السبت , أكتوبر 11 2025
الرئيسية / مقالات / “مضايا” التي جاعت في بلاد المسلمين بقلم: د. فتحي أبو الورد

“مضايا” التي جاعت في بلاد المسلمين بقلم: د. فتحي أبو الورد

لم تتوقف مشاهد المعاناة الصادرة من “مضايا” على هيئة هياكل بشرية، ولا نعلم متى تتوقف، رغم جهود الإغاثة التي بدأت أخيرا، ولا نعلم أيضا إلى متى ستستمر؟

لن أتحدث باسم الإنسانية، فقد ماتت الإنسانية يوم مات أطفال وشيوخ ونساء “مضايا” جوعا، ومات ضمير المجتمع الدولي حين أعلنت منظمة أطباء بلا حدود عن وفاة 23 شخصا جوعا ولم يتحرك، وحين سمح بتجويع 40 ألف نسمة على مدار سبعة أشهر حتى أصبحت هياكل بشرية، وحين أجبر نقص الغذاء السكان على أكل القطط والحشائش والنفايات أمام أنظار المجتمع الدولي، فما حدث في “مضايا” فاق كل عقل، حتى وصفته بعض التقارير بأنه كابوس لم يشهده مكان آخر بالعالم.

لقد انتفض الضمير العالمى حين عزمت طالبان في نهاية القرن الماضى على تدمير الأصنام البوذية على أرضها – مع اعتراضنا على ذلك لأسباب تعود إلى المفاسد المترتبة على ذلك – أما أرواح أهل مضايا فإن الضمير العالمى إزاءها في غيبوبة.. فهل يمكن أن نخاطب المؤسسات الدولية والأمم المتحدة بأن يعتبروا البشر في مضايا، لهم حقوق الحماية والدفاع، مثل أصنام البوذيين لعلهم يقتنعون بحقهم في الحياة والإغاثة، فيتحركوا ليمنعوا مزيدا من فصول المأساة؟

لقد نظمت مؤسسات ونشطاء من جنسيات مختلفة في العالم احتجاجات ومظاهرات من أجل حقوق الحيوان، منها حقه في الحياة، والغذاء، وتجنب القسوة عليه، ومعاملته معاملة لائقة – وهو حق نتبناه – فهل يمكن للسادة النشطاء أن ترتفع عقيرتهم، وينادوا بحقوق مماثلة لبشر يعيشون في ” مضايا “.

ورد في الإعلان العالمي لحقوق الحيوان الصادر في لندن عام 1970، في المادة ( 12) أن: كل فعل أو عمل يؤدى إلى موت جماعي للحيوانات البرية يعتبر جريمة ضد جنس الحيوانات. فهل سيعدون الموت الجماعى جوعا وحصارا في ” مضايا ” جريمة ضد جنس الإنسان؟

لم أكن أتصور أن حصار المسلمين في شعب أبى طالب، وتضييق المشركين عليهم، حتى أكلوا ورق الشجر، وحتى تقرحت أشداقهم من خشونة ورق الأشجار، لم أكن أتصور أن ما حدث في الجاهلية سيتكرر في القرن الحادى والعشرين في ظل الأمم المتحدة، والاتفاقيات الدولية، والمنظمات الحقوقية التي تستطيع أن تمنع ذلك، بل وتعاقب عليه – إن هى أرادت – ولكنه للأسف حدث على نطاق أوسع، وبطريقة أبشع في مأساة ” مضايا “، أمام أنظار العالم المتحضر المتمدن، حتى قال أحد السياسيين البريطانيين المتضامنين مع “مضايا ” : إذا لم تكن طائراتنا قادرة على إسقاط مساعدات لمضايا فما الفائدة من امتلاكنا لسلاح الجو؟

لقد كان حصار المسلمين في شعب أبى طالب في الجاهلية سبة في جبين الإنسانية، حين تناول الحقوقيون الحديث عن حقوق الإنسان، فماذا عساهم أن يصفوا حصار مضايا وأخواتها في القرن الحادى والعشرين ؟

أما عن المجتمع العربى والإسلامى، فكيف يسمح بتجويع وحصار أهالى مضايا المدنيين ؟ وهل هذا أمر يقبل الانتظار ؟

لقد أمر عمر بن عبد العزيز بنثر الحبوب على رؤوس الجبال ؛ لكى تأكل الطير منه وتشبع، وعلل لصنيعه ذلك بقوله : حتى لا يقال إن الطير جاعت في بلاد المسلمين.
وقد أخبرنا النبى صلى الله عليه وسلم كما روى البخارى : أن ” امرأة دخلت النار في هرة ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض “. وأن رجلا ” سقى كلبا من عطش فشكر الله له، فغفر له “، حتى تساءل الصحابة فقالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرا؟ قال: ” في كل كبد رطبة أجر”.

وقد حكى شهود عيان أنهم رأوا أطفالا يرجفون من سوء التغذية، وكبارا يقول أغلبهم : إنهم لم يذوقوا طعم الخبز أو الأرز أو الخضراوات والفواكه منذ شهور.

وقد بلغ سعر الكيلو جرام من الأرز ثلاثمائة دولارا، وباع أحد السكان دراجته النارية مقابل خمسة كيلوجرامات من الأرز. فهل يتحرك المسلمون -حكاما وشعوبا- لتوفير الغذاء لهم، ويتداركون تفاقم المأساة حتى لا يقال: إن أهل مضايا ماتوا جوعا في بلاد المسلمين.

 

شاهد أيضاً

نظرات في الإسراء والمعراج.. للإمام الشهيد حسن البنا

نحمد الله تبارك وتعالى، ونُصلي ونسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *