الخميس , أكتوبر 9 2025
الرئيسية / إسلاميات / الأخوة،،، مواقف من السيرة و التاريخ

الأخوة،،، مواقف من السيرة و التاريخ

الافتتاحية: آل عمران:102-103

قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ ، وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ، وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ : إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً ، فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ ، فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً، وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها، كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾

يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله” يوجه الله عز وجل الجماعة المسلمة إلى القاعدتين الأساسيتين اللتين تقوم عليهما حياتها ومنهجها، واللتين لا بد منهما لكي تستطيع أن تضطلع بالأمانة الضخمة التي ناطها اللّه بها، وأخرجها للوجود من أجلها .. هاتان القاعدتان المتلازمتان هما: الإيمان، والأخوة ..الإيمان باللّه وتقواه ومراقبته في كل لحظة من لحظات الحياة، والأخوة في اللّه، تلك التي تجعل من الجماعة المسلمة بنية حية قوية صامدة، قادرة على أداء دورها العظيم في الحياة البشرية، وفي التاريخ الإنساني : دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الحياة على أساس المعروف وتطهيرها من لوثة المنكر. ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ ﴾ ..اتقوا اللّه-كما يحق له أن يتقى- وهي هكذا بدون تحديد تدع القلب مجتهدا في بلوغها كما يتصورها وكما يطيقها، وكلما أوغل القلب في هذا الطريق تكشفت له آفاق، وجدّت له أشواق، وكلما اقترب بتقواه من اللّه، تيقظ شوقه إلى مقام أرفع مما بلغ، وإلى مرتبة وراء ما ارتقى، وتطلع إلى المقام الذي يستيقظ فيه قلبه فلا ينام! ﴿وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾،،والموت غيب لا يدري إنسان متى يدركه، فمن أراد ألا يموت إلا مسلما فسبيله أن يكون منذ اللحظة مسلما، وأن يكون في كل لحظة مسلما.

هذه هي الركيزة الأولى التي تقوم عليها الجماعة المسلمة لتحقق وجودها وتؤدي دورها، فأما الركيزة الثانية فهي ركيزة الأخوة ،، الأخوة في اللّه، على منهج اللّه، لتحقيق منهج اللّه ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا، وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً، فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ، فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً، وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها، كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾..فهي أخوة إذن تنبثق من التقوى والإسلام.. من الركيزة الأولى.. أساسها الاعتصام بحبل اللّه- أي عهده ونهجه ودينه- وليست مجرد تجمع على أي تصور آخر، ولا على أي هدف آخر، ولا بواسطة حبل آخر من حبال الجاهلية الكثيرة! ]وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ﴾ ،، هذه الأخوة المعتصمة بحبل اللّه نعمة يمتن اللّه بها على الجماعة المسلمة الأولى، وهي نعمة يهبها اللّه لمن يحبهم من عباده دائما، وهو هنا يذكرهم هذه النعمة، يذكرهم كيف كانوا في الجاهلية «أَعْداءً» ،، وما كان أعدى من الأوس والخزرج في المدينة أحد، وهما الحيان العربيان في يثرب، يجاورهما اليهود الذين كانوا يوقدون حول هذه العداوة وينفخون في نارها حتى تأكل روابط الحيين جميعا، فألف اللّه بين قلوب الحيين من العرب بالإسلام .. وما كان إلا الإسلام وحده يجمع هذه القلوب المتنافرة، وما كان إلا حبل اللّه الذي يعتصم به الجميع فيصبحون بنعمة اللّه إخوانا، وما يمكن أن يجمع القلوب إلا أخوة في اللّه، تصغر إلى جانبها الأحقاد التاريخية، والثارات القبلية، والأطماع الشخصية والرايات العنصرية، ويتجمع الصف تحت لواء اللّه الكبير المتعال. ويذكرهم كذلك نعمته عليهم في إنقاذهم من النار التي كانوا على وشك أن يقعوا فيها، ﴿وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها﴾، ثم يختم الآيات بقوله تعالي ﴿كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾، وكذلك بين اللّه لهم فاهتدوا.

وقد ذكر محمد بن إسحاق في السيرة وغيره أن هذه الآية نزلت في شأن الأوس والخزرج، وذلك أن رجلا من اليهود مر بملأ من الأوس والخزرج ، فساءه ما هم عليه من الاتفاق والألفة ، فبعث رجلا معه ، وأمره أن يجلس بينهم ، ويذكر لهم ما كان من حروبهم يوم «بعاث»! و تلك الحروب، ففعل، فلم يزل ذلك دأبه حتى حميت نفوس القوم ، وغضب بعضهم على بعض ، وتثاوروا ، ونادوا بشعارهم، وطلبوا أسلحتهم، وتوعدوا إلى «الحرّة» ،، فبلغ ذلك النبي – صلى اللّه عليه وسلم – فأتاهم ، فجعل يسكنهم ، ويقول : «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم» وتلا عليهم هذه الآية ، فندموا على ما كان منهم ، واصطلحوا وتعانقوا وألقوا السلاح رضي اللّه عنهم(في ظلال القرآن بتصرف)،

دروس مستفادة من الآيات:

  • الإيمان والأخوة ركيزتان أساسيتان في بناء الجماعة المسلمة
  • أخوة الإيمان هي الآصرة التى تجمع المسلمين جميعا في كل بقاع الأرض
  • اذكر دروسا أخرى

 

 

مواقف من السيرة وحياة الصحابة رضوان الله عليهم:

فهم الصحابة رضوان الله عليهم الأخوة في الله فهماً صحيحاً دقيقاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحابُّوا”، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ ” وذكر منهم ” وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ” رواه الشيخان، وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” ما تحاب اثنان في الله إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه ” صحيح ابن حبان، وروى الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  “لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ” إلى غير ذلك من الأحاديث الشريفة التي تحث على الاخوة في الله، ومن المواقف التي يذكرها لنا التاريخ في ذلك:

1 – لا أخوة بلا تناصح:

فالأخ ينصح أخوه ويعينه على السير في الطريق الصحيح فعن أبي جحيفة عن أبيه قال : آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء  فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذِّلة (قبل نزول الحجاب) فقال لها : ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً، فقال له : كل فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم، فنام، ثم ذهب يقوم، فقال نم، فلما كان من آخر الليل قال سلمان قم الآن، فصلَّيا، فقال له سلمان : إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم “صدق سلمان ” (رواه البخاري) فهنا أقر النبي صلى الله عليه وسلم سلمان على نصحه لأبي الدرداء رضي الله عنهم أجمعين، والشاهد في هذا الموقف أن سلمان الفارسي رضي الله عنه فرغ من وقته يوماً وليلة؛ ليعلم أخاه درساً ينفعه؛ ليحافظ على بيته، ولنأخذ العبرة من ذلك بأنه قد يوقف الإنسان أشغاله، وحياته، ونظامه، كله من أجل أن يحافظ علي بيت أخيه، أما أن يرى الأخ أو يسمع بمشاكل طاحنة في بيت أخيه وحياته لا تسير بصورة طبيعية، ثم لا يتدخل لحلها فليست بأخوة، فالأخوة مسئولية، ولذلك لو اضطررت لأن تقطع حياتك يوماً وليلة من أجل أن تسافر إلى أخيك، أو تدخل مع أخيك في قضية من القضايا تحلها له فافعل،

2 – كن عوناً لأخيك ولا تكن عالة عليه:

فهذا سعد بن الربيع رضي الله عنه بعد أن آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، يقول له: ” إن لي مالا فهو بيني وبينك شَطران، ولي امرأتان، فانظر أيهما أحب إليك فأنا أطلقها فإذا حَلَّت – أي بعد العدة – فتزوجها”، فقال له عبد الرحمن رضي الله عنه: ” بارك الله لك في أهلك، ومالك دلوني أي على السوق فلم يرجع حتى رجع بسمن وأقط” (رواه النسائي من حديث أنس رضي الله عنه) ، والشاهد في الموقف هنا أن سيدنا عبد الرحمن بن عوف لما عرض عليه هذه الأشياء عن طيب نفس من أخيه سعد بن الربيع رضي الله عنهما فلم يقبلها فهو يفهم الأخوة في الله على أنها إعانة وليست إعالة، فلذلك قال : ” دلوني على السوق ” أي أعني .

3 – ويؤثرون على أنفسهم  : 

في معركة اليرموك عندما استشهد عكرمة وسهيل بن عمرو ، والحارث بن هشام ، فأتوا بماء وهم صرعي في النزع الأخير ، ولكنهم تدافعوا : كلما دفع إلي رجل منهم قال : اسق فلانا حتى ماتوا وهم لا يشربونه ، فقد طلب عكرمة الماء ورأي سهيلا ينظر إليه فقال : ادفعوا إلي سهيل ، ورأي سهيل الحارث ينظر إليه فقال : ادفعوا إلي الحارث ، فلم يصل إليه حتى ماتوا ، وإن هذا الإخاء ، وهذا الحب في الله كفيل أن يتغلب علي صعاب الحياة ، وينتصر علي مشاكل العيش ، ويهنأ الناس به أفرادا ، ويسعدون به جماعات ،(الأخوة والحب في الله : تأليف حسني أدهم جرار)

4 – لنا في الأشعريِّين القدوة:

