يبدأ عبد الفتاح السيسي في الأول من إبريل رحله هي جديدة إلي أمريكا، لتكون هي المرة الأولي التي يسافر فيها إلي أمريكا بهدف لقاء رئيس أمريكي في الحكم، بعد أن كان قد التقي الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما علي هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة في عام 2015 بعد توليه السلطة في مصر، ولقاءه بترامب العام الماضي وقت أن كان مازال في غمار صراع الإنتخابات الرئاسية الأمريكية ، ليبدأ صفحه جديدة من العلاقة في العلاقات المصرية الأمريكية بعد سنوات من الفتور في تلك العلاقة الحميمية منذ الإنقلاب العسكري الذي قام به عبد الفتاح السيسي للإطاحة بسلطة الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان من الحكم.
العلاقات المصرية الأمريكية سابقه لتاريخها، وبدأت تأخذ هذا المنحني الواسع في العلاقات منذ عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، عقب حرب أكتوبر، ولكنها تطورت بشكل واسع في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، الذي وصل بهذه العلاقة إلي درجات عالية في التنسيق علي كافة المستويات وخاصة الملف الفلسطيني وما يتعلق بتوفير حماية لإسرائيل من نيران المقاومة الفلسطينية .
كان الرئيس السابق محمد حسني مبارك يستقى دوره الإقليمي القوي من العلاقة التي نشأت بين القاهرة وواشنطن في السبعينات هذه العلاقة الثلاثية المدونة على صفحات كامب ديفيد والمشروطة أيضا بالعلاقة مع تل أبيب والتي وصلت ذروتها في مطلع التسعينات عقب حرب الخليج في الكويت وقت أن كانت القاهرة على استعداد لإرسال قوات عسكرية خارج أراضيها والقيام بدور أصيل في الملف “الفلسطيني-الإسرائيلي” وتطويع بقية أعضاء الجامعة العربية الآخرون ليتوافقوا مع سياسة واشنطون-تل أبيب بعد غياب القاهرة عن الجامعة لمدة ذادت عن العقد وعادت إليها عام 1989، ظلت العلاقة بين مبارك ونظرائه من الرؤساء الأمريكان قوية ومتينة إلى حد بعيد فضلا عن احتفاظ مبارك بما يمكن أن نسميه مسافة آمنة بينه وبين تل أبيب ولكنه لم يسمح أن تدهور العلاقة للحد الذي تصل فيه لانعدام التنسيق المخابراتي لما يحدث في غزة أو التنسيق العسكري بين الدولتين ومؤخرا اتفاقية الكويز الاقتصادية التي جمعت العواصم الثلاثة مرة أخرى والتي أتاحت للمنتج الصناعي المصري الدخول للسوق الأمريكي بأيادي إسرائيلية.
ومنذ أن جاءت إدارة أوباما إلي السلطة، شهدت العلاقة مع مصر تطورا واسعا، وساء من حيث التنسيق السياسي، أو حتي من حيث إعلان إدارة أوباما نيتها التعامل مع الجماعات الإسلامية المعتدلة ومن بينها جماعة الإخوان المسلمين، التي إستخدمها مبارك دوما كفزاعة للدول الأجنبية والغربية، وخاصة بعد أحداث سبتمبر 2011 ، ولكن العلاقة في نهايتها شهدت بدأ إدارة أوباما التخلي عن حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني، مصحوبة بإستجابة واشنطن لطلبات “فايزة أبو النجا” وزير التعاون المصري في هذا الوقت لتقليل المعونة الأمريكية المخصصة لملف الحكم الرشيد ودعم منظمات المجتمع المدني لصالح زيادة المعونة العسكرية الموجهة إلي مصر.
ولكن الثورة المصرية جائت لتلهب العلاقة، وتشهد العلاقة تعاونا مثمرا في مجال حقوق الإنسان، قبل أن تشهد أول صدام لها مع قضيه التمويل الأجنبي في مصر، واضطرار سلطة المجلس العسكري الحاكمة إلي الإفراج عن الأجانب المتهمين في هذه القضية دون بقيه المتهمين لمحاولة استمرار العلاقة مع الإدارة الأمريكية
في الثالث من أبريل الحالي سيلتقي عبد الفتاح السيسي الرئيس الأمريكى الجديد دونالد لترامب حيث ظل الإعلام المؤيد لسلطه عبد الفتاح السيسي يسوقه بأنه الحليف الرئيسي للإدارة الأمريكية الكارهه للإخوان عكس سابقه باراك أوباما، وهو ما بدي واضحا منذ لقاء السيسي وترامب، وقت الانتخابات الأمريكية حينما كان السيسي يحضر إجتماع الجمعية العامة للأم المتحدة، في سبتمبر 2011.
ترامب الذي له تاريخ طويل كرجل أعمال محترف يجيد التهرب من الضرائب والاستفاقة من أزماته المادية وتكوين الثروات بشكل سريع ولعل آثار هذا تضح في تصريحاته الأخيرة مع ألمانيا بأنه يريد تحصيل كلفة مشاركة قواته في إعطاء الأخيرة الغطاء العسكري نتاج لمشاركة قوات بلاده في العمليات العسكرية مع الناتو، ولكنه اصطدم بالشكل المؤسسي في الولايات المتحدة الأمريكية بعد إيقاف القضاء الأمريكي لقراراته المتعلقة بدخول الزائرين والمهاجرين القادمين من الشرق الأوسط إلي الولايات المتحدة الأمريكية، وهي النقطة التي لا يعرفها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والذي يمكنه إتخاذ قرارته مصيرية تتعلق بمستقبل المصريين دون قدرة أي جهه أخري لمعارضته، فضلا عن الموقف الحالي الضعيف للمعارضة المصرية بعد الضربات الأمنية المتتالية لقوي التيار الإسلامي والمدني في مصر.
الآن يدير عبد الفتاح السيسي ملف العلاقات الخارجية بخطى ثابتة بعد أن تجاوزت فترة رئاسته الثلاثة سنوات ونصف حيث أستطاع فيها تحقيق الكثير فضلا عن عشرات المليارات الخليجية والدعم الخليجي نفسه إبان عزله لمرسي وحتى بعد أن أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية
أرسل ترامب للرئيس السيسي 20 يناير 2017 دعوة رسميه للقائه في واشنطن لمناقشة الكثير من ملفات الشرق الأوسط لعل هذه الدعوة كانت اللبنة الأخيرة في محاولة فتح العلاقات مجددا بين القاهرة و واشنطن، لتفتح لعبد السيسي مجالات جديده بعد أن كان يواجهه بخطابات ومواقف رفض أثناء حضورة مؤتمرات القمة الأفريقية وبعد أن تجاهله العديد من رؤساء العالم وأفريقيا في العديد من المحافل الدولية والمحلية فمشهد السيسي وحيدا أثناء وصوله مطارات الدول المضيفة والغير مضيفه تكرر كثيرا خلال عام 2015 حدث هذا في روسيا ورواندا لكن أقباط المهجر في واشنطن كانوا دائما في استقباله فنستطيع أن نقول أنه قد تغير الكثير خلال عامين لكي يتلقي السيسي دعوة رسمية من رئيس أكبر دولة في العالم.
اهتمامات عسكرية واقتصادية
على هذه الخلفية من الاهتمامات التي يبديها الرئيسان في مواجهات ما يسمى بالإرهاب والجماعات الإرهابية يتحضر كلاهما للقاء المرتقب في الثالث من أبريل القادم لمناقشة هذا الملف ومناقشة كيفية تحجيم التنظيمات المسلحة والقضاء عليها,
لا تعول واشنطن كثيرا على القاهرة في إمكانية الاستعانة بقوتها العسكرية لمواجهة أية تنظيمات مسلحة في المنطقة ويخص بالذكر منهم “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام” داعش حيث يعرف البيت الأبيض هذا من قبل، بعد رفض سلطة السيسي الاشتراك في بأي قوات في التحالف الدولي ضد داعش في سوريا والعراق، أو المشاركة بقوات واسعه النطاق في عاصفة الحزم في اليمن واكتفى بالدعم الاستخباراتي وبعض القطع البحرية في باب المندب حسبما أعلنت السلطة المصرية رسميا.
ورغم ذلك فمن المحتمل أن يدعوا دونالد ترامب السيسي للمشاركة بقوات في الحرب ضد داعش في العراق كبديل عن مشاركة القوات الأمريكية، أو في نظير المعونات الأمريكية التي تقدمها واشنطن إلي القاهرة طبقا لإتفاقية كامب ديفيد التي وقعتها القاهرة في سبعينيات القرن الماضي.
تعرف واشنطن أيضا أن السيسي يعاني من تدهور الوضع الاقتصادي في مصر، وإنه سيحاول الحصول علي مساعدات اقتصادية أو مساهمات أخري من قبل الإدارة الأمريكية، بعد النزيف الحاد في الاحتياطي النقدي الداخلي الذي انخفض إلي 16 مليار دولار قبل الإعلان عن تعويم الجنية المصري قبل أن يرتفع مجددا إلي ما يتخطى 20 مليار دولار أمريكي، بعد تعويم الجنية ودخول المصريين في حالة ركود اقتصادي ومنع استيراد العديد من السلع من الخارج، وخاصة بعد أن فشلت المشاريع العملاقة مثل حفر قناة السويس في تغطية مصاريف حفرها، أو القدره علي توفير أي مبالغ مالية للخزانة العامة لتوفير النفقات المتتالية والأثار السلبية لموجهه التضخم التي تشهدها البلاد بسبب تعويم الجنية المصري.
ولكن إدارة ترامب وحالها في هذا كحال إدارة نظيره السابق أوباما ليست على أي استعداد لدعم أي من حلفائها اقتصاديا من بعد الأزمة الاقتصادية الأخيرة لهذا تعتمد واشنطن سياسة خارجية غاية في القسوة تجاه حلفائها وهي أنه على الجميع أن يساير أوضاعه وأولوياته وفقا للأولوية الأمريكية .
وعلي الأرجح، لن يفوت الحديث حول أوضاع الحدود في سيناء وتوفير الامن الحدودي مع الكيان الصهيوني، وخاصة مع انفلات الوضع في سيناء، والأخبار المتداولة عن إنتشار عناصر من ما يسمي “الجيش الإسلامي الحر” في سيناء، وإطلاق الصواريخ باتجاه الأراضي المحتلة في إيلات وعسقلان من سيناء، وهو ما ستحاول إسرائيل الضغط عليه من أجل ان تنجح إدارة ترامب في الحصول من عبد الفتاح السيسي علي المزيد من التنسيق في سيناء.
مفتاح العلاقات الجديد
عبد الفتاح السيسي كان قد ناقش تلك النقاط مع رونالد لاودر، رئيس الكونجرس اليهودي أثناء وجوده في القاهرة يوم الأحد من الأسبوع الماضي، وناقش أيضا شكل العلاقة الجديدة مع الإدارة الأمريكية، التي تعتبر المنظمات الأمريكية الصهيونية اليهودية هي مفاتحها، وخاصة بعد اللقاءات المتكررة أيضا لمنظمة الإيباك الأمريكية وهي اللوبي الصهيوني الأمريكي الأقوى في واشنطن، والذي وقف كثيرا ضد الثورة المصرية بعد الإطاحة بحليفهم القوي حسني مبارك، وفوز إدارة مرسي بالانتخابات الرئاسية التي تدعم حركة حماس في قطاع غزة، في مواجهه إسرائيل والخصم الفلسطيني حركة فتح .
ومن بعد 3 يوليو لم تجد الإدارة المصرية في أمريكا حليف غير تلك المنظمات اليهودية والتي تعمل علي توفير بيئة أمنه لإسرائيل في المنطقة العربية أو تقديم الدعم السياسي للدولة المحتلة في أمريكا وفي بقيه دول العالم كنوع من أنواع الضغط السياسي.
وفضلا عن ذلك يظل البنتاجون هو الجناح الباقي الدعم لسلطه الجنرالات في القاهرة، عبر علاقات ممتده منذ السبعينات بين وزارتي الدفاع في كلا البلدين.
ومع ذلك فقد فقدت الإدارة المصرية الكثير من الدعم خلال فترة إدارة أوباما ومن بينها إدارة الأمن القومي و وزارة الخارجية الأمريكية، وهو ما يتوقع أن يكون هناك إعتدال مؤقت في العلاقات حاليا.
الملفات المنسية
في الأغلب الأعم لن تقوم إدارة ترامب بفتح ملف انتهاك حقوق الإنسان في مصر، بعد أن كان هو عنوان أي حديث بين إدارة أوباما و عبد الفتاح السيسي، بسبب ملاحقة نشطاء مصريين و الاعتقالات المتمادية بحق جماعة الإخوان المسلمين التي كانت تصنفها إدارة أوباما جماعة معتدله .
ورغم أن هناك العديد من المصريين من حاملي الجنسية الأمريكية في السجون إلا أن إدارة ترامب في الأغلب ستتجاهل هذا حرصا علي علاقتها مع الشريك الجديد في الشرق الأوسط.
إدارة أوباما كانت قد ساهمت في الضغط من أجل الإفراج عن كلا من الصحفي الأسترالي ” بيتر جريست ” و المصري الأمريكي محمد صلاح سلطان، ليعلن عبد الفتاح السيسي الإفراج عنهم بقانون خاص لترحيل الأجانب المتهمين في قضايا .
المصريين في أمريكا
النشطاء المصريين المعارضون والحقوقيون في أمريكا قد بدأوا الاستعداد لمواجهه عبد الفتاح السيسي في أمريكا، فقد دشنوا حملة إلكترونية تحت شعار الحرية أولا Freedom First للتركيز علي ملف المعتقلين في السجون المصرين وخاصة النشطاء المصريين من القوي السياسية المدنية والعديد من الطلاب الأخرين في سجون ما بعد يوليو 2013.
كما يعتزم النشطاء تنظيم تظاهرات أمام البيت الأبيض والكونجرس الأمريكي والسفارة المصرية ومقر إقامة وإجتماعات عبد الفتاح السيسي في أمريكا، لفتح مجالات الحريات في مصر، والذي سيتجاهله ترامب بالمرة .
تقييم
من المحتمل جدا أن ترامب سيتوافق مع السيسي في مسعاه لما يحمله الأول من عداء واضح لكل ما يحمل الصبغة الإسلامية ولأسباب تتعلق بتواجد تنظيم داعش في المنطقة،
لكن أمريكا ليست مصر فهناك الكونجرس وهناك المجتمع المدني والرأي العام فكل ما يصدره ترامب من قرارات سيعبر خلال هذه الفلاتر وسيكون القرار الأخير متوافقا تماما مع ما اعتادته السياسة الأمريكية من نهجها في السنوات الأخيرة تجاه الشرق الأوسط.