إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه
6 يناير، 2016
إسلاميات, تربوى
2,194 زيارة
أخي الثائر أختي الثائرة:
لا يخوفك الشيطان بالفقر كما يخوف أولياءه، ولا تخف من ذي سلطان ما دام سلطان الله لا يزول وأنت عبده ومولاه، ولا تحزن علي فوات شيء من الدنيا ما دام رزقك علي الله وخزائن الله لا تنفد وكرم الله ليس له حدود، ولا يشغلنك طلب الرزق عن غاياتك الكبري فإن الرزق يطلبك كما تطلبه، وإذا كنت لا تعرف لرزقك مكاناً ولا عنواناً فهو يعرف مكانك وعنوانك وطريق الوصول إليك. وإذا ركبت الريح هرباً منه ركب البرق طلباً لك ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ* فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ﴾ (الذاريات:22-23). وتأمل قول جعفر الصادق رضي الله عنه: “عجبت للناس شغلوا أنفسهم بما ضمن لهم عما طلب منهم” فقد طلب الله منا العمل وضمن لنا الرزق وحدد الأجل. ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (لقمان:34) وما أجمل قول الإمام علي رضي الله عنه: “الأجل محتوم والرزق مقسوم فلا يغُمن أحدكم إبطاؤه فإن الحرص لا يقدمه والعفاف لا يؤخره والمؤمن بالتجمل خليق”.
أخي الثائر أختي الثائرة:
إن الله تعالي تكفل برزق المخلوقات جميعاً وأنت سيد الكون عبد لله وحده ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ (هود:6). ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (العنكبوت:60). فكيف تقلق علي رزقك والله تعالي يراك ويعلم حالك وقد تكفل بك وبأودك كما تكفل بخلقه جميعاً
لو كان في صخرة صماء راسية ***** في البحر ملمومة ملس نواحيها
رزق لعبد براه الله لانصدعـــــت ***** حتى يؤدي إليه كـــل مـا فيهـــا
أو كان تحت طباق السبع مسلكها ***** لسهل الله مـــن قــرب مراقيــها
حتى ينال الذي في اللوح حظ لـه ***** إمــا أتتــه وإلا كـــــان يأتيهــــا
أخي الثائر أختي الثائرة:
كن علي يقين أنه لا يقع في كون الله إلا ما يريد، ولايقع شيء في كون الله دون علمه، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما فاتك ليس لك، وأن نصيبك من الدنيا ستحصل عليه كاملاً غير منقوص ” عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس من عمل يقرب من الجنة إلا قد أمرتكم به ولا عمل يقرب من النار إلا وقد نهيتكم عنه فلا يستبطئن أحد منكم رزقه فإن جبريل ألقى في روعي أن أحدا منكم لن يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه فاتقوا الله أيها الناس وأجملوا في الطلب فإن استبطأ أحد منكم رزقه فلا يطلبه بمعصية الله فإن الله لا ينال فضله بمعصيته(صحيح الحاكم). وعن أَبِي أمامة أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، قَالَ: “إنّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوعِي أنّ نَفْساً لنْ تَمُوتَ حَتّى تَسْتَكْمِلَ أجَلَها وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَها، فاتّقُوا الله وأجْمِلُوا في الطَّلبِ، ولا يَحْمِلنَّ أحَدَكُمُ اسْتِبْطاءُ الرِّزْقِ أنْ يَطْلُبَهُ بِمَعْصِيَةِ الله، فإنّ الله تعالى لا يُنالُ ما عِنْدَهُ إلاّ بِطاعَتِهِ” (رواه أبو نعيم وصححه الألباني). جاء في بعض الآثار أن الله أوحى إلى موسى عليه السلام: يا موسى لا تخافنَّ غيري ما دام ليَ السُّلطان، وسلطاني دائمٌ لا ينقطعُ، يا موسى، لا تهتمَّنَّ برزقي أبداً ما دامت خزائني مملوءةً، وخزائني مملوءةٌ لا تفنَى أبداً، يا موسى لا تأنس بغيري ما وجدتَني أنيساً لك، ومتى طلبتني وجدتني، يا موسى، لا تأمن مكري ما لم تَجُزِ الصِّراطَ إلى الجنة” (جامع العلوم والحكم).
أخي الثائر أختي الثائرة:
إن يقينك أن رزقك لن يأخذه غيرك، وأن أجلك لا يطيله إحجام ولا يقصره إقدام، وأن وقت خروجك من الدنيا محدد وكذلك المكان الذي تنطلق منه إلي هذه الرحلة الأبدية، والطريقة التي تنتقل بها من دار الفناء إلي دار البقاء. إن يقينك بهذا كله يزيدك عزة وعفة وتصبح الدنيا عندك في موضعها الصيحيح. قال الخليفة هشام بن عبد الملك لسالم بن عبد الله بن عمر عند الكعبة: سلني حاجتك، فقال: والله إني لأستحي أن أسأل في بيته غيره.فلما خرج من المسجد قال هشام الآن خرجت من بيت الله فاسألني، فقال: من حوائج الدنيا أم الآخرة؟ قال: من حوائج الدنيا، فقال سالم: ما سألتها ممن يملكها، فكيف أسالها ممن لا يملكها”( الصفدي: الوافي بالوفيات). وهذا اليقين يدفعك للاستعداد دائماً للرحيل الذي لا تعرف موعده حتي لا يأتيك فجأة. قال ابن الجوزى رحمه الله: “كلامك مكتوب، وقولك محسوب، وأنت يا ذا مطلوب، ولك ذنوب وما تتوب، وشمس الحياة قد أخذت فى الغروب فما أقسى قلبك من بين القلوب”. وعظ أعرابى ابنه فقال: “أى بنى، إنه من خاف الموت بادر الفوت، ومن لم يكبح نفسه عن الشهوات أسرعت به التبعات”، قال الحسن البصرى: “ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل” .فأقبل علي الله تعالي واعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
6-1-2015