من النماذج المشرفة في صدق الأخوة ما كان بين الأشعريِّين – قوم أبي موسى الأشعري رضي الله عنه- صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعنه رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” إن الْأَشْعَرِيِّينَ إذا أَرْمَلُوا – فرغ زادهم أو قارب الفراغ – فِي الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقْتَسَمُوهُ بينهم فِي إناء واحد بالسَّوِيَّة فهم مني وأنَا منهم ” رواه الشيخان

5 – أخي أحوج مني:

قال ابن عمرو رضي الله عنهما: أُهدي لرجل من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم رأس شاة، فقال: أخي فلان أحوج مني إليه،، فبعثه ذلك الإنسان إلي آخر، فلم يزل يبعث به واحد إلي آخر حتى رجع إلي الأول بعد أن تداوله سبعة.

6 – الضيف الغالي:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أصابني الجهد فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “ألا رجل يضيف هذا الليلة رحمه الله” فقام رجل من الأنصار فقال أنا يا رسول الله فذهب إلى أهله فقال لامرأته هذا ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخريه شيئا فقالت والله ما عندي إلا قوت الصبية قال فإذا أراد الصبية العشاء فنوميهم وتعالي فأطفئ السراج ونطوي بطوننا الليلة ففعلت ثم غدا الرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال “لقد عجب الله عز وجل – أو ضحك – من فلان وفلانة” وأنزل الله تعالى]ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة [(رواه البخاري)، ” فكان ذلك أمراً عظيماً من هذا الصحابي، ولمن؟ لشخص لا يعرفه وأصابه الجهد، وهذا هو مفهوم الأخوة عند الصحابة، وليس مهماً أن تعرف الإنسان، بل المهم أن هذا الإنسان مؤمن بالله عز وجل ” (كن صحابياً للدكتور راغب السرجاني)

مواقف من السلف الصالح:

وعلى هذا الدرب صار السلف الصالح رضوان الله عليهم ” فهذا أبو قلابة – عبد الله بن زيد الجرمي – يقول: التمس لأخيك العذر بجهدك فإن لم تجد له عذرا فقل لعل لأخي عذرا لا أعلمه ” (مداراة الناس لابن أبي الدنيا) ، ” ويقول الإمام الحسن البصري– رحمه الله – : إخواننا أحب إلينا من أهلينا وأولادنا، لأن أهلينا يذكرونا الدنيا، وإخواننا يذكرونا الآخرة “(قوت القلوب لأبي طالب المكي) ، ” وقال محمد بن واسع– رحمه الله – : لا خير في صحبة الأصحاب ومحادثة الإخوان، إذا كانوا عبيد بطونهم “(حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني)، ” وكان من السلف من يتفقد عيال أخيه وأولاده بعد موته أربعين سنة يقوم بحاجتهم ويتردد كل يوم إليهم ويمونهم من ماله فكانوا لا يفقدون من أبيهم إلا عينه .. ” (الأخوة والحب في الله : تأليف حسني أدهم جرار) ، ومن المواقف العملية للأخوة في الله للسلف الصالح :

1 – هيا نتغافر:

ضرب ابن السماك الزاهد المثل في ذلك حينما قال له صديق ” الميعاد بيني وبينك غدا نتعاتب “، فقال له ابن السماك رحمه الله تعالي : ” بل الميعاد بيني وبينك غدا نتغافر ” وهو جواب يأخذ بمجامع القلوب, ويشير إلي وجود قلب وراء هذا اللسان يلذعه واقع المسلمين وتؤلمه أسباب تفرقهم ، وكذلك يكون استدراك العاقل هفوات اللسان, فلماذا التعاتب المكفهر بين الأخوة، كأن كلا منهم يطلب من صاحبه أن يكون معصوما، أليس التغافر أولي وأطهر وأبرد للقلب؟ أليس جمال الحياة أن تقول لأخيك كلما صافحته ” رب اغفر لي ولأخي هذا ” ثم تضمر في قلبك أنك قد غفرت له تقصيره تجاهك(الأخوة والحب في الله: تأليف حسني أدهم جرار).

2 – معاني نفيسة:

قال أبو سليمان الداراني: ” إني لألقم اللقمة أخاً من إخواني فأجد طعمها في حلقي ” (إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي)، وروي أن ” مسروقا ” أدان دينا ثقيلا، وكان علي أخيه خيثمة دين فذهب مسروق فقضي دين خيثمة وهو لا يعلم، وذهب خيثمة فقضي دين مسروق وهو لا يعلم ،(إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي)

مواقف في العصر الحديث:

جّعل الإمام البنا رحمه الله ” الأخوة ” أحد أركان البيعة العشرة وفسّرها بقوله: ” وأريد بالأخوّة: أن ترتبط القلوب والأرواح برباط العقيدة ، والعقيدة أوثق الروابط وأعلاها ، والأخوة أخت الإيمان ، والتفرق أخو الكفر ، وأول القوة، قوة الوحدة ، ولا وحدة بغير حب ، وأقل الحب سلامة الصدر ، وأعلاه مرتبة الإيثار ، والأخ الصادق يري إخوانه أولي بنفسه لأنه إن لم يكن بهم فلن يكون بغيرهم ، وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره ، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ، ]وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [ وهكذا يجب أن نكون ،

وكان رحمه الله يقول : ” دعوتنا تقوم علي أركان ثلاثة : الفهم الدقيق ، والإيمان العميق ، والحب الوثيق ” ، ويقول : ” إن الإسلام عقيدة وجنسية ، ليست جنسية الدم والأرض ، ولكنها جنسية الأخوة والروح ، وهي أقوى وأفضل ” ،، أما الأستاذ سيد قطب رحمه الله فإنه يعتبر الأخوة من مستلزمات الإيمان ،، فيقول: ” هاتان القاعدتان المتلازمتان هما الإيمان والأخوة فالإيمان بالله وتقواه ومراقبته في كل لحظة من لحظات الحياة، والأخوة في الله، تلك التي تجعل في الجماعة المسلمة بنية حية قوية صامدة قادرة علي أداء دورها العظيم في الحياة البشرية ، وفي التاريخ الإنساني، ولابدّ منها للجماعة المسلمة كي تستطيع أن تضطلع بالأمانة الضخمة التي أناطها الله تعالي بها، وأخرجها للوجود من أجلها ” (في ظلال القرآن)، ولقد سمّيت جماعة ” الإخوان المسلمون ” بهذا الاسم إشارة إلي أن نقطة البداية في العمل الإسلامي هي ” الإخاء علي أساس الإسلام ” ، ومن مواقف الإخوان المسلمين في ذلك :

1 –البنا معلماً:

الإمام الشهيد حسن البنا الذي امتثل معنى الأخوة في الله عملياً يقول الأستاذ عباس السيسي: عاش حسن البنا في قلوبنا، كأخ وأب، يعود مريضنا، ويسأل عن غائبنا، ويعاون في حل مشكلاتنا .. يؤلف بين قلوبنا برحلات تربط القريب بالبعيد، ويباعد بيننا وبين الخصومة، حتى لا تعوق سبيلنا إلي القلوب، ذهب مرة لزيارة إخوان السويس، ولما وصل المحطة نزل من القطار فوجد الإخوان متجمعين في انتظاره فعانقهم، ولاحظ أن واحداً منهم كان يقف وحده بعيداً، فاقترب منه فرأي علي وجهه أثر الحزن، فترك الإخوان وانتحى بي جانبا وسأله عما يحزنه ،، فقال له: إن الذي يحزنني أمر خطير، وإني قد ضقت ذرعا بالحياة، وسدت أمامي الطرق، وأحاط بي اليأس من كل جانب ،، ولما كنت أعلم بقدومك اليوم جئت انتظرك لأعرض عليك مصيبتي لعلك تعينني فيها ،، فابتسم رحمه الله ، وقال له هيا بنا إلي البيت ،، واستأذن من الإخوان، وذهب مع الأخ إلي بيته وبقي معه حتى حُلّت مشكلته ، (الأخوة والحب في الله : تأليف حسني أدهم جرار)

2- جنسية الأخوة والروح:

يقول الدكتور مصطفي السباعي رحمه الله أنه عندما زار أوروبا للعلاج مما أصابه في سنواته الأخيرة من الشلل، فما يكاد ينزل من الطائرة في بلد إلا وجد شبابا من مختلف الجنسيات ينتظرونه، وقد هيأوا له كل ما يريد، وفوق ما يريد ،، ويقول : والله ما أعرف منهم أحداً، ولا لقيتهم ولا لقوني من قبل، ولكنها أخوة العقيدة، ورابطة الدعوة، جعلتني أشعر كأنهم إخواني وأصدقائي منذ سنين طويلة ،(المرجع السابق)

3– عتاب واجب:

كان الحاج لاشين أبو شنب يعتب كثيراً على مسئولي العمل الإخوان بالمناطق والشعب لقلة اهتمامهم – أحياناً – ببعض المسائل التي يراها ضرورة وفريضة في دعوتنا وهي ما أطلق عليه العبادات الاجتماعية، مشاركة الإخوان بعضهم لبعض في الأفراح والأتراح وتكافلهم في ذلك ورعايتهم حقوق التآخي في الله والاهتمام بأمر بعضنا البعض، ولا يكتفي بأن يكون ذلك قاصراً على الإخوان بعضهم مع بعض، وإنما كان يندبهم ندباً ويحثهم حثاً