الدرس الرابع :الثقة في النصر والتمكين
30 مارس، 2016
إسلاميات, تربوى
1,001 زيارة
الدرس الرابع :الثقة في النصر والتمكين
الافتتاحية :(النور:55)
قال تعالي: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (النور:55).
سبب نزول هذه الآية الكريمة هو ما ورد عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: “لما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه المدينة، وآوتهم الأنصار، رمتهم العرب عن قوس واحدة، وكانوا لا يبيتون إلا بالسلاح، ولا يصبحون إلا فيه، فقالوا: ترون أنّا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين، لا نخاف إلا الله، فنزلت الآية” (أخرجه الحاكم وصححه).
وفي تفسيرهذه الآية الكريمة يقول الإمام ابن كثيررحمه الله: “هَذَا وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بِأَنَّهُ سَيَجْعَلُ أُمَّتَهُ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ، أَيْ: أئمةَ النَّاسِ والولاةَ عَلَيْهِمْ، وَبِهِمْ تَصْلُحُ الْبِلَادُ، وَتَخْضَعُ لَهُمُ الْعِبَادُ، ولَيُبدلَنّ بَعْدَ خَوْفِهِمْ مِنَ النَّاسِ أَمْنًا وَحُكْمًا فِيهِمْ، وَقَدْ فَعَلَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذَلِكَ. وَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَمُتْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَكَّةَ وَخَيْبَرَ وَالْبَحْرَيْنِ، وَسَائِرَ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَأَرْضَ الْيَمَنِ بِكَمَالِهَا. وَأَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوس هَجَر، وَمِنْ بَعْضِ أَطْرَافِ الشَّامِ، وَهَادَاهُ هِرَقْلُ مَلِكُ الرُّومِ وَصَاحِبُ مِصْرَ وَالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَمُلُوكُ عُمَانَ وَالنَّجَاشِيُّ” (تفسير القرآن العظيم).
ويوضح الدكتور وهبة الزحيلي بعض صفات المؤمنين المجاهدين المستخلفين بقوله: “لا يصح للمؤمنين المجاهدين أن يضجروا من مكافحة الأعداء، ولا ييأسوا من الحظوة بمظلة الإيمان، والبعد من الخوف على أنفسهم، حتى وإن استمروا في حمل السلاح، لأنه في النهاية ستتحقق لهم الثمرة اليانعة، وهي الاستخلاف في الأرض، فقد وعد الله الذين آمنوا بحق، وعملوا صالح الأعمال أن يستخلفهم في الأرض، واستخلافهم: هو أن يملّكهم البلاد، ويجعلهم أهلها، كما جرى في الشام والعراق وخراسان والمغرب، بدءا من خلافة الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، لأنهم أهل الإيمان وعمل الصالحات. وذلك كاستخلاف الذين سبقوهم في الإيمان والصلاح على الأرض، كداود وسليمان عليهما السلام، وقد تحقق هذا الوعد الإلهي، لأن وعد الله منجّز،”(التفسير الوسيط)
وعن حقيقة الاستخلاف وشروطه يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله: “ذلك وعد الله، ووعد الله حق، ووعد الله واقع، ولن يخلف الله وعده. فما حقيقة ذلك الإيمان؟ وما حقيقة هذا الاستخلاف؟. إن حقيقة الإيمان التي يتحقق بها وعد الله حقيقة ضخمة تستغرق النشاط الإنساني كله وتوجه النشاط الإنساني كله. فما تكاد تستقر في القلب حتى تعلن عن نفسها في صورة عمل ونشاط وبناء وإنشاء موجه كله إلى الله لا يبتغي به صاحبه إلا وجه الله، وهي طاعة لله واستسلام لأمره في الصغيرة والكبيرة، لا يبقى معها هوى في النفس، ولا شهوة في القلب، ولا ميل في الفطرة إلا وهو تبع لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله. فهو الإيمان الذي يستغرق الإنسان كله، بخواطر نفسه، وخلجات قلبه، وأشواق روحه، وميول فطرته، وحركات جسمه، ولفتات جوارحه، وسلوكه مع ربه في أهله ومع الناس جميعا. ويتوجه بهذا كله إلى الله. تمثل هذا في قول الله سبحانه في الآية نفسها تعليلا للاستخلاف والتمكين والأمن: ﴿يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾. ذلك الإيمان منهج حياة كامل، يتضمن كل ما أمر الله به، ويدخل فيما أمر الله به توفير الأسباب، وإعداد العدة، والأخذ بالوسائل، والتهيؤ لحمل الأمانة الكبرى في الأرض.. أمانة الاستخلاف. فما حقيقة الاستخلاف في الأرض؟.
إنها ليست مجرد الملك والقهر والغلبة والحكم. إنما هي هذا كله على شرط استخدامه في الإصلاح والتعمير والبناء وتحقيق المنهج الذي رسمه الله للبشرية كي تسير عليه وتصل عن طريقه إلى مستوى الكمال المقدر لها في الأرض، اللائق بخليقة أكرمها الله. إن الاستخلاف في الأرض قدرة على العمارة والإصلاح، لا على الهدم والإفساد. وقدرة على تحقيق العدل والطمأنينة، لا على الظلم والقهر. وقدرة على الارتفاع بالنفس البشرية والنظام البشري، لا على الانحدار بالفرد والجماعة إلى مدارج الحيوان. وهذا الاستخلاف هو الذي وعده الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات. وعدهم الله أن يستخلفهم في الأرض- كما استخلف المؤمنين الصالحين قبلهم- ليحققوا النهج الذي أراده الله ويقرروا العدل الذي أراده الله ويسيروا بالبشرية خطوات في طريق الكمال المقدر لها يوم أنشأها الله. وتمكين الدين يتم بتمكينه في القلوب، كما يتم بتمكينه في تصريف الحياة وتدبيرها. فقد وعدهم الله إذن أن يستخلفهم في الأرض، وأن يجعل دينهم الذي ارتضى لهم هو الذي يهيمن على الأرض. ودينهم يأمر بالإصلاح، ويأمر بالعدل، ويأمر بالاستعلاء على شهوات الأرض. ويأمر بعمارة هذه الأرض، والانتفاع بكل ما أودعها الله من ثروة، ومن رصيد، ومن طاقة، مع التوجه بكل نشاط فيها إلى الله” (في ظلال القرآن بتصرف).
دروس مستفادة من الآية الكريمة:
-
لقد وعد الله تعالي المؤمنين الصادقين العاملين بمقتضي إيمانهم أن يمكن لهم ويستخلفهم في الأرض.
-
وعد الله حق لا ريب فيه، وهو وعد صالح لكل زمان ومكان فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
-
…………………………………………أذكر دروساً أخري.
إن وعد الله حق:
لا يشك مؤمن في أن ما وعد الله به لابد أن يتحقق، سواء وعده بنصر المؤمنين وتمكينه لهم في الدنيا، أو وعده لهم بحسن الجزاء في الآخرة، ولا يشك مؤمن كذلك في أن وعيد الله نازل بأعدائه لا محالة، سواء وعيده بالانتقام منهم في الدنيا وشفاء صدور المؤمنين والمستضعفين برؤية مصارع الظالمين، أو وعيده لهم بالعذاب الأليم المستحق لهم يوم التناد. ورغم وضوح هذه الحقيقة نجد تكرار تأكيدها في القرآن الكريم، وهذه طائفة من الآيات الكريمة التي يؤكد الله تعالي بها وعوده وأنها لا تتخلف: قال تعالي: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ (المائدة:9) ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (التوبة:72) ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ (التوبة: 68) ﴿إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ﴾ (يونس: 4) ﴿وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (الروم:6) ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾ (الروم:60) ولهذه التأكيدات حكم جليلة لعل من بينها ربط قلوب المؤمنين بالله وحده علي الدوام، حتي يكونوا علي ثقة من نصر الله وتأييده لهم، ثقة تتفوق علي ثقتهم بما يرونه بأعينهم ويمسكونه بأيديهم فما عند الله أقرب إليهم وأوثق لديهم مما عندهم، فالله عز وجل لا يعجزه شيء، ولايغلبه شيء، ولا يند عن علمه وقدرته شيء، وهذا ما يجب أن نتعامل به مع وعود الله تعالي لنا في القرآن الكريم أو علي لسان نبيه محمد صلي الله عليه وسلم فيما ثبت عنه. وهذا اليقين هو الذي يقوي عزيمة المؤمن ويخفف عنه ثقل المحنة وألم البلاء ويهون عليه التضحية، ويهون عليه ما فاته من مصالح الدنيا، ويسكب في سويداء قلبه قدراً عظيماً من السكينة و الطمأنينة علي نفسه وأهله وماله، وحاضره ومستقبله لأنه في كنف الله الذي يعلم بحاله ولا يغفل عن الظالم، وكل شيء عنده بمقدار، وكل شيء عنده بميعاد.
ولا شك كذلك أن وعد الله تعالي بالنصر والتمكين للمؤمنين الصادقين متحقق يقيناً في الدنيا علي هذه الأرض مهما كانت القوة التي تحاول منع هذا النصر وذلك التمكين أو بالأحري تأخيرهما وزيادة كلفتهما من الأنفس والاموال، وهذا ما يجب أن يستقر في قلوب المؤمنين؛ فقد تؤثر حالة الاستضعاف التي يمر بها المسلمون اليوم، وطول هذه المحنة التي مرت بهم منذ سقوط الخلافة الإسلامية إلي اليوم علي درجة اليقين بانتصار الإسلام لدي البعض، وقد يزداد هذا الأثر في حالات الانكسارات الحادة، أو الصدمات المروعة، أو الأحداث الدامية الأليمة، كما يحدث الآن علي امتداد الوطن الإسلامي في مصر وسوريا واليمن وليبيا والعراق وفلسطين وميانيمار، وكما حدث من قبل في البوسنة والهرسك وكوسوفا وغير ذلك، ولكن المؤمن الواثق بربه لا تزيده الأحداث الصادمة إلا ثقة بربه ويقيناً بنصره وتمسكاً بدينه، وتعلقاً بهدي نبيه، وتصديقاً بوعده ووعيده ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ (الأحزاب:22) وَقالَ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ (آل عمران:173- 174) وقال تعالي: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ (غافر:51) وقال: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ﴾ (الصافات:171-172) وقال تعالى: ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران:139) وقال تعالى: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾(الروم: 47). وقد تواترت سنة النبي صلي الله عليه وسلم بتأكيد هذه المعاني، ومن ذلك ما رواه أبو أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عيه وسلم قال: ”إن الله استقبل بي الشام وولى ظهري اليمن وقال لي: يا محمد إني جعلت لك ما تجاهك غنيمة ورزقاً، وما خلف ظهرك مدداً، ولا يزال الإسلام يزيد، وينقص الشرك وأهله حتى تسير المرأتان لا تخشيان إلا جوراً، والذي نفسي بيده لا تذهب الأيام والليالي حتى يبلغ هذا الدين مبلغ هذا النجم”(صحيح الجامع الصغير للألباني) وعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو ذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر”(سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني).
عناصر السلامة في الأمة قوية عظيمة:
بذل أعداء الإسلام وما زالو يبذلون جهوداً جبارة لصرف المسلمين عن مواطن القوة في دينهم بالغزو العسكري والاحتلال المباشر تارة، وبالغزو الثقافي واحتلال العقول تارة أخري، ورغم ذلك حافظت الأمة الإسلامية في جملتها علي عناصر السلامة التي تؤهلها لإعادة البناء واستكمال المسيرة الحضارية التي بدأتها. يقول الإمام البنا رحمه الله: “لا تيأسوا فليس اليأس من أخلاق المسلمين وحقائق اليوم أحلام الأمس وأحلام اليوم حقائق الغد ولازال في الوقت متسع ولازالت عناصر السلامة قوية عظيمة في نفوس شعوبكم المؤمنة رغم طغيان مظاهر الفساد والضعيف لا يظل ضعيفاً طول حياته، ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ (القصص:5)”(رسالة المؤتمر الخامس). ومن عناصر السلامة التي حافظت عليها الأمة وما زالت حية قوية رغم كل محاولات إضعافها وإماتتها ما يلي:
-
التمسك بالإسلام رغم الكيد: فما زالت الغالبية العظمي من المسلمين تؤمن بأن الإسلام منهج حياة، وتؤمن بصلاحيته لكل زمان ومكان، وقناعتها بقابليته للتطبيق تتزايد يوماً بعد يوم، وما ز الت الغالبية العظمي من المسلمين تري أن سبب ضعف المسلمين هو ابتعادهم عن منهج الله، وأن الطريق الوحيد لخلاصهم من حالة الهوان والضعف هي العودة إلي الله ومنهجه والاعتصام بحبله، وما زالت الغالبية العظمي من المسلمين تري في الرسول محمد صلي الله عليه وسلم النموذج الكامل للبشر وكلهم يحاول الاقتداء به قدر طاقته وكلهم يحاول أن يتشبه به في شيء قل أو كثر. وما زالت الغالبية العظمي من المسلمين تتشوق لعودة الحكم الإسلامي والخلافة الراشدة وان اختلفت تصوراتهم لها، وليس أدل علي ذلك من تصويت الشعوب الإسلامية في دول الربيع العربي لصالح المشروع الإسلامي في أول انفراجة وأول اختيار حر بعد قرون من الغزو العسكري والثقافي ؛ فهل يمكن أن تذوب هذه المعاني أمام القصف الإعلامي المستمر منذ ثلاث سنوات وقد صمدت عقوداً طويلة لما هو أعتي منه من غزو ثقافي متعدد الأشكال؟!.لا أظن ذلك أبداً، وسيبقي هذا الإيمان أحد الأسس المتينة للنهضة، وأحد عناصر السلامة التي تؤهل الأمة لمواصلة المسير وإعادة الريادة الحضارية بإذن الله.
-
الثروة البشرية والمادية: حاول أعداء المشروع الإسلامي تجريف الموارد المادية والبشرية للأمة الإسلامية لمنعها من النهوض مرة أخري؛ ومن صور تجريفها للموارد البشرية سرقة العقول الإسلامية بصناعة مناخ طارد في بلاد المسلمين ودعمه والعمل علي استدامته مقابل مناخ جاذب في بلاد الغرب، ومن صوره أيضاً إهمال التعليم وخاصة التعليم الديني أثناء فترة الاحتلال المباشر ثم من خلال وكلائهم المحليين الذين أقاموهم بعد رحيلهم لتنفيذ سياستهم في تجهيل الشعوب الإسلامية وإفقارها وإمراضها، ومن صورها كذلك التخلص من العلماء المسلمين الذين حاولوا توطين علومهم في بلادهم مثل محمد مصطفي مشرفة و يحي المشد وسميرة موسي وغيرهم. أما صور تجريف الموارد المادية فكثيرة وواضحة فقد حرص الغرب علي أن تظل بلاد المسلمين مصدراً رخيصاً لما يحتاجه الغرب من خامات، وسوقاً رائجة لما يصنعه الغرب من منتجات، ومقبرة لما تخلفه مفاعلات الغرب النووية من نفايات. ورغم ذلك ظلت الثروة البشرية للأمة الإسلامية قوية قادرة علي تحقيق النهضة وليس أدل علي ذلك من أن أغلب السكان في كثير من البلدان الإسلامية من الشباب بينما تغلب الشيخوخة علي دول الغرب بشقيه الشيوعي والرأسمالي، وأن الكثير من العقول التي تعتمد عليه الحضارة الغربية هي عقول مجلوبة من الخارج يمكن أن تعود إلي بلادها لتسهم في نهضتها إذا تهيأت لها الظروف وهذا أحد أسباب محاربة الغرب للربيع العربي ودعمه للانقلاب عليه ودعمه للديكتاتوريات في البلاد الإسلامية. ورغم تجريف الغرب للموارد المادية وآخرها استحواذ إسرائيل علي الغاز المصري في شرق المتوسط، ومحاولة تعطيش مصر بدعم بناء سد النهضة الأثيوبي، رغم هذا وغيره إلا أن الأمة الإسلامية في عمومها ما زالت غنية بالثروات الطبيعية من الأرض الخصبة وموارد المياه ومصادر الطاقة المتجددة وغير المتجددة مما يمكنها من النهوض والريادة.
-
عناصر الوحدة: رغم الحرب الضروس علي الهوية الإسلامية إلا أن الأمة الإسلامية حافظت علي عناصرها الأساسية؛ فما زالت متمسكلة بالإسلام عقيدة وتحاول طوائف كثيرة من المسلمين التمكين لشريعته، وما زال أغلب المسلمين يتحدثون اللغة العربية لغة القرآن الكريم التي حاول الغرب محوها بكل الوسائل؛ فحاولت فرنسا إحلال اللغة الفرنسية محل العربية في الجزائر فخرجت منها علي أيدي خريجي الكتاتيب وحفظة القرآن الكريم، وحاول الإنجليز ذلك في مصر وغيرها من مستعمراتهم وإن بدرجة أقل فرحل المحتل وبقيت الشعوب الإسلامية تتحدث العربية، وحاول أتاتاتورك محو اللغة العربية في تركيا وها هي اليوم تعود إليها رويداً رويداً، ورغم محاولا ت التمزيق المستمرة وإثارة الفتن والنعرات الطائفية والنزعات القومية والدعوات المذهبية والنزاعات الحدودية ما زال المسلمون يمتلكون الكثير من عناصر الوحدة منها التهديد المشترك والعدو المشترك والمصير المشترك، بالإضافة إلي التاريخ المشترك والمصالح المشركة فضلاً عن اللغة والعقيدة. خاصة في ظل اتجاه العدو إلي التكتل ونجاح الاتحاد الآوروبي في تجاوز حرب المائة عام وحرب الثلاثين عماً والحروب الدينية وحروب تنازع النفوذ الاقتصادي في المستعمرات، والحربين العالميتين، واستطاع ردم خنادق الدماء وتجاوز اختلاف العقائد واللغات وأقام اتحاده علي المصالح المشتركة والتهديد المشترك لأنه لا يمتلك غيرهما بينما يتمتلك المسلمون بالإضافة إلي هذين العنصرين وحدة اللغة والعقيدة والتاريخ. وقد استغل الغرب هذه الانتكاسة التي يمر بها الربيع العربي في محاولة تقسيم سوريا وليبيا والعراق واليمن؛ وما زالت الشعوب الإسلامية تقاوم هذا الاتجاه بكل الوسائل الممكنة وبإذن الله سيكون النصر حليفها في النهاية.
-
منظومة القيم: بقيت منظومة القيم الإسلامية عنصراً من عناص السلامة في هذه الأمة رغم طغيان مظاهر الفساد، فالمسلم المتدين وغير المتدين يحب الإسلام ويغار عليه ويتمني أن يسود ويحب العدل ويكره الظلم وإن تفاوتت قدرات الناس علي مقاومته، وإذا كان الغرب يبني حضارته علي المادة والمنفعة والمصلحة واللذة فإن الإسلام يبني حضارته علي الحق والخير والعدل وكرامة الإنسان وما زالت هذه المعاني حاضرة في ثقافة المسلمين وإن حاول الغزو الثقافي تشويهها وإهالة التراب عليها.
حقائق تاريخية في النصر والتمكين:
-
التداول الحضاري: يدرك الغرب اليوم أن قانون التداول الحضاري سيطبق عليه لا محالة، ويدرك الغرب اليوم أكثر من أي وقت مضي أن عوامل الضعف والتحلل تسرع إليه، وأن حضارته قد استنفدت عوامل بقائها واستمرارها، وأنها ما بقيت إلي اليوم إلا بالقصور الذاتي ومحمولة علي أكتاف الآخرين، وبسبب ضعف المسلمين الذين بدأوا رحلة العودة والنهوض وها هم اليوم يدفعون ثمن الحرية والكرامة الإنسانية وثمن امتلاك الإرادة وتحرير الأوطان من التبعية للغرب. نعم فقدت الحضارة الغربية مقومات بقائها علي المستوي القيمي والأخلاقي والإنساني وها هي تمر بأزمات اقتصادية كبيرة لا تجد فكاكاً منها إلا بإشعال الحروب حتي تدور عجلة الإنتاج الحربي وتنتعش خزائنها وهذا الحال لا يمكن أن يستمر طويلاً، كذلك فإن عبء التدخل الخارجي أصبح فوق طاقة أمريكا وأوروبا وسيؤدي في النهاية إلي تحلل هذه الحضارة، ولا توجد حضارة أخري مؤهلة لتسلم القيادة إلا الحضارة الإسلامية وهذا هو سر ضراوة الحرب عليها في هذه المرحلة. ولكنها ستنتهي حتما لصالح المسلمين إذا أحسنوا صلتهم بالله واستفرغوا وسعهم في الأخذ بالأسباب.
-
كبوة لا رقدة: حالة الاستضعاف التي تمر بها الأمة الإسلامية الآن تمثل في تاريخها كبوة لا رقدة؛ فإذا نظرنا إلى تاريخ الإسلام نظرة إجمالية بداية من عصر الرسول صلي الله عليه وسلم وقد مكن الله له في شبه الجزيرة العربية واليمن، ثم عصر الخلافة الراشدة وقد امتدت فيها رقعة الدولة الإسلامية إلي الشام والعراق ومصر ثم جاءت الخلافة الأموية فامتد الإسلام إلي المغرب العربي والأندلس ثم كانت الخلافة العباسية ثم الخلافة العثمانية فامتد الإسلام في آسيا و أوروبا، وهكذا عاش الإسلام أربعة عشر قرناً من التمكين مقابل قرن واحد من الاستضعاف. وقد تخلل هذا التاريخ الطويل من التمكين بعض الهزائم الجزئية وبعض الانكسارات المؤقتة في أماكن محدودة لم تلبث أن عادت سيرتها الأولي؛ فطوال هذا التاريخ والمسلمون هم القوة العالمية الأولي وظلت حتي في فترات الضعف مرهوبة الجانب مصونة الحمي. وبقيت الشريعة مطبقة والحدود مقامة والراية مرفوعة حتي سقطت في الحرب العالمية الأولي بهزيمة الدولة العثمانية ودول المحور وتقسيم الحلفاء لأراضي الدولة العثمانية وانكفاء تركيا علي ذاتها وخوضه تجربة العلمنة القاسية نصف قرن ثم بدأت تفيق من آثاره المخدرة بالتدريج. ورغم أن الحضارة الغربية تهيمن اليوم علي العالم إلا أن عمرها لم يتجاوز ثلاثة قرون وقد دخلت في مرحلة الشيخوخة وتؤذن شمسها بغروب إن كانت له شمس. يقول الإمام البنا رحمه الله: “إن نهضات الأمم جميعاً، إنما بدأت على حال من الضعف يخيَّل للناظر إليها، أن وصولها إلى ما تبتغي ضرب من المحال. ومع هذا الخيال، فقد حدثنا التاريخ أن الصبر والثبات والحكمة والأناة وصلت بهذه النهضات الضعيفة النشأة، القليلة الوسائل، إلى ذروة ما يرجوه القائمون بها، من توفيق ونجاح، ومن ذا الذي كان يصدِّق أن الجزيرة العربية وهي تلك الصحراء الجافة المجدبة تنبت النور والعرفان، وتسيطر بنفوذ أبنائها الروحي والسياسي على أعظم دول العالم؟ ومن ذا الذي كان يظن أن أبا بكر صاحب القلب الرقيق الليِّن، وقد انتقض الناس عليه، وحار أنصاره في أمرهم، يستطيع أن يخرج في يوم واحد أحد عشر جيشاً، تقمع العصاة وتقوِّم المعوج ، وتؤدب الطاغي وتنتقم من المرتدين، وتستخلص حق الله في الزكاة من المانعين؟. “(رسالة إلي أي شيء ندعو الناس). ويقول الأستاذ مصطفي مشهور رحمه الله: “جاء الصليبيون إلى الشرق واحتلوا بلاد الشام، وعاثوا فى بلاد المسلمين فساداً، وقتلوا النساء والرضع واستباحوا الحرمات، وسقطت القدس فى أيديهم ورفعوا الصليب فوق قبة الصخرة، واتخذوا المحراب مشتى لخيولهم وخنازيرهم، وغطت جثث المسلمين ساحات المسجد الأقصى ومدينة القدس. وقتلوا على ما يقرب من تسعين الفاً. فقيض الله عماد الدين زنكى فجابههم ودوخهم وكتب الله له النصر عليهم. وخلفه ابنه نور الدين محمود الذى كان يشبه الخلفاء الراشدين فى سيرته وشجاعته وعدله، فانتصر عليهم فى وقعة تل حارم سنة 559هـ ، وقتل منهم ما يقرب من عشرين ألفاً وأسر من نجا، وكان من بينهم جميع ملوكهم. ثم يكتب الله نهاية الصليبيين على يد صلاح الدين فى معركة حطين. وكانت بعد ذلك معارك فى مصر، انتهت بأسر لويس التاسع فى دار بن لقمان بالمنصورة. أما التتار فقد دمروا الخلافة، وقتلوا الخليفة ، وقذفوا بآلاف الكتب فى نهر دجلة حتى تغير لون مائه من حبر الكتب، وقتلوا من الرجال والنساء ولأطفال الألوف المؤلفة، واجتاحوا ديار المسلمين سلباً ونهباً وهدماً، وتصور الناس أنه لا يأتى يوم الخلاص من هؤلاء، حتى هيأ الله للأمة فارسها المجاهد العظيم قطز فهزمهم فى معركة عين جالوت 658هـ، ودخل التتار فى دين الله أفواجاً، وقد أنجبت هذه المحن من رحمها ثلة من القادة الربانيين كأمثال الوليد ابن عبد الملك الذى فتحت الفتوحات فى عهده كأيام عمر بن عبد الخطاب رضى الله عنه، وهارون الرشيد الذى كان يحج عاماً ويغزو عاماً، وفاتح الهند أبو بكر محمد بن القاسم، وموسى بن نصير فاتح المغرب، وطارق بن زياد فاتح الأندلس، وهشام بن عبد الرحمن الداخل شبيه عمر ابن عبد العزيز فى سيرته، وعبد الرحمن الناصر مؤدب ملوك النصارى، ويوسف بن تاشفين مؤسس دولة المرابطين، ويوسف بن عبد المؤمن الذى كان يحفظ البخارى ومدوخ النصارى فى معاركه، وبيبرس قاهر الصليبين ومدمر أنطاكية وغازى المغول فى ديارهم، والسلطان مراد فاتح جميع الأراضى البلغارية، ومحمد الفاتح فاتح القسطنطينية، والسلطان سليم الأول وابنه سليمان القانونى الذى وقف على أسوار فيينا ولم يزل تاريخ الإسلام زاخراً بالقمم من القادة والأبطال. (مصطفي مشهور، المستقبل للإسلام رغم طول ليل الظلم والظلام، أعده للنشر عزت الجزار).
تطبيقات عملية علي الدرس:
-
ذكر الإمام البنا أربع صفات في أصحاب النهضات البادئة ضرورية لنجاح هذه النهضات.اذكرها وبين واقعنا فيها
-
اربعة عشر قرنا من التمكين مقابل قرن من الاستضعاف. يناقش القائد الثوري ذلك مع الأفراد مستعينا ماأمكن بمعلومات وخرائط من الانترنت.