سليم عزوز يكتب: السيسي لم يقتل «النكتة الأسطورية».. إنه أكبر منتج لها!
25 يونيو، 2016
مقالات
516 زيارة
عندما تناقش قناة «الجزيرة مباشر»، قضية فرقة «أطفال شوارع»، من زاوية أنها الحرب على «النكتة» و«الفكاهة» في مصر، فأعلم أننا إزاء حالة من حالات عدم الحياد الإعلامي؛ ذلك بأن الموضوعية كانت تقتضي التأكيد على أن نظام «المهيب الركن» عبد الفتاح السيسي، لا يحارب «النكتة»، ولكنه يصادرها لحسابه، باعتباره أكبر منتج للفكاهة في تاريخ مصر الحديث!
«الجزيرة مباشر» خصصت فقرة من نافذتها المسائية يوم الخميس الماضي لمناقشة تقرير حقوقي عن فرقة «أطفال شوارع» التي اعتقلها نظام السيسي، ولأن «حبيبك يبلع لك الزلط»، فقد بلعته قناة «العربية»، ولأن «عدوك يتمنى لك الغلط» فلم تبلعه «الجزيرة مباشر»، التي احتفت بتقرير «مغرض» لمنظمة حقوقية، واضح أنها تكيد كيداً لنظام «المهيب الركن»، فاعتبرت قضية «الفرقة» سالفة الذكر رمية بغير رام لمواصلة مهمتها في الكيد السياسي، فكان أن قال قائلها وصفاً لما جرى: «تحت حكم السيسي مصر تفقد روح النكتة الأسطورية التي يتمتع بها الشعب المصري»!
يكفي أن تعلم أن هذه المنظمة الحقوقية هي «هيومن رايتس ووتش»، لتقف على أن العبارة المنسوبة لنائب مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة، مدفوعة بالغرض، وكما قال ابن أبيه «الغرض مرض»، وراعني في فقرة «النافذة» أنه لم تحدث الاستعانة بمن يمثلون وجهة نظر النظام المصري، ولأن نائب مدير مركز دراسات الاتحادية لشؤون الرئاسة وضواحيها، لدية قدرة عجيبة على اكتشاف المؤامرات التي تحاك ضد نظام السيسي، فلم يكن بحاجة لبذل الجهد ليكشف حجم الخطأ «الهائل والمهول» في كلام ممثل «هيومن رايتس»، فليس صحيحاً البتة أن مصر تحت حكم السيسي تفقد روح النكتة الأسطورية، والصحيح أن ما جرى هو عملية تأميم لصالح الاقتصاد الوطني!
تأميم الفكاهة
والدليل الذي يثبت أن «حكم السيسي» نفسه هو أكبر منتج للفكاهة، وأن ما يقوم به فقط هو عملية تأميم من قبل الدولة لبضاعة يتميز بها المصريون على مر التاريخ، هو أنه يكفي أن يظهر السيسي على الشاشة ولو صامتاً، ليشيع البهجة في ربوع المنطقة، فإذا تكلم ذهب إلى بيته لينام ملء جفونه عن شواردها، ليسهر الخلق جراها ويبتهج. مع الاعتذار للمتنبي!
فالسيسي المتهم من قبل «هيومن رايتس»، بأنه أفقد مصر روح «النكتة الأسطورية» هو مصنع لهذه النكات الأسطورية، لا سيما عندما يتحدث عن مواهبه، مثلما فعل ذات يوم وقال إنه طبيب الفلاسفة، وأن الناس يأتون إليه من أنحاء العالم، ليقول أهل الذكر منهم لمن هم لا يعرفون قدرات الرجل: «امشوا خلفه»!
وذات يوم كان يتحدث عن قدرته الخارقة في حل مشكلة الكهرباء، فلم ينس أن يخبرنا عن أن دولاً كبرى فشلت في حل مشكلة الكهرباء فيها، وقال: «لن أسميها»، دون أن يذكر السبب في حرصه على عدم ذكر الأسماء غير أنه يأسف لهذه الدول، التي من الواضح أنها تخفي معاناتها في هذا المجال!
المشترك في كل حديث للسيسي عن قدراته الفذة هو ذكره للعالم، تماشياً مع حديث المصري البسيط قديماً عن «بلاد بره»، عندما كان يفخر الواحد من المصريين البسطاء بأن ابنه سافر إلى «بلاد بره»، وهو وصف لا يطلق إلا على بلاد الفرنجة، وعلى رأي الفنان فؤاد المهندس في عبارته المتكررة في إحدى مسرحياته «في أمريكا والدول المتقدمة»!
«في أمريكا والدول المتقدمة» لا ينتج الحكام الفكاهة، كما هو حاصل في مصر، في ظل حكم الحبر العلامة، وهذا امتياز مصري، حيث وصل الحال حد أن السيسي صار ملهماً لمنتجي الفكاهة، وأهل النكتة، مثل العبقري «عطوة كنانة»، الذي برع في تقليده، حتى صدق فيه قول القائل إن السيسي هو من يقلد عطوة وليس العكس، وهناك برامج تلفزيونية من بابها تستلهم منه الفكاهة، فبجانب حلقات «كنانة»، فهناك البرنامج الجديد ليوسف حسين «جو شو» على تلفزيون «العربي الجديد»، وهو الذي جعل من السيسي شخصيتين، الأول هو «الرئيس عبد الفتاح» والثاني هو «الرئيس السيسي»، ومن التناقض بين أقوالهما في الموضوع الواحد تكون «النكتة»!
وعلى ذكر «عطوة كنانة»، فقد انتقل لدور آخر، بالاشتراك مع الفنان «باكوس»، إذ يقوم الأخير بدور المذيع الذي يحاور الأول الذي هو «الدكتور عيد سعيد مبارك عليكم» رئيس حزب مصر العتيقة، ورئيس «مركز الدرميء لحقوق الإنسان» في برنامج اختاروا له اسماً ساخراً هو « كلاويس»، وفكرة تقوم على تصنيع «المادة الخام» للفكاهة من دولة السيسي دون إشارة لحقوق الملكية الفكرية لسيادته.
المادة الخام للفكاهة
ولأنها مرحلة مبدعة بطبعها، فقد أفرزت فكاهياً آخر هو عبد الله الشريف، الذي يقدم لوناً جديداً من الفكاهة معتمداً على ما أنتجته هذه المرحلة من فكاهة، وما أفاض به نظام السيسي على العالم من فائض في إنتاج المسخرة، التي هي المادة الخام للنكتة، ومع هذا يخرج علينا متحامل كنائب مدير «هيومن رايتس» ليقول: «تحت حكم السيسي مصر تفقد روح النكتة الأسطورية التي يتمتع بها المصريون»، لمجرد اعتقال فرقة «أطفال شوارع»، وتأتي «الجزيرة مباشر» لتولي اهتماماً بالغاً لما قيل ولتقرير هذه المنظمة الحقوقية المغرضة!
فحقيقة الأمر أن السيسي يعمل من أجل أن تحتكر الدولة «النكتة الأسطورية»، تماماً كما فعل مبارك، في بداية عهده، فقد تم الحكم بسجن الفنان سعيد صالح بتهمة حيازة مخدرات، وقيل لإن المستهدف هو الانتقام منه بسبب مقولته الساخرة التي خرج بها عن النص في إحدى مسرحياته وصفاً لحكام مصر الثلاثة: «واحد أكلنا المش، والثاني علمنا الغش، والثالث لا بيهش ولا بينش»، وذلك عندما كان مبارك «لا يهش ولا ينش»، وقبل أن يتحول إلى حاكم فعلي بعد وفاة رئيس الحكومة القوى فؤاد محيي الدين وعندما كان يحكم بأركان دولة السادات.
وإذا كان من المستحيل فتح ملف سجن «سعيد صالح» في وجود مبارك، فقد اعتقدت أنه بعد الثورة كان يمكن أن يناقش الفنان المذكور في القضية ويذكر أبعادها، لكنه ظهر في آخر أيامه بعد ثورة يناير مع «عمرو الليثي» على قناة «المحور»، ليمر سريعاً على قضية سجنه فقد أفاد أنه «سعيد بها»، فقد كان في شيخوخته ولم يكون في لياقة تمكنه في استغلال الثورة في الانتقام وذكر الحقائق، وربما أراد ألا يفتح المجال ليناقش وقائعها، فهي قضية لم تكن ملفقة، لكن الدوافع للقبض على فنان كبير في حجمه لم تكن بريئة، ومع نظام حمى الموسيقار بليغ حمدي من السجن بتهمة مقتل الفنانة المغربية «سميرة مليان»!
«مبارك» الذي ضاق ذراعا بعبارة أضحكت الجمهور، كان يستمتع بالنكتة، وفي سفرياته الخارجية كان يستدعي أحد رؤساء التحرير ليجلس بجانبه في الطائرة ليتحفه ويسليه بالنكات التي ينتجها المصريون، لكن في عهد «المهيب الركن»، صار النظام هو منتج الفكاهة فلا ضير من أن يحتكرها، وهناك فارق هائل بين احتكار «النكتة»، وبين «فقدها» والوصف الأخير هو لنائب مدير منظمة «هيومن رايتس ووتش» واحتفت به «الجزيرة مباشر»!
في مسرحية «مدرسة المشاغبين»، قال عادل إمام: «العلم لا يكيل بالبادنجان». لكن من الواضح أنه صار الآن يكيل بالبادنجان، ولا بأس، فالبأس الشديد أن تعلن منظمة حقوقية أن مصر فقدت روح النكتة الأسطورية في عهد السيسي، وتعوم «الجزيرة مباشر» على عوم المنظمة حسداً من عند أنفسهم، لأن الخطوة التالية لاحتكار العسكر للنكتة وتأميمها هو التعامل معها على أنها بضاعة قابلة للتصدير لتدر على البلاد عملة صعبة، فتحل مصر أزماتها بعيداً عن الرز الخليجي!
انظر كيف فعل الحقد بالناس بشكل دفعهم للقول إن مصر تحت حكم السيسي فقدت روح النكتة الأسطورية. فعلاً: «الغرض مرض»!