الجمعة , أكتوبر 10 2025
الرئيسية / مقالات / عبدالكريم عمارة يكتب : 5 أسباب تجعلك ترفع القبعة احترامًا لحركة حماس

عبدالكريم عمارة يكتب : 5 أسباب تجعلك ترفع القبعة احترامًا لحركة حماس

في الحديث عن واقع الثورة الفلسطينية وما تخللها من منعطفات وانعراجات، فإن قراءة ما مضى تغدو أكثر إلحاحًا، ومطلبًا مسبقًا لدى المنظرين عن الحركات الفلسطينية هذه الأيام.

فيما يلي خمسة أسباب تجعل الناظر لمسار الثورة الفلسطينية ينحني إجلالًا لحركة المقاومة الإسلامية حماس؛ بالرغم من بعض الملاحظات الإدارية أو الشكلية عليها، وذلك لما حرصت عليه تلك الحركة من مفارقة وتمايز نأى بها أن تقع في أي من المصائب السياسية التي وقع بها غيرها.

أولًا: حماس وعدم تدخلها في الشؤون الداخلية لدول الجوار
بالرغم من كثرة الاتهامات التعسفية التي ألصقت بحماس زورًا وبهتانًا عن تدخلها بالشأن المصري، وعشرات الأخبار الكيدية والدعاوى القضائية المُسيَّسَة عن أنشطة مزعومة لتلك الحركة في سيناء، إلا أن المعايش للواقع الفلسطيني الداخلي يشهد أن حماس قد نأت بنفسها فعلًا عن أي تدخل عسكري أو سياسي في الشأن المصري.

وبالرغم من التلاقي الأيديولوجي الرسمي بينها وبين النبع الذي خرجت منه (جماعة الإخوان المسلمين) والتي تلاقي أشد أنواع التنكيل والإقصاء والمطاردة من النظام المصري الحالي، إلا أن حماس رفضت أن تكون في مصر أو سيناء كما هو حال حزب الله الآن في سوريا، فلم ترسل مقاتلًا واحدًا إليها، ولم يستطع الإعلام المصري بكل هيلمانه وصولجانه أن يأتي بدليل واحد أو صورة واحدة لجثة شخص من غزة قد أرسلته حماس للقتال أو الجهاد في سيناء، مع أن النظام المصري لم يدع وسيلة للتضييق على حماس إلا وارتكبها.

وإن بدت بعض التصرفات الفردية من أبناء غزة ممن ينتمون لحماس تظهر مناصرة وتأييدًا لجماعة الإخوان في مصر، مثل رفع شعار رابعة، إلا أن هذا يسمى تعاطفًا وليس تدخلًا، والفرق بين المصطلحين كبير، إذ يبقى أبناء الشعب الفلسطيني جزءًا من هذه القرية الكونية الصغيرة، ولهم الحق أفرادًا أن يظهروا تعاطفهم أو امتعاضهم من مختلف الأحداث الجارية حولهم، ضمن الأسس التي كفلتها الحقوق المدنية والشرائع الإنسانية وديمقراطيات حرية التعبير عن الرأي، فالذين رفعوا شعار رابعة، هم أنفسهم الذين خرجوا في مسيرات تعاطف مع ضحايا المسلمين في ميانمار، وهم أنفسهم الذين خرجوا تعاطفًا مع ضحايا زلزال تشيلي في أمريكا اللاتينية، وضحايا القصف على مدينة حلب في سوريا، لكن هذا (التعاطف) لم يتطور ليغدو تدخلًا ولم يتنامَ ليصبح تورطًا حقيقًا على غرار التورط الطائفي لحزب الله في سوريا.

وبالمقارنة مع الأحزاب الفلسطينية الأخرى نجد أن منظمة التحرير قد سبق لها وأن تورطت – إما مرغمة بسبب محل إقامتها أو طوعًا للتلاقي الفكري – في الحرب الأهلية اللبنانية التي امتدت خمسة عشر عامًا، فقد أدى تحالفها مع اليسار اللبناني إلى مناصبة اليمين اللبناني العداء والقتال ممثلًا بحزب الكتائب وأحلافه، مما اضطر اليمين اللبناني لأن ينتقم من الفلسطينيين بعد إجلاء المنظمة من بيروت فارتكب مجزرة صبرا وشاتيلا بحق الفلسطينيين على مرأى ومسمع من أرئيل شارون، وسبقه بذلك الملك الأردني الحسين بن طلال في مجزرة أيلول الأسود، حين ضاق بتنظيمات منظمة التحرير ذرعًا بسبب تدخلاتهم المستمرة في الشأن المدني الأردني.

ثانيًا: حماس وتوازن علاقاتها الخارجية، وعدم ارتهان مواقفها لأي نظام سياسي
طالما وُصِفَت حماس من قبل الأحزاب السلفية بالحركة المتساهلة في إنشائها للعلاقات مع الدول الكافرة – على حد وصف المنتقدين – وأنها لا تبالي بنسج علاقات سياسية مع دول تناصب المسلمين العداء كإيران وروسيا، بالوقت نفسه فهي متهمة من قبل الأحزاب الليبرالية بالحركة المنعزلة سياسيًّا، والتي ترفض إقامة حوار أو مفاوضات مباشرة مع الحكومة الإسرائيلية أو المجتمع الدولي المساند لها.

يثبت هذان الوصفان المتناقضان وقوف حماس في منطقة الوسط، فلا هي بالحركة المنطوية والمنسجمة مع نفسها وأفكارها وأفرادها فقط، كما هو حال طالبان وداعش وغيرها، ولا هي أيضًا بالحركة التي تسببت علاقاتها مع الآخر بالحرج ولزوم الاستجابة لمتطلباته وأجنداته، فعلاقتها مع روسيا وإيران مثلًا لم تجعلها تؤيد النظام السوري في قمعه لشعبه، ولم تجعلها أيضًا في الجيب الأصغر لأي منهم.

هذا الموقف الأخلاقي والقيمي لم تستطع أن تنجو منه العديد من الحركات الفلسطينية الأخرى، فلقد تحول الدعم السوري للجبهة الشعبية-القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل لأن تصبح أداة بيد النظام يقمع بها معارضيه، كما قد حالَ الدعم الإيراني للجهاد الإسلامي دون أن يُمكِّن تلك الحركة من إعلان موقف الحياد الحقيقي أو الاصطفاف الأخلاقي مع الشعب السوري الثائر في وجه الطغيان، والحل مشابه مع موقف الشهيد ياسر عرفات رحمه الله حين أيَّد التدخل العسكري العراقي في الكويت وما نتج عنه من موجات عداء كويتية للفلسطينيين استمرت ارتداداتها إلى يومنا هذا.

يلخص خالد مشعل هذا الموقف حين أوضح سبب عدم استمرار العلاقة مع سوريا بالقول: «نشكر سوريا وبشار الأسد أنهم وقفوا معنا بالحق، ونعتذر عن أن نقف معهم بالباطل»، وبهذا يرى الناظر وقوف حماس على مسافة واحدة من جميع الدول، وتقبلها للمساعدات غير المشروطة إلا من كلمة شكر لا تمس ثوابتها.

وفي الوقت الذي وضعت فيه الجهاد الإسلامي جميع البيض في السلة الإيرانية، كما اختزلت منظمة التحرير جميع رهاناتها على أوراق الشرعية الدولية، فقد تمكنت حماس من القفز بين السلال جميعًا، وأجادت اللعب على حبل المتناقضات الدولية، والعزف على منوال: «عدو عدوي صديقي، شرط ألا يجعلني حذاءه» وكانت لهذه السياسة ثمرة حقيقة إذ سرت مياه غزيرة أسفل جسر علاقاتها مع الآخر، وأدت مباحثاتها الدبلوماسية في الحدائق الخلفية لاستدامة خطوط الدعم غير المشروط.

ثالثًا: حماس ونظافة يدها من الجرائم السياسية بحق القضية الفلسطينية
تعددت الملاحظات على أداء حماس الإداري والحكومي في قطاع غزة، ووجهت لها انتقادات جمة كالواسطة والمحسوبية وغيره من السلبيات التي تسري في طبيعة الشعب الفلسطيني بل والعربي، والتي تبقى أخطاءً لا ترتقي لتغدو على مستوى الجريمة السياسية، إذ إن حماس حافظت على تمسكها بالثوابت التي انطلقت عليها، فلم تغير في ميثاقها مصطلح (الكفاح المسلح) وتحوله إلى (تعايش سلمي)، ولم تقدم اعترافًا بإسرائيل مقابل اعتراف بأحقيتها في تمثيل الفلسطينيين كما فعلت منظمة التحرير، وكذلك لم تنشئ صلحًا سياسيًّا على وزن صلح أوسلو وكامب ديفيد، بل كانت اتفاقاتها مع الجانب الإسرائيلي عبر الوسيط المصري اتفاقات تهدئة أي استراحة محارب ليس أكثر، وظلت بوصلة بندقيتها نحو المحتل.

أما أحداث حزيران 2007م فقد قامت بها اضطرارًا وهي حكومة منتخبة وتشكل أغلبية تشريعية ضد أفراد منفلتين من حركة فتح حاولوا الانقلاب عليها، وبالرغم من أن حركة فتح بقيادة الرئيس محمود عباس وصفت الأحداث بالانقلاب، إلا أنها نفسها – أي حركة فتح – قامت بطرد المجموعة نفسها من الضفة الغربية بقيادة زعيمها محمد دحلان، وحظرت تواجده في الضفة بعد كشف مخططات وأطماع شخصية كان ينوي الأخير الانقلاب بها على الرئيس محمود عباس، وبالتالي كانت خطوة حماس مع هذه المجموعة خطوة وطنية اضطرارية استباقية أملتها عليها الأمانة الدستورية والتشريعية المنتخبة على أساسها من قبل الشعب، تمامًا كما أملتها على ديفيد كاميرون في حسمه لمثيري الشغب في بريطانيا عام 2011م.

رابعًا: وحدة الصف القيادي في حماس واستقامة سلوكهم وسبق استشهادهم
لم يكن خلو حماس من الانشقاقات والخلافات الداخلية الميزة الوحيدة التي تفاضلها عن باقي الفصائل الفلسطينية، بل إن استقامة سلوك قياداتها، ونظافة أيديهم، وسبقهم للشهادة عبر سلسلة الاغتيالات والتصفيات بحقهم، كل ذلك شكل جرس تذكير مستمر لمنتقدي هذه الحركة، بأنها لم ترتمِ بالحضن الإسرائيلي تحت غطاء تنسيقي أو أمني، ولم تعتلِ جراح هذا الشعب ومكتسباته ليغدو قادتها وأبناؤهم في ترف من مال، وبذخ من مكان.

وبالرغم مما تظهره صور قياداتها وهي تستقل مركبات فارهة تفرضها الظروف الأمنية داخل القطاع، وتحتمها الشروط البروتوكولية خارجه؛ إلا أنه لم يثبت تورط قيادي واحد في هذه الحركة بقضايا أو فضائح فساد مالي أو أخلاقي، بل عملت على تنظيف نفسها بنفسها مهما بلغت رتبة من يثبت فساده، وأبرز مثال على ذلك «أيمن طه» والذي لم يشفع له مكانة والده المؤسس من أن ينال عقابه.

خامسًا: مصداقيتها وانسجامها مع الحواضن الشعبية
لم تتسبب طبيعة الأيديولوجية الإسلامية لحماس إلى حملها على إقامة الحدود والزواجر كما تفعل الحركات الإسلامية الأخرى حين تنسمها أبسط معالم التمكين، كما أنها لم تأتِ بفكر دخيل على الموروث الثقافي المحافظ للشعب الفلسطيني – والتي حرصت على إحيائه والحفاظ عليه – بل شكل الانسجام بينها وبين المحاضن الشعبية أكبر روافد الدعم لها، سيما وأنها لم تخلع ثوب المقاومة حين كلفها الشعب بمقاليد الحكم والسياسة كما فعل غيرها، ولم تتهرب من تلك الأمانة التي بذلت قصارى جهدها لتنجح فيها في ظروف الحصار والتضييق، كل ذلك أهَّلَها لتصبح حركة تحرر وطني يعتمد عليه، وأكسبها مصداقية متراكمة كان ثمنها الاستهداف الإسرائيلي المستمر لقادتها السياسيين والعسكريين في الحروب المتتالية عليها وعلى القطاع، بدءًا بالوزير والنائب سعيد صيام، والدكتور الشيخ نزار ريان عام 2009م، مرورًا بالجعبري رئيس أركانها عام 2012م، وليس انتهاءً بأبرز قادتها العسكريين العطار وأبي شمالة وبرهوم عام 2014م.

وإذ تبقى تحديات كبيرة أمام حماس حاليًا كالمصالحة والملف الاقتصادي، وإيجاد حليف قوي يُعتمد عليه، إلا أن الرهان الآن ليس على حماس في صبرها، بل على الشعب الفلسطيني الذي يحتضن تلك البندقية الأخيرة والوحيدة المُشرعة في وجه المحتل الإسرائيلي على سطح المعمورة، في زمن تاهت فيه بنادق المنسبين أنفسهم زورًا للقتال من أجل القدس، بعدما ضلت خطواتهم في شوارع حلب وداريا شمالًا، وحارات صنعاء وأزقتها جنوبًا، وفي وقت ذابت فيه رصاصات قومٍ آخرين مع ما تبقى من ماء حيائهم على أبواب الرباعية الدولية ومنظمات حقوق الإنسان، والتي لم تتسبب يومًا إلا بمزيد من اغتصاب الإنسان إلا إن أجاد التمرد ولو بأبسط ما يملك.

شاهد أيضاً

نظرات في الإسراء والمعراج.. للإمام الشهيد حسن البنا

نحمد الله تبارك وتعالى، ونُصلي ونسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *