“الدوامة”! بقلم: سليم عزوز
11 مارس، 2016
مقالات
577 زيارة
كل الشعب المصري بكل طوائفه يشعر الآن أنه في “دوامة”، سواء كان معارضاً أو مؤيداً للسلطة الحاكمة، سواء كان غنياً أو محروماً، وإلى حد أنه صار كمن يتخبط في ظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب، ظلمات بعضها فوق بعض!
ففي اللحظة التي بدت تتكشف للشعب حقائق كثيرة، لم تأت إليه هذه المرة من قبل قنوات الشرعية، أو فضائيات الأعداء، فقد اعترف بها “عبد الفتاح السيسي” نفسه حتى وجدنا حرائق مشتعلة على أكثر من جبهة، وبتنا لا نعرف “المشكلة” من “خطط الإلهاء” التي تستهدف شغل الناس عنها!
الخطاب “طويل التيلة” لقائد الانقلاب العسكري، بدا فيه الرجل وكأنه يجلس على “كرسي الاعتراف”، فيعترف بما يدينه شخصياً وبما ينتقص من قدرته على الحكم، فهو وليس معارضوه يعترف بمشكلة سد النهضة، وأن مصر ستعاني أزمة في المياه، وكأن هذا هو قدرنا، وكأنه عندما وقع على اتفاق المبادئ، الذي مثل شرعية لبناء السد، والذي لم يتضمن الاتفاق على حصة مصر من المياه، كان توقيعه قدراً مقدوراً، والمكتوب على الجبين حتماً ستراه العين!
وهو في اعترافه بالمشكلة، فقد اعترف كذلك بأن خطته، التي يريد من الشعب أن يدعمه فيها بالمال، تتمثل في إقامة مشروع قومي لمعالجة مياه المجاري، وكنا نقول ذلك فيقولون أننا نبالغ، كما نبالغ في القول إن مصر ستعاني بسبب سد النهضة، وإذا كان مسؤول بمرفق المياه، أخبرنا أن مصر ستتعرض للجفاف في السنوات القليلة القادمة، ففي هذا الخطاب سالف الوصف كان من يعترف هو السيسي نفسه!
وفي هذا الخطاب اعترف أيضاً بأن تفجير الطائرة الروسية كان بفعل الإرهاب، وهو الأمر الذي أضاعت مصر وقتاً طويلاً لنفيه، لأن قوة الإرهاب بهذا الشكل تنتقص من قدرة السيسي على الحكم، وتعطي مبرراً للقرار الروسي وبعض الدول الأوروبية بسحب السائحين، وكانت مصر ترجع التفجير إلى خلل فني، وقبل ذلك كان القول إن التفجير جرى بينما الطائرة في الأجواء التركية وبصاروخ أطلقته السلطة في أنقرة.
كتبت أول مقال تعليقاً على هذا الخطاب، وفي نيتي كتابة سلسلة، فوجدت قضية أخرى جرى “إغراقنا” فيها، وهي قضية “توفيق عكاشة” الذي قام بدعوة السفير الإسرائيلي إلى منزله بمحافظة الدقهلية، وقال إن الأجهزة الأمنية كانت على علم بالدعوة والزيارة، ورغم الضجة بدا من الواضح أن البرلمان لا يريد أن يتخذ أي إجراء ضده فهو لم يخالف القانون، فضلاً عن أن اللقاء كان بعلم أجهزة الدولة!
لقد اتخذت إحدى لجان المجلس توصية بحرمان “عكاشة” من حضور عشر الجلسات، وفجأة تقرر ذبحه بإسقاط عضويته، وقد وجه هو بمناسبة ذلك الشكر للسيسي، وهو شكر لا يُقرأ بظاهره، فربما يريد أن يشكره لشدة الانتقام وهو لم يكن يتصرف بدون علمه وعلم أجهزته، وربما كان الشكر لأنه وهو من يدعي أنه مفجر ثورة 30 يونيو التي جاءت بالسيسي رئيساً، تذكر المثل الشعبي: “تزرعه يخلعك” في وصف غير الأوفياء لأصحاب الفضل عليهم!
قضية “توفيق عكاشة” لها أكثر من مستوى، فلم تكن من مستوى واحد:
المستوى الأول: فاللقاء الذي عقده مع السفير الإسرائيلي، كان بينما الرأي العام يعيش في أجواء السخرية من خطاب السيسي وما جاء فيه من رسائل لجهة غير معلومة ثم سؤاله الذي تكرر مشتقا من عبارة القذافي: “من أنتم”؟، وبعد أيام من السخرية التي تسقط الهيبة وتنال من قدر الحاكم، ذهبت السكرة وحلت الفكرة، وبدأ التفكير الجدي بما جاء في الخطاب من الاعتراف بمخاطر سد النهضة، والاتجاه لأن يشرب المصريون مياه المجاري المعالجة، والذي بدا أيضا حلماً صعب المنال، ويحتاج إلى تضامن الشعب مع الحاكم، وتضافر الجهود الأهلية مع الرسمية للشروع في تشييده. وظهر أن الخطاب يبرر للاتجاه الجديد الذي ناقشه “توفيق عكاشة” بدون أي تحفظ رسمي وهو مد مصر إسرائيل بمليار متر مكعب من مياه النيل مقابل أن تتوسط الحكومة الإسرائيلية لدى نظيرتها الأثيوبية لضمان وصول ماء النيل لمصر وبأي قدر تنجح فيه الواسطة المشكورة!
المستوى الثاني: أن هذا الموضوع المتفجر وإن استهدف من ناحية التغطية على ما جاء في خطاب السيسي من “اعترافات كارثية”، واستهدف من ناحية أخرى التمهيد للتطبيع الشعبي، وتبرير الاتجاه لمد إسرائيل بماء النيل، فقد كان اللافت هو التقدم خطوة لذبحه بإسقاط عضويته في البرلمان، وإغلاق قناته “الفراعين”، واستباحته على كل صعيد، حد الإعلان عن أن النيابة بدأت في التحقيق معه في حصوله على 5 آلاف فدان من أراضي الدولة، لنقف على الكارثة، ففي ذات اليوم الذي اجتمع فيه البرلمان لإسقاط عضوية “عكاشة”، وفي جلسة امتدت أكثر من سبع ساعات، كانت هيئة مكتب البرلمان توافق على السماح لوزارة الدفاع بالاقتراض من ثلاثة بنوك فرنسية، ما قيمته أربعة مليارات دولار، وفي وقت كانت فيه السلطة تطلب قرضا بثلاثة مليارات دولار من كوريا الجنوبية!
المستوى الثالث: ولأنه بات من الواضح أن القوم لم يقرروا الإجهاز الكامل على “عكاشة”، فهم يدخرونه لوقت آخر، فقد كان لابد من قضية وهمية تشغل الناس عن القضية التي يكون مواصلة التحقيق فيها إنهاء “الحالة العكاشية” تماماً وعودته كما بدأ يقف أمام “خزينة” التلفزيون بالساعات في انتظار صرف راتبه، ولن تكون هناك بالطبع قناة “الفراعين” الممولة من بيع “أراضي الدولة”، هذا فضلاً عن أن التحقيق في قضية أرض الدولة سيضار منه كثير من وجهاء السلطة في مصر المتورطين في عملية الاستيلاء على (5500) فدان، فكان لابد من شغل الناس عن هذه القضية، بفيلم هندي هو حصول “عكاشة” على الدكتوراه المزورة، وهي من قضايا “البراءة” لأن أركان جريمة التزوير لم تكتمل فلم يجر تعيينه أستاذاً جامعياً بموجب الدكتوراه المزورة، ثم إن الاعتماد على ما أقر به المجلس الأعلى للجامعات من أنه لم يعادل هذه الشهادة منه، لا يعد قرينة للإدانة، وقصة المعادلات هذه شرحها يطول، وإلا كان “سيد القمني” في السجن الآن بعد أن تبين أن الجامعة التي يقول إنه حصل منها على الدكتوراه في الولايات المتحدة الأمريكية وهمية، فالشاهد أنه لم يسجن، والشاهد أيضاً أنه لا يزال يقدم نفسه على أنه “المفكر الضرورة”!
وإذ بدا الرأي العام في التوقف عن متابعة قضية “عكاشة” التي لم يعد فيها ما يثير، وبدا يرقب حركة هبوط الجنيه والارتفاع الصاروخي للدولار، تم الإعلان عن أن حركة حماس، وجماعة الإخوان المسلمين هم وراء اغتيال النائب العام المصري، وإذا سلمنا بذلك، فمعناه أن “أولي الأمر منهم” في مصر يدينون أنفسهم، لأن الجيش والشرطة، وكل الأجهزة الأمنية السيادية منها وغير السيادية، والتي تعمل على إنجاح النظام الحالي، فشلت في مواجهة حركة هي حماس، كما أن من تبقى من مؤيدي السيسي معه، يقولون لتبرير تأييدهم له أنه وإن كان فشل في البر والبحر فيكفي أنه “خلصنا من الإخوان”، في حين أننا نرى الإخوان قوة استطاعت اغتيال النائب العام رغم سيارته المصفحة، ورغم الحراسة المدججة بالسلاح، وفي “عز الظهر”؟!
يبدو من افتقار الحكم المصري للإبداع، أنه وإن استهدف إدخال الشعب في “الدوامة” فقد دخل هو هذه “الدوامة”، وصار فاقداً للقدرة على افتعال “ملهاة” مقنعة للناس!