الجمعة , أكتوبر 10 2025
الرئيسية / مقالات / لو كان “شارلي إيبدو” تركيًّا بقلم: وائل قنديل

لو كان “شارلي إيبدو” تركيًّا بقلم: وائل قنديل

كم قصيدة بكائية كتبت، وكم لحنًا جنائزيًا عزف، حين ضرب الإرهاب باريس، في “شارلي إيبدو” وملعب “حديقة الأمراء”؟

كم زعيمًا عربيًا، وغير عربي، غطس داخل البذلة السوداء، وطار إلى باريس، ليكون في الصف الأول من مهرجان الحزن الدولي؟ كم كاتبًا وأديبًا أغرق الصفحات بدموع ساخنة على “باريس الجميلة”، عاصمة النور والبلور والصبايا الحور؟

حسنًا.. كل ما سبق إنساني جدًا، ومطلوب للغاية، بمواجهة إرهابٍ يضرب بخسٍّة هناك. لكن، ماذا عن الإرهاب الذي يضرب بخسّة أكبر هنا؟ ماذا عن أنقرة واسطنبول، وحتى شرم الشيخ؟

ضرب الإرهاب في أنقرة واسطنبول بشكل أعنف، وكرّر الضربات، حتى غدت وكأنها “طقس أسود”، فما رأينا نحيبًا من أجل الإنسانية، ولا تظاهرًا ضد أعداء الحياة، ولا طائرات رئاسية وملكية انطلقت في التو واللحظة، حاملة حجيج مسيرات ضد الإرهاب، ولا الشعراء بكوا، ولا أوتار العازفين ناحت.

كما ضرب الإرهاب في شرم الشيخ حاصدًا أرواح العشرات من ركاب الطائرة الرئاسية، فلم يهرع زعماء العالم الحر المستنير المتحضّر، لتقدم مسيراتٍ تتحدّى الموت، وتتوعّد سارقي الحياة ومشوّهي الجمال.

شرم الشيخ وأنقرة واسطنبول لا تقل جمالًا عن باريس، غير أن الأخيرة وحدها تستحوذ على ألقاب فاتنة الحكام وجاذبة الزعماء، ومحرّكة خيال الأدباء، فيهرولون إليها، إذا توجعت أو مارست الأنين، فيما تقف الأخريات، مثخناتٍ بالجراح، من دون أن يذهب إليها أحد، إلا في النادر.

هل هي الازدواجية في الحزن، أم هو الانسحاق الوجداني الناتج عن ذلك الانسحاق الثقافي والحضاري المريع، الذي يستوطننا؟

ليس على مستوى المدن والبلاد وحدها، وإنما على مستوى البشر، في الدائرتين العالمية والمحلية، على السواء، فاختفاء وتعذيب وقتل الإيطالي، جوليو ريجيني، في القاهرة أزمة وفاجعة تهز أوروبا والشرق الأوسط، وتحرّك الأوساط السياسية والثقافية، لكن أحدًا لا يتوقف عند الوقائع المماثلة، حين تطال ألف “جوليو وجوليو” من المصريين والسوريين.

حتى على المستوى الأضيق، في الداخل المصري، تجد الحزن عنصريًا، والتعاطف شوفينيًا وشلليًا، لا يزال، وخذ عندك واقعة الطبيبة، بسمة رفعت، ذات النقاب، اختطف الأمن زوجها، وأخفاه، وحين ذهبت تبحث عنه، لم تعد هي الأخرى، واختفت، مع شقيقها، لتظهر في ما بعد متهمًا رئيسيًا في اغتيال النائب العام السابق، هشام بركات، فيما لا يعرف أحد مصير زوجها الضابط السابق الذي لفقوا له سيناريو محكمًا، عقابًا على وقوفه ضد الانقلاب العسكري.

تركت الدكتورة بسمة وشقيقها خلفهما أطفالًا، وأبًا مكلومًا طاعنًا في السن، ووقف المجتمع يتفرّج، ربما لأنها ليست مشهورة، ولا تحمل عضوية شلةٍ تعرف الطريق إلى “الميديا”، وربما لأنها ترتدي النقاب، لم تتحول إلى قضية حريات تزعج الحقوقيين والرأي العام، والمجتمع الدولي، وسكان جزيرة “التريدندات والهاشتاغات”.

النفسية ذاتها التي تنتحب لباريس، ولا تعبأ كثيرًا لأنقرة، هي ذاتها التي لا تهتم كثيرًا بمأساة الدكتورة بسمة رفعت، ذلك أن الحبر لا يسيل، والحناجر لا تشتعل، إلا إذا كان الضحايا من أهل الشمال، الجغرافي والثقافي.

وأكرّر، هنا، أنه ليس أكثر انحطاطًا من كائنٍ يناضل من أجل الحرية، إذا فقدها أحد من شلته، أو أهله وعشيرته، فقط، فإذا جاءت سكت.

وإن ثورة يناير 2011 لم تنجح، ولو جزئيًا، إلا بعد أن اجتازت اختبارها الأخلاقي والإنساني الأصعب، فساوت بين خالد سعيد، أيقونة الشباب الليبرالي واليساري، وسيد نصير، شهيد التيار السلفي، كما لم تفرّق بين كريم بنونة ومينا دانيال.

ولو كانت قد استسلمت لفيروسات النضال العنصري الملوّن لما كانت قد أنجزت شيئًا.

 

شاهد أيضاً

نظرات في الإسراء والمعراج.. للإمام الشهيد حسن البنا

نحمد الله تبارك وتعالى، ونُصلي ونسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *