السبت , أكتوبر 11 2025
الرئيسية / مقالات / اثنا عشر عامًا على استشهاد الرنتيسي بقلم: عامر شماخ
عامر شماخ

اثنا عشر عامًا على استشهاد الرنتيسي بقلم: عامر شماخ

“أن تدخلنى ربى الجنة.. هذا أقصى ما أتمنى” هذا ما كان يدندن به الدكتور عبد العزيز الرنتيسى قبل موته بساعات،حتى إذا ركب سيارته بصحبة مرافقين اثنين من إخوانه؛ إذ غدر به الصهاينة، وأطاح بجسده الطاهر الذى عذب فى سبيل الله كثيرًا صاروخان أطلقا من طائرة (أباتشي) أمريكية الصنع .. فذهب إلى ربه فى عرس مهيب، تحفه الملائكة، وينشد من حوله إخوانه الشهداء ممن سبقوه فى هذه القافلة المباركة.

لم يكن بين محاولة قتله الأولى (يونيو 2003) واستشهاده هذه المرة (أبريل 2004) سوى تسعة أو عشرة شهور، ولم يكن بين استشهاده واستشهاد أستاذه الشيخ أحمد ياسين سوى شهر أو أقل قليلاً.. وهذا يعنى أن الرجل مختار؛ مختار من الله كى يصير شهيدًا مستبشرًا بنعمة من الله وفضل، ومختار من الصهاينة الأنذال كى يموت – فى ظنهم – ويستريحون منه، ولا يعلم الأشرار أن هذه أمنيته، ولا يعلمون أيضًا أن دماءه التى فجرتها صواريخهم، إنما أنبتت ألوفًا من أمثاله، على أرض فلسطين وعلى غير أرض فلسطين..

إنك حين تطالع سيرة الرجل، لا تجد منها إلا جهادًا ودعوة، وهمومًا ومعاناة، فمنذ بداية الثمانينيات وحتى استشهاده، ينتقل من سجن إلى سجن، ومن معتقل إلى آخر، ويتعرض طوال هذه السنين للضغوط والممارسات غير الإنسانية.. فلم يزده هذا إلا قوة فى الدين، واستمساكا بالحق، حتى عُرف بصلابته وقوة شكيمته، وصار مثلاً لشباب فلسطين فى الوقوف فى وجه الصهاينة وفضح ممارساتهم.

لقد تأثر الشهيد الرنتيسى بدعوة الإخوان المسلمين، وآمن إيمانًا لا يخالطه شك أن النصر لهذا الدين، وأن مع العسر يسرًا، وأن الليل وإن طال سيعقبه الفجر، ولقد استطاع بفضل الله – ثم بفضل هذه الدعوة المباركة – أن يغير هو  وإخوانه وجه فلسطين، حتى صارت أرضها نارًا تحت أقدام الصهاينة، فأينما ولوا قتلوا، فصار حلمهم كابوسًا، وانعدم أمنهم، وأدركوا أن ما فعلوه ببلدنا هو سرقة واحتيال.

ولد عبد العزيز على عبد الحفيظ الرنتيسي، فى 1947/10/23 فى قرية يبنا (بين عسقلان ويافا)، لجأت أسرته بعد حرب عام 1948 إلى قطاع غزة، واستقرت فى مخيم خان يونس للاجئين، وكان عمره وقتها ستة شهور.

نشأ الرنتيسى بين تسعة إخوة وثلاث أخوات.

التحق عبد العزيز الرنتيسى فى سن السادسة بمدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وقد اضطرته ظروف عائلته الصعبة إلى العمل وهو فى سن السادسة ليساهم فى إعالة أسرته الكبيرة.

وقد كان متميزًا فى دراسته، حيث أنهى دراسته الثانوية عام 1965، وتوجه إلى الإسكندرية ليلتحق بجامعتها ويدرس الطب.

أنهى دراسته الجامعية بتفوق وتخرج عام 1971،  وعاد إلى قطاع غزة ليعمل فى مستشفى ناصر، المستشفى الرئيسى فى خان يونس، وبعد أن خاض إضرابًا مع زملائه فى المستشفى احتجاجًا على تعمد إدارة الصحة منعهم من السفر لإكمال دراستهم العليا، تمكن من العودة إلى الإسكندرية ليحصل على درجة الماچستير فى طب الأطفال، وفى عام 1976 عاد إلى عمله فى مستشفى ناصر.

متزوج وأب لستة أبناء (ولدان وأربع بنات)، وجد لعشرة أحفاد.

شغل الدكتور الرنتيسى عدة مواقع فى العمل العام منها: عضوية هيئة إدارية منتخبة فى المجمع الإسلامي، وعضو الهيئة الإدارية المنتخبة لعدة دورات فى الجمعية الطبية العربية بقطاع غزة، إلى أن اعتقل عام 1988 من قوات الاحتلال الصهيوني، وهو عضو فى الهلال الأحمر الفلسطيني.

عمل محاضرًا فى الجامعة الإسلامية فى مدينة غزة منذ عام 1986 وذلك بعد إقصائه تعسفيا من قبل الاحتلال عن عمله فى المستشفى عام 1984، ولم يسمح له بالعودة إلى المستشفى ثانية، وقد كتب ضابط ركن الصحة الصهيونى على ملفه (لا يسمح له بالعودة إلا بكتاب خطى من وزير الدفاع).

اعتقل الرنتيسى عام 1982 بسبب رفضه دفع الضرائب لسلطات الاحتلال، وذلك بعد أن خاضت الجمعية الطبية إضرابًا استمر لمدة ثلاثة أسابيع وذلك احتجاجًا على الضريبة المضافة، وكان الرنتيسى أحد قادة هذا الإضراب عام 1981، وقد حدثت انتفاضة فلسطينية فى قطاع غزة خلال هذه الفترة تضامنًا مع الأطباء، وقد فرضت عليه الإقامة الجبرية خلال فترة الإضراب.

انتسب الرنتيسى إلى جماعة الإخوان المسلمين ليصبح أحد قادتها فى قطاع غزة ويكون أحد مؤسسى حركة المقاومة الإسلامية «حماس» فى غزة عام 1987.

وكان أول من اعتقل من قادة الحركة بعد اشتعال الانتفاضة الفلسطينية الأولى فى التاسع من ديسمبر 1987، ففى 15/1/1988 جرى اعتقاله لمدة 21 يومًا بعد عراك بالأيدى بينه وبين جنود الاحتلال الذين أرادوا اقتحام غرفة نومه فاشتبك معهم لصدهم عن الغرفة، فاعتقلوه دون أن يتمكنوا من دخول الغرفة.

وبعد شهر من الإفراج عنه تم اعتقاله بتاريخ 4/3/1988 حيث ظل محتجزًا فى سجون الاحتلال لمدة عامين ونصف العام، حيث وجهت له تهمة المشاركة فى تأسيس وقيادة حماس وصياغة المنشور الأول للانتفاضة، بينما لم يعترف فى التحقيق بشئ من ذلك، فحوكم على قانون «تامير»، ليطلق سراحه فى 4/9/1990، ثم عاود الاحتلال اعتقاله بعد مائة يوم فقط بتاريخ 14/12/1990 حيث اعتقل إداريا لمدة عام كامل.

وفى 17/12/1992 أبعد مع 416 مجاهد من نشطاء وكوادر حركتى حماس والجهاد الإسلامى إلى جنوب لبنان، حيث برز كناطق رسمى باسم المبعدين الذين رابطوا فى مخيم العودة فى منطقة مرج الزهور لإرغام سلطات الاحتلال على إعادتهم وتعبيرًا عن رفضهم على قرار الإبعاد الصهيوني، وقد نجحوا فى كسر قرار الإبعاد والعودة إلى الوطن وإغلاق باب الإبعاد إلى يومنا هذا.

اعتقلته سلطات الاحتلال فور عودته من مرج الزهور، وأصدرت محكمة صهيونية عسكرية عليه حكمًا بالسجن لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة، ليفرج عنه فى 21/4/1997 بعد انتهاء مدة الحكم.

وخرج من المعتقل ليباشر دوره فى قيادة حماس التى كانت قد تلقت ضربة مؤلمة من السلطة الفلسطينية التى قامت باعتقاله بعد أقل من عام من خروجه من سجون الاحتلال، وذلك بتاريخ 10/4/1998، بضغط من الاحتلال كما أقر له بذلك بعض المسئولين الأمنيين فى السلطة الفلسطينية، وأفرج عنه بعد 15 شهرًا بسبب وفاة والدته وهو فى المعتقلات الفلسطينية، ثم أعيد للاعتقال بعدها ثلاث مرات ليفرج عنه، بعد أن خاض إضرابًا عن الطعام وبعد أن قصف المعتقل من قبل طائرات العدو الصهيونى وهو فى غرفة مغلقة فى السجن المركزي، فى الوقت الذى تم فيه إخلاء السجن من الضباط وعناصر الأمن خوفًا على حياتهم، لينهى بذلك ما مجموعه 27 شهرًا فى سجون السلطة الفلسطينية.

لقد حاولت السلطة اعتقاله مرتين بعد ذلك، ولكنها فشلت بسبب حماية الجماهير الفلسطينية لمنزله.

تمكن الدكتور الرنتيسى من إتمام حفظ كتاب الله  فى المعتقل، وذلك عام 1990 بينما كان فى زنزانة واحدة مع الشيخ المجاهد أحمد ياسين، وله قصائد شعرية تعبر عن انغراس الوطن والشعب الفلسطينى فى أعماق فؤاده، وهو كاتب مقالة سياسية تنشرها له عشرات الصحف.

ولقد أمضى معظم أيام اعتقاله فى سجون الاحتلال وكل أيام اعتقاله فى سجون السلطة فى عزل انفرادي.

والدكتور الرنتيسى يؤمن أن فلسطين لن تتحرر إلا بالجهاد فى سبيل الله.

 

شاهد أيضاً

نظرات في الإسراء والمعراج.. للإمام الشهيد حسن البنا

نحمد الله تبارك وتعالى، ونُصلي ونسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *