تواصل إثيوبيا تحديها لنظام الحكم العسكري في مصر واستكمال بناء سد النهضة، الذي يهدد الأمن القومي المصري بكارثة، ربما تفضي إلى انتشار واسع للجفاف ومجاعة تتسبب في مقتل عشرات الآلاف وتشريد الملايين، جراء تعطل المشروعات الاقتصادية الزراعية والصناعية والسياحية.
ويؤكد خبراء ومحللون أن القانون الدولي في صالح مصر؛ معربين عن اندهاشهم من فشل الجنرال عبد الفتاح السيسي في حماية حقوق مصر المائية، واستسلامه للمراوغات الإثيوبية باستمرار دون أن يبدي أي حنكة في إدارة الملف الذي يهدد الأمن القومي المصري.
للصبر حدود
فمصر- بحسب الخبير الدكتور نادر نور الدين- هي البلد الوحيد فى منابع النيل الذى يعيش على 7% فقط من مساحة أراضيه، والباقى صحراء تعانى من القحط وندرة المياه، ومصر الدولة الوحيدة بين شركاء النهر التى تعيد استخدام مياه الصرف الصحى والزراعى والصناعى عدة مرات بسبب فجوتها المائية العميقة، والتى تتجاوز 42 مليار متر مكعب في العام.
ومصر هي أكبر مستورد للعالم فى القمح، ورابع أكبر مستورد فى الذرة، وسابع أكبر مستورد فى زيوت الطعام، مع استيراد الفول والعدس والسكر واللحوم، فى فجوة تبلغ 60% من أغذيتنا الأساسية، كما أن ثروتنا الحيوانية لا تتجاوز 8 ملايين رأس وليس 100 مليون مثل إثيوبيا، ولا 70 مليونًا مثل السودان والتى تنمو على المروج الطبيعية المجانية، بينما ثروتنا الحيوانية القليلة تدفعنا إلى زراعة الأعلاف المروية فى بلدنا الجاف والتى تنافس زراعات القمح، فتكون النتيجة أن مصر بتعدادها المتوسط أصبحت أكبر مستورد للقمح فى العالم منذ عام 2005، فهل بعد كل ذلك يمكن أن تتحمل مصر أى نقص فى مواردها المائية المستقبلية؟.
وطالب الخبير الزراعي أديس أبابا بأن تتفهم هذه الأوضاع، وتتعهد كتابة على أن تحافظ على تدفقات النيل الأزرق عند نفس مستوياتها قبل بناء سد النهضة؛ على اعتبار أنه الشريان الأكبر للنيل والذى يشارك بنحو 64% من إجمالى مياهه، وأيضا من إجمالى مورد مصر الوحيد للمياه، مقابل تسعة أحواض أنهار فى إثيوبيا تضم عشرات الأنهار.
وينتقد نور الدين- في مقاله المنشور اليوم بصحيفة “المصري اليوم” بعنوان «حبال الصبر المصرى الطويلة فى مفاوضات سد النهضة»- الطريقة التي أديرت بها المفاوضات من الجانب الإثيوبي خلال السنوات السبع الماضية.
يقول نور الدين: «سبع سنوات مضت منذ أن وضعت إثيوبيا حجر أساس سد النهضة فى الثانى من أبريل عام 2011، بقرار من طرف واحد لبناء أضخم سد فى القارة الإفريقية على النيل الأزرق دون مراجعة شركائها فى النهر».
مخالفة للقانون الدولي
وأوضح الكاتب أن أديس أبابا لم تراع أيضا أي اعتبار لقانون الأمم المتحدة للأنهار الدولية العابرة للحدود من حتمية الإعداد المسبق للدراسات العلمية الخاصة بالآثار المتوقعة للسد على البيئة النهرية وعلى تدفقات المياه إلى شركاء النهر، وأخيرا الأضرار الاقتصادية والاجتماعية التى تقع على دول المصب من تبوير أراض وفقدان عمل للمزارعين والصيادين وغمر أراض بمياه البحار، وتأثير ذلك على اقتصاد دولة المصب».
ويضيف أنه كان يتعين على إثيوبيا بعد ذلك «طبقا لقانون الأمم المتحدة قيام إثيوبيا بتسليم هذه الدراسات لمصر ومنحها مهلة ستة أشهر للنظر فيها، قابلة للمد ستة أشهر أخرى، فإذا ما رفضت مصر هذه الدراسات فعلى إثيوبيا أن تلجأ إلى الأمم المتحدة للنظر فى خلافاتها مع دولة المصب، قبل أن تبدأ فى وضع حجر واحد فى جسم السد».
لكن إثيوبيا- بحسب الكاتب- تخطت كل هذه الأمور، مستغلة الوضع الداخلى فى مصر بعد تنحى مبارك عن السلطة فى 12 فبراير 2011، وقامت بوضع حجر الأساس لسدها الضخم بعد مرور 50 يوما فقط، فى أسوأ استغلال وانتهازية لظروف الجار، محاولة فرض سياسة الأمر الواقع».
على خطى كينيا
ويؤكد الكاتب أن «مصر قدمت خلال السنوات السبع المنقضية كل ما يمكنها تقديمه من صبر ومحاولات توافق وبناء ثقة، مترقبة أن تبادلها إثيوبيا الثقة بثقة إلا أننا لم نجد إلا المراوغة واستهلاك الوقت».
ويستعرض الكاتب موقف إثيوبيا مع كينيا، مشيرا إلى أن تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبى الراحل ميليس زيناوى، بأن هذا السد لن يضر بمصر ولن ينقص من حصتها من مياه النهر ولو بكوب واحد، فى سيناريو سبق أن ادعاه مع جارته كينيا قبل أن يبنى سدا على نهر «أومو» المشترك بينهما.