تأميم الاقتصاد مثل “شربة الخروع” مذاقه منفر ويصيب شهية المستثمرين الأجانب بالانسداد والعزوف، وبالتالي سقوط أكثر فأكثر للعملة المحلية الجنيه، والذي بلغ ذروته أوائل 2018 بالتزامن مع انخفاض الاحتياجات التمويلية، في ظل العجز في موازنة جمهورية العسكر، وبالمقارنة بالبلاد الناجحة نجد أن الرئيس التركي المنتخب أوردغان أعاد الجيش للثكنات، وبني واحدا من اكبر 20 اقتصاد في العالم، أما قائد الانقلاب فقد أعاد الجيش للسياسة وجعل مصر واحدة من أفسد 20 بلد في العالم.
وتوقع معهد التمويل الدولي بخروج 50% من استثمارات الأجانب من مصر، وتراجع استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية سيستمر حتى نهاية العام المالي 2020 لتنخفض إلى 6.2 مليار دولار، وتباطؤ نمو الاحتياطي خلال العام المالي الحالي، ليرتفع بنحو 5.9 مليار دولار مقابل زيادته 12.8 مليار دولار العام المالي الماضي، وربما العبارة الشهيرة التي تناسب الأوضاع في مصر هي ” تعرف إيه عن الاقتصاد ياض يا مزيكا ؟”.
ولم يعد هدف عمليات التأميم في ظل السفيه عبد الفتاح السيسي تحقيق الاكتفاء الذاتي، بل تمكين كبار الضباط من بسط سيطرتهم على الاقتصاد، وعلى الطريق السريع الممتد على مسافة 150 كلم بين محافظتي بني سويف والقاهرة تقابلك ثلاثة أبنية شاهقة وسط الصحراء، أولها مصنع للحديد الصلب يملكه أحد أصحاب المتاجرات المريبة المقربين من المخابرات الحربية، وسجن، وأكبر مصنع إسمنت في العالم تحت سيطرة الجيش.

معندناش حاجة نخبيها!
يبرر السفيه السيسي تأميم الاقتصاد بالزعم أن :” الجيش ظل على مدار 20 سنة يتقاضون نصف راتبهم الشهري من أجل اقتصاد هذا البلد.. ودلوقتي بنعوضهم”، وافتتح السفيه في 15 أغسطس 2018 بشكل رسمي هذا المجمع الضخم الذي تبلغ قدرته الإنتاجية 12.8 مليون طن سنويا، والذي قلب الأوضاع في سوق الإسمنت بالبلاد التي احتلت المرتبة السادسة عالميا عام 2017 وإنتاج 69 مليون طن في السنة بمساهمة 29 مصنعاً، يقول التقرير.
وابتداءً من 2015 رفع الجيش كمية الإنتاج بمقدار أربعة ملايين طن سنويا مما جعل إنتاجه الإجمالي يصل 22 مليونا ملحقاً بذلك الضرر الكبير بمنافسيه من القطاعين الخاص والعام، مما أدى إلى اختفاء مؤسسة صناعية كبرى كانت يوماً من أملاك الشعب، ويمضي السفيه السيسي في أكاذيبه ويقول :”ياريت القوات المسلحة تمتلك 50% من اقتصاد مصر.. إحنا معندناش حاجة نخبيها.. واقتصاد الجيش الفعلي ما بين 1.5 و2% فقط”، على حد زعمه.
وأغلقت الشركة القومية للإسمنت أبوابها في 17 مايو الماضي بسبب خسارات جسيمة تقدر 971.3 مليون جنيه برسم السنة المالية 2017، وتم تسريح أكثر من 2300 من العاملين فيه، ولم يعد هناك إلا مؤسسة النهضة التابعة للدولة بهذا المجال، وهي تحت إدارة أحد الجنرالات أيضاً، وبسبب هذا التأميم ترتفع الأسعار وللسيطرة على غضب الشعب يقوم الجيش بتوزيع كراتين مواد غذائية، فيما يشبه اقتصاد الصدقة وموائد الرحمن !
ورغم ما يواجهه القطاع الصناعي من مشاكل يسعى الجنرالات لفرض وجودهم فيه بأي ثمن، وبدأت الحكاية عام 2001 بتشييد مصنع العريش شمال سيناء بقدرة إنتاجية تبلغ 4 ملايين طن سنويا، لكن شهية الجيش تضاعفت بعد ذلك حيث أصدر السفيه السيسي عام 2014 مرسوماً يمنح الجيش الحق في إدارة المحاجر، ومنذ ذلك الحين “تضاعف سعر الجير ثلاث مرات” كما ينقل التقرير عن اتحاد الصناعات.
شفط الشعب!
وفي فبراير الماضي وصلت إنتاجية مصنع العريش إلى 9.6 ملايين طن سنويا، ومع مصنع بني سويف الجديد الذي كلف إنشاؤه 1.2 مليار دولار من تمويل الجيش، وعمل على تشييده ثمانية آلاف عامل يعملون ليلاً نهاراً خلال سنتين كاملتين متبنيا تقنية صينية، ستصل الإنتاجية الكلية في البلاد سنوياً إلى 87 مليون طن، يقول التقرير.

الجيش لا يدفع رسوم الجمارك ولا الضرائب، ويستخدم المجندين من دون أجر في منشآته، ويستفيد من التخفيضات على المواصلات ومن محاجر مجانية، كما أن وجود جنرالات متقاعدين في وظائف بوزارات، يلعب دورا حاسماً بسوق الإسمنت كالمواصلات والتموين والإسكان.
وليس الإسمنت استثناءً على القاعدة، فالجيش دخل كل قطاعات الاقتصاد تقريبا، الصلب والرخام وصناعة الجلود والصناعات الغذائية والآلات المنزلية والأدوية بالتواصل مع المختبرات الأجنبية، أما الأرباح فإن كان ثمة أرباح فتذهب مباشرة إلى المؤسسة العسكرية التي تظل ميزانيتها سرّية.
وفي هذا الوضع يخسر اقتصاد الشعب مبالغ كبيرة من الإيرادات الضريبية وموارد في غاية الأهمية للمرافق العامة، ويكسب الجيش الوظائف المريحة لكبار الضباط المحالين على المعاش، أما الشعب فليس له مكسب حتى في ما يتعلق بأسعار الإسمنت التي لا تعتبر رخيصة فعلاً بسبب قنوات التوزيع التي تثقل الأسعار.
وإن كان أبو الانقلاب الفاشي جمال عبد الناصر قد أمم الشركات تحت مزاعم منح البلاد اكتفاء ذاتيا، فإن السفيه السيسي قد جعل قبضة الجنرالات تتحكم بالاقتصاد كله، عبر الامتيازات الخاصة والوساطات المتسترة، التي توفر لكبار الضباط حياة رغيدة، ولم يعد سعي الجيش لبسط مزيد من السيطرة على اقتصاد البلاد خافيًا على أحد، بعدما امتدت يده إلى قطاعات الإنشاءات والمواد الغذائية والطرق والجسور، وتصنيع مكيفات الهواء وتوريد الأدوية للجامعات؛ ما يعني أنه بات متوغلاً في كل شبر، حتى أنك لو فتحت حنفية مياه ستتدلى لك البيادة، بينما يعد السفيه المصريين الذين سرقهم بتناول طعام “أورجانيك” من إنتاج الجيش!