الأسبوع الرابع : العدالة الاجتماعية في الإسلام(2)
26 مايو، 2016
إسلاميات, تربوى
434 زيارة
الافتتاحية: سورة الحديد الآيات 7-12
قال تعالي: ﴿آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ * وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ * يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾(الحديد: 7-12).
الآيات من سورة الحديد وهي سورة مدنية ولكنها سلكت في خطابها مسلك القرآن المكي في تقرير حقيقة الإيمان. يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله في مقدمة تفسير سورة الحديد: “هذه السورة بجملتها دعوة للجماعة الإسلامية كي تحقق في ذاتها حقيقة إيمانها. هذه الحقيقة التي تخلص بها النفوس لدعوة الله فلا تضن عليها بشيء، ولا تحتجز دونها شيئا. لا الأرواح ولا الأموال ولا خلجات القلوب ولا ذوات الصدور. وعلى أساس هذه الحقيقة الكبيرة تدعو السورة الجماعة الإسلامية إلى البذل في سبيل الله. بذل النفس وبذل المال: ﴿آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾…وظاهر من سياق السورة- إلى جانب عمومية الدعوة الدائمة إلى تلك الحقيقة- أنها كانت تعالج كذلك حالة واقعة في الجماعة الإسلامية عند نزول هذه السورة في المجتمع المدني في فترة تمتد من العام الرابع الهجري إلى ما بعد فتح مكة. فإلى جانب السابقين من المهاجرين والأنصار، الذين ضربوا أروع مثال عرفته البشرية، في تحقيق حقيقة الإيمان في نفوسهم، وفي البذل والتضحية بأرواحهم وأموالهم، في خلوص نادر، وتجرد كامل، وانطلاقاً من جواذب الغريزة ومعوقات الطريق إلى الله …إلى جانب هذه الفئة الممتازة الفذة، كانت هنا في الجماعة الإسلامية-فئة أخرى ليست في هذا المستوي الإيماني الخالص الرفيع-وبخاصة بعد الفتح عند ما ظهر الإسلام، ودخل فيه الناس أفواجا، وكان من بينهم من لم يدركوا بعد حقيقة الإيمان الكبيرة، ولم يعيشوا بها ولها كما عاشت تلك الفئة السابقة الخالصة المخلصة لله. هؤلاء المسلمون من الفئة الأخرى كان يصعب عليهم البذل في سبيل الله وتشق عليهم تكاليف العقيدة في النفس والمال وتزدهيهم قيم الحياة الدنيا وزينتها فلا يستطيعون الخلاص من دعائها وإغرائها. وهؤلاء- بصفة خاصة- هم الذين تهتف بهم هذه السورة تلك الهتافات الموحية لتخلص أرواحهم من تلك الجواذب، وترفعها إلى مستوى الحقيقة الإيمانية الكبرى، التي تصغر معها كل قيم الأرض، وتذوب في حرارتها كل عوائقها”( في ظلال القرآن، بتصرف).
وفي تفسير الآيات السابقة يقول رحمه الله: “المخاطبون هنا هم مسلمون، ولكنهم يدعون إلى الإيمان بالله ورسوله. فهي إذن حقيقة الإيمان يدعون لتحقيقها في قلوبهم بمعناها. وهي لفتة دقيقة. وهم يدعون إلى الإنفاق، ومع الدعوة لمسة موحية. فهم لا ينفقون من عند أنفسهم. إنما ينفقون مما استخلفهم الله فيه من ملكه. وهو الذي ﴿لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ . فهو الذي استخلف بني آدم جملة في شيء من ملكه. وهو الذي ﴿يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾. فهو الذي استخلف جيلا منهم بعد جيل. وهكذا ترتبط هذه الإشارة بما سبق من الحقائق الكلية في مطلع السورة. ثم تقوم هي بدورها في استثارة الخجل والحياء من الله، وهو المالك الذي استخلفهم وأعطاهم، فماذا هم قائلون حين يدعوهم إلى إنفاق شيء مما استخلفهم فيه ومما أعطاهم؟! وفي نهنهة النفوس عن الشح، والله هو المعطي ولا نفاد لما عنده، فماذا يمسكهم عن البذل والعطاء، وما في أيديهم رهن بعطاء الله؟! ولكنه لا يكلهم إلى هذا التذكير وما يثيره من خجل وحياء، ومن سماحة ورجاء. إنما يخاطبهم بمؤثر جديد. يخجلهم من كرم الله ويطمعهم في فضله: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾. فكيف يتخلف متخلف عن الإيمان والبذل في مواجهة هذا الكرم والفضل؟.
غير أن القرآن لا يكلهم إلى هذه اللمسات الأولى. إنما يلح على قلوبهم بموجبات الإيمان وموجباته من واقع حياتهم وملابساتها: ﴿وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ، وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ، وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ، إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ. وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ﴾. فما الذي يعوقهم عن الإيمان- حق الإيمان- وفيهم الرسول يدعوهم إلى الإيمان. وقد بايعوه عليه وأعطوه ميثاقهم؟ وما الذي يعوقهم عن الإيمان بالله وهو ينزل على عبده آيات بينات تخرجهم من ظلمات الضلال والشك والحيرة إلى نور الهدى واليقين والطمأنينة؟ وفي هذا وذاك من دلائل الرأفة والرحمة بهم ما فيه. ثم يطلب إليهم تحقيق الإيمان في نفوسهم إن كانوا مؤمنين! ثم ينتقل بهم من موحيات الإيمان وموجباته إلى موحيات الإنفاق وموجباته في توكيد وتكرير: ﴿وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾. وفي هذه الإشارة عودة إلى حقيقة: «لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ» .. فميراث السماوات والأرض ملكه وراجع إليه، وما استخلفوا فيه إذن سيؤول إليه في الميراث! فما لهم لا ينفقون في سبيله حين يدعوهم إلى الإنفاق. وهو استخلفهم فيه كما قال لهم هناك. وكله عائد إليه كما يقول لهم هنا؟ وما الذي يبقى من دواعي الشح وهواتف البخل أمام هذه الحقائق في هذا الخطاب؟.
ولقد بذلت الحفنة المصطفاة من السابقين، من المهاجرين والأنصار، ما وسعها من النفس والمال، في ساعة العسرة وفترة الشدة- قبل الفتح- فتح مكة أو فتح الحديبية وكلاهما اعتز به الإسلام أيام أن كان الإسلام غريبا محاصرا من كل جانب، مطاردا من كل عدو، قليل الأنصار والأعوان. وكان هذا البذل خالصا لا تشوبه شائبة من طمع في عوض من الأرض، ولا من رياء أمام كثرة غالبة من أهل الإسلام. كان بذلا منبثقا عن خيرة اختاروها عند الله وعن حمية لهذه العقيدة التي اعتنقوها وآثروها على كل شيء وعلى أرواحهم وأموالهم جميعا.. ولكن ما بذلوه- من ناحية الكم- كان قليلا بالقياس إلى ما أصبح الذين جاءوا بعد الفتح يملكون أن يبذلوه. فكان بعض هؤلاء يقف ببذله عند القدر الذي يعرف ويسمع أن بعض السابقين بذلوه! هنا نزل القرآن ليزن بميزان الحق بذل هؤلاء وبذل أولئك، وليقرر أن الكم ليس هو الذي يرجح في الميزان ولكنه الباعث وما يمثله من حقيقة الإيمان: ﴿لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ. أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا﴾. إن الذي ينفق ويقاتل والعقيدة مطاردة، والأنصار قلة، وليس في الأفق ظل منفعة ولا سلطان ولا رخاء. غير الذي ينفق ويقاتل والعقيدة آمنة، والأنصار كثرة، والنصر والغلبة والفوز قريبة المنال. ذلك متعلق مباشرة بالله، متجرد تجردا كاملا لا شبهة فيه، عميق الثقة والطمأنينة بالله وحده، بعيد عن كل سبب ظاهر وكل واقع قريب. لا يجد على الخير عونا إلا ما يستمده مباشرة من عقيدته. وهذا له على الخير أنصار حتى حين تصح نيته ويتجرد تجرد الأولين. وبعد أن قرر القيم الحقيقية في ميزان الله لهؤلاء ولهؤلاء عاد فقرر أن للجميع الحسنى: ﴿وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى﴾ . فقد أحسنوا جميعا، على تفاوت ما بينهم في الدرجات. ومرد ذلك التفاوت وهذا الجزاء بالحسنى للجميع، إلى ما يعلمه الله من تقدير أحوالهم، وما وراء أعمالهم من عزائمهم ونواياهم. وخبرته تعالى بحقيقة ما يعملون”(في ظلال القرآن، بتصرف).
دروس مستفادة من الآيات:
• من موجبات الإيمان بالله الإنفاق في سبيله سبحانه استجابة لأمره وتصديقاً بوعده ورغبة في ثوابه.
• المال مال الله تعالي علي الحقيقة، والإنسان مستخلف فيه محاسب علي طريقة جمعه وإنفاقه.
• …………………………………………………………………………………………..أذكر دروساً أخري.
من وسائل تحقيق الجانب الاقتصادى من العدالة الاجتماعية في الإسلام(تابع)
(6) الحث علي القرض الحسن:
ففي نفس الوقت الذي يحرم فيه الإسلام الربا يحض علي القرض الحسن حتي يساعد الفقراء علي قضاء حوائجهم دون كلفة زائدة، وقد جعل الله تعالي من يقرض المحتاج كمن يقرضه هو سبحانه، وتكفل عز وجل بمضاعفة أجره والبركة في ماله. قال تعالي: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ (البقرة:245) يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية: “إنه هتاف موح مؤثر آسر. وهو يقول للعباد الفقراء المحاويج: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً﴾ . ومجرد تصور المسلم أنه هو الفقير الضئيل يقرض ربه، كفيل بأن يطير به إلى البذل طيرانا! إن الناس ليتسابقون عادة إلى إقراض الثري المليء منهم- وهم كلهم فقراء- لأن السداد مضمون. ولهم الاعتزاز بأن أقرضوا ذلك الثرى المليء! فكيف إذا كانوا يقرضون الغني الحميد؟! ولا يكلهم- سبحانه- إلى هذا الشعور وحده، ولكن يعدهم على القرض الحسن، الخالص له، المجرد من كل تلفت إلى سواه. يعدهم عليه الضعف في المقدار، والأجر الكريم بعد ذلك من عند الله: ﴿فَيُضاعِفَهُ لَهُ، وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾”(في ظلال القرآن). وتحريم الربا والترغيب في القرض الحسن يسهمان في تحقيق العدالة الاجتماعية بتخفيفهما من الضغوط التي يعاني منها أصحاب الحاجات، أو من يمرون بضوائق مؤقتة، ومنع المتاجرة بضوائق الناس وحاجاتهم.
(7) تحريم اكتناز المال:
قال تعالي: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ (التوبة:34-35). فالإسلام يحرم اكتناز المال ويفرض علي أصحاب المال أن يحسنوا تدبيره وتثميره حتي يفتحوا بذلك فرصاً للعمل يرتزق منها غيرهم ويكتسبون هم مزيداً من المال يدفعون عنه الزكاة والصدقة للفقراء فيسهمون بذلك في تحقيق العدالة الاجتماعية وتجفيف منابع الفقر.يقول الإمام البنا رحمه الله: “وقد عمل الإسلام على التقريب بين الطبقات بتحريم الكنز ومظاهر الترف على الأغنياء ، والحث على رفع مستوى المعيشة بين الفقراء ، وتقرير حقهم في مال الدولة ومال الأغنياء ، ووصف الطريق العملي لذلك . وأكثر من الحث على الإنفاق في وجوه الخير والترغيب في ذلك ، وذم البخل والرياء والمنّ والأذى ، وتقرير طريق التعاون والقرض الحسن ابتغاء مرضاة الله تبارك وتعالى ورجاء ما عنده : ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ (المائدة:2)”(رسالة النظام الاقتصادي).
(8) تحريم مواردالكسب الخبيث:
والتي يعرفها الإمام البنا بقوله: “ما كان بغير مقابل من عمل : كالربا والقمار واليناصيب ونحوها، أو كان بغير حق: كالنصب والسرقة والغش ونحوها، أو كان عوضاً لما يضر : كثمن الخمر والخنزير والمخدر ونحوها . فكل هذه موارد للكسب لا يبيحها الإسلام ، ولا يعترف بها”(رسالة النظام الاقتصادي) ومن حكم تحريم هذه الموارد من الكسب أنها تراكم المال لدي شريحة ضيقة فاسدة مفسدة معادية للمجتمع كما أنها تخرج بالمال عن وظيفته الأساسية في تحقيق الخير للناس إلي كونه وسيلة للإضرار بهم. ولا ريب أن تحريم هذه الموارد يسهم في تحقيق العدالة الاجتماعية بمنع حصول الإنسان علي ما لا يستحق من المال بأي طريقة من الطرق.
(9) نظام المواريث:
قال تعالي: ﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا*وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا*وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ (النساء:7-10) ففي هذه الآيات قرر الله تعالي القواعد العامة لتنظيم المواريث وهي إقرار حق الرجال و النساء في تركة الآباء وفق التفصيل الذي ذكرته آيات أخري، وإعطاء ذوي القربي واليتامي والمساكين، وتحريم ظلم اليتامي وأكل أموالهم وتوعد من يفعل ذلك بالعناء في الدنيا والسعير في الآخرة. ونظام المواريث يؤدي إلي توزيع الثروة بين الورثة فيؤدي إلي تحقيق العدالة الاجتماعية.
(10) كفالة الموسرين:
فقد أوجب الإسلام علي الغني كفالة الفقراء من أقاربه”و وضع الإسلام بذلك اللبنة الأولى في بناء التكافل الاجتماعي, ولم يكن ذلك أمرأ مستحبا بل هو حق أمر الله بإيتائه. ولهذا كان من حق كل فقير مسلم أن يرفع دعوى النفقة على الأغنياء من أقاربه, ومعه الشرع الإسلامي أو القضاء الإسلامي الذي لا يزال أثر منه في المحاكم الشرعية إلى هذا اليوم”(يوسف القرضاوي، مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام).
(11) توفير فرص العمل:
المسلم مطالب بالعمل والسعي لطلب الرزق. قال تعالى: ﴿هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه﴾ (سورة الملك:15) ويقول الرسول صلـى الله عليه وسلم: «مـا أكل أحد طعاما قط خيرا من عمل يده وأن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده» (مسلم) يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: “أوجب الإسلام العمل علي كل قادر، والدولة في الإسلام مكلفة بتمهيد ميادينه لكل طالب”(الإسلام والطاقات المعطلة، بتصرف). ويقول الشيخ القرضاوي: “إن العمل هو السلاح الأول لمحاربة الفقر, وهو السبب الأول في جلب الثروة, وهو العنصر الأول في عمارة الأرض، والإسلام يفتح أبواب العمل أمام المسلم على مصراعيه ليختار منها ما تؤهله له كفايته وميوله, ولا يفرض عليه عملا معينا إلا إذا تعين ذلك لمصلحة المجتمع, كما لا يسد في وجهه أبواب العمل إلا إذا كان من ورائه ضرر لشخصه أو للمجتمع ماديا كان الضرر أو معنويا. وفي ظل هذا النظام الاسلامى لا يحرم عامل جزاء عمله, وثمرة جهده, بل يعطي أجره قبل أن يجف عرقه, كما أمر الإسلام, ويعطى أجره المناسب لجهده, وكفايته بالمعروف بلا وكس ولا شطط, لأنه أذا أعطي أقل مما يستحق فقد ظلم, والظلم من أشد الظلمات في الإسلام”( مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام, بتصرف). يقول الإمام البنا رحمه الله”وفى الإسلام الحث على العمل والكسب، واعتبار الكسب واجباً على كل قادر عليه, والثناء كل الثناء على العمال والمحترفين، وتحريم السؤال، وإعلان أن من أفضل العبادة العمل، وأن العمل من سنة الأنبياء، وأن أفضل الكسب ما كان من عمل اليد، والزراية على أهل البطالة، والذين هم عالة على المجتمع مهما كان سبب تبطلهم، ولو كان الانقطاع لعبادة الله. فإن الإسلام لا يعرف هذا الضرب من التبطل”(رسالة النظام الاقتصادي).
(12) محاربة البطالة والترف والمسألة:
فالعمل في الإسلام ليس للمحتاجين إلي عائده المادي فحسب، وإنما العمل لتحقيق الذات والمشاركة في عمارة الكون الذي استخلف الله الإنسان فيه ليعمره وفق هديه سبحانه؛ والإسلام يحض علي اغتنام الوقت والعمل الجاد والبعد عن الترف المفسد للأخلاق. يقول الشيخ محمد الغزالى رحمه الله: “إنه لمن فضل الله ودلائل توفيقه أن يلهم الرجل استغلال كل ساعة من عمره فى العمل، أو الاستجمام من جهد استعداداً لجهد آخر. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم : « نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ»(رواه البخارى). ومن استغلال الإسلام للوقت بأفضل الوسائل حثه على مداومة العمل وإن كان قليلا “(خلق المسلم). والإسلام يحترم العمل اليدوي ولا يحتقره، وقد كان داوود عليه السلام يأكل من عمل يده، وقد أثني النبي صلي الله عليه وسلم علي صاحب اليد الخشنة من أثر العمل فقال صلي الله عليه وسلم: «من أمسي كالاً من عمل يده أمسي مغفوراً له» (ضعفه الألباني)وفي حديث الاحتطاب يرغب الرسول صلي الله عليه وسلم في العمل مهما كان لكسب القوت فهو خير من المسألة. « لئن يحمل أحدكم حبله فوق ظهره فيحتطب خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه» (البخارى)والمسألة في الإسلام لا تحل إلا ” لذي فقر مدقع أو لذى غرم مفظع أو لذى دم موجع».
(13) الكشف عن منابع الثروة:
يوصي الإمام البنا رحمه الله بضرورة” لفت النظر إلى ما في الوجود من منابع الثروة ومصادر الخير، والحث على العناية بها ووجوب استغلالها ، وأن كل ما في هذا الكون العجيب مسخر للإنسان ليستفيد منه وينتفع به,”أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً” (لقمان:20)، “وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً”(الجاثـية:13) . ومن قرأ آيات القرآن الكريم ، علم تفصيل ذلك بأوسع بيان وأوفاه”(رسالة النظام الاقتصادي) .
(14) كفالة حق السفر والهجرة:
شرع الإسلام الهجرة طلبا للسعة والرزق الحلال إذا ضاقت سبل الرزق وفرص العمل ومنافذ الكسب الحلال. قال تعالي: ﴿وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِد فِـــي الأَرْضِ مـــُرَاغَمــاً كَثِــيراً وَسَعَةً﴾ (النساء: 100)، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ســـــافروا تستغـنوا»(رواه الطبرانى) فمنع الإنسان من السفر والهجرة طلباً للرزق والسعة عدوان علي حق من حقوقه الأصيلة التي كفلها الإسلام وجعلها وسيلة من وسائل تحقيق العيش الكريم و الكسب الحلال الذي يحقق الكفاية لصاحبة، و يكون في نفس الوقت مورداً من موارد الزكاة والصدقة، والتطوع بأعمال البر والخير والتكافل التي تؤدي بدورها إلي تحقيق العدالة الاجتماعية.
(15) الضمان الاجتماعي:
يقول الإمام البنا رحمه الله: “قررالإسلام الضمان الاجتماعي لكل مواطن، وتأمين راحته ومعيشته كائناً من كان، مادام مؤدياً لواجبه، أو عاجزاً عن هذا الأداء بسبب قهري لا يستطيع أن يتغلب عليه . ولقد مر عمر على يهودي يتكفف الناس، فزجره واستفسر عما حمله على السؤال ، فلما تحقق من عجزه رجع على نفسه باللائمة وقال له : «ما أنصفناك يا هذا، أخذنا منك الجزية قوياً وأهملناك ضعيفاً ، افرضوا له من بيت المال ما يكفيه». وهذا مع إشاعة روح الحب والتعاطف بين الناس جميعاً “(رسالة النظام الاقتصادي). وهذه صورة عظيمة من صور العدالة الاجتماعي؛ إذ يضمن الإسلام لكل من يعيش في المجتمع الإسلامي مسلماً كان أو غير مسلم حياة كريمة في حالة عجزه عن العمل لضعف أو مرض أو عاهة أو شيخوخة أو غير ذلك، وفي نفس الوقت يمهد ميادين العمل لكل قادر عليه ولا يأخذ من كسبه إلا ضريبة ضئيلة يسهم بها في كفالة المحتاجين.
(16) تحريم استغلال النفوذ:
يقول الإمام البنا رحمه الله: “حظر الإسلام استخدام السلطة والنفوذ، ولعن الراشي والمرتشي والرائش, وحرم الهدية على الحكام والأمراء، وكان عمر يقاسم عمّاله ما يزيد عن ثرواتهم، ويقول لأحدهم : «من أين لك هذا؟ إنكم تجمعون النار وتورثون العار»، وليس للوالي من مال الأمة إلا ما يكفيه، وقد قال أبو بكر لجماعة المسلمين حين ولي عليهم: «كنت أحترف لعيالي فأكتسب قوتهم، وأنا الآن احترف لكم، فافرضوا لي من بيت مالكم», ففرض له أبو عبيدة قوت رجل من المسلمين ليس بأعلاهم ولا بأوكسهم، وكسوة الشتاء وكسوة الصيف، وراحلة يركبها ويحج عليها ، وقُوُّمت هذه الفريضة بألفي درهم. ولما قال أبو بكر : لا يكفيني، زادها له خمسمائة وقُضي الأمر”(رسالة النظام الاقتصادي).
تطبيقات عملية:
حدد أهم الجوانب العملية التي استفدتها من هذا الدرس وكيف ستسعي لتطبيقها