي الظلم.
-
توعية المجتمع بخطورة الظلم ومشاركة الناس في مقاومة الظالم عمل جهادي يحتاج إلي التضحية بالوقت والمال والنفس.
-
……………………………….أذكر دروساً أخري.
خطورة التراخي في العمل مع المجتمع علي الثورة:
-
تآكل الحاضنة الشعبية للثورة: لأن التراخي في العمل مع المجتمع يؤدي إلي ضعف وعى الحاضنة الشعبية للثورة بمتغيرات الواقع، ويسهل تضليلها من قبل إعلام الانقلاب فيتخلي الناس بالتدريج عن دعم الثوار والتعاطف معهم وتفهم مواقفهم وتقدير تضحياتهم، ولا شك أن الثورة إذا خسرت حاضنتها الشعبية فليس من السهولة استعادتها. والشعب كالأرض إذا ما أهملت قد تتعب وتقل كفاءتها وتصعب زراعتها من جديد، ما لم تبذل جهود حثيثة لإصلاحها وحرثها وتهيئتها قبل بذرها مرة أخرى.
-
خفوت روح الثورة وانكماشها: فإن روح الثورة وفكرها لا يمكن أن تنبت أو تتجذر إلا في مناخ يتقبلها وبيئة مواتية وليست مجافية، والتراخي في العمل مع المجتمع يولد الجفوة بينه وبين الثورة والثوار، ويؤدي إلي انطفاء جذوة الثورة في نفوس المؤيدين لها فتنكمش علي مستوي الفكر والجغرافيا.
-
كفر المجتمع بالثورة كأداة للتغيير: لابد أن يرى الشعب أن الثورة ضرورة ملحة وحاجة ماسة لحل معاناته ووضع نهاية لمأساته، فإذا قصر الثوار في التواصل المباشر مع المجتمع والعمل علي توعيته بحقوقه وواجباته، وضرورة مقاومة الظلم، وخطورة السلبية وترك الانقلاب ليتمكن علي حاضر الوطن ومستقبله فإن ذلك يؤدي إلي نجاح الدعاية المضادة التي تحمل الثورة مسئولية الفشل الذي مني به الانقلاب في حل مشكلات المجتمع.
-
استقرار الانقلاب لفترة طويلة: فكما أن الإيجابية في التلاحم الثوري مع المجتمع وتبني قضاياه وهمومه ومشكلاته وتوظيف الواقع المأزوم لزيادة تثوير المجتمع وتوسيع نطاق الثورة يؤدي إلي تقصير عمر الانقلاب فإن التراخي في العمل مع المجتمع يؤدي إلي إطالة عمر الانقلاب بما يحمله ذلك من نذرشؤم علي الجميع.
خطورة التراخي في العمل مع المجتمع علي الثوار:
-
فقدان المنعة والحماية: تتوقف درجة الحماية والمنعة التي يتمتع بها الثوار علي قوة وحجم ووعي الحاضنة الشعبية للثورة، كما أن قوة الحاضنة الشعبية للثورة ووعيها يتوقف علي درجة التواصل بينها وبين الثوار والجهد الذي يبذله الثوار في معركة الوعي؛ ولذا فإن التراخي في العمل مع المجتمع ينتهي بفقدان الثوار للمنعة والحماية فيسهل القضاء عليهم.
-
فقدان الدعم المادي والمعنوي: فالشعب هو الذي يمول ثورته التي تحمل حلمه في التحرر من التبعية والانعتاق من قيود الاستبداد وأنياب الفساد؛ ولما كانت المعركة طويلة صعبة تحتاج إلي تكاليف كبيرة فلابد من إسهام المجتمع في حمل أعبائها، وهذا يتوقف علي مدي قدرة الثوار علي التواصل مع المجتمع وشرح قضيتهم وخلق حالة من التبني لممارساتهم وتوفير احتياجاتهم.
-
صعوبة الحركة والانتقال والتخفي: فالتراخي في العمل مع المجتمع يؤدي إلي تأكل الحاضنة الاجتماعية واطفاء الكثير من النقاط الثورية وانحسار الثورة جغرافياً عن أماكن كانت تشتعل بالثورة تجعل حركة الثوار صعبة ومحفوفة بالمخاطر، خاصة إذا تعاون المجتمع مع الإجهزة الأمنية في الإبلاغ عن الثوار وتعقب حركتهم.
خطورة التراخي في العمل مع المجتمع علي المجتمع:
-
تزييف الوعي المجتمعي: نتيجة لكثافة القصف الإعلامي للانقلاب مقابل ضعف التواصل المباشر من الثوار مع المجتمع والتراخي في قيامهم بواجبهم في معركة الوعي، وهي من المعارك المهمة في مواجهة الانقلاب.
-
ضعف الذاكرة المجتمعية: لأن كثر الملهيات وكثرة المشتتات في الواقع تحتاج إلي كثر التذكير وهذا يتطلب التواصل الكثيف والمعل المباشر مع المجتمع والتقصيرفي هذا الواجب يؤدي إلي ضعف الذاكرة المجتمعية.
-
ضعف النسيج الاجتماعي: وهذا ما يسعي إليه الانقلاب بإشاعة الفرقة وتقسيم المجتمع عملا بسياسة الإنجليز فرق تسد، والعمل مع المجتمع يفشل هذا المخطط ويحافظ علي تماسك النسيج الاجتماعي ويحصن المجتمع من حروب الكراهية والانزلاق إلي مستنقع الاحتراب الأهلي.
تطبيقات عملية:
-
مناقشة التجارب الناجحة في العمل مع المجتمع وكيفية الاستفادة منها
شاهد أيضا :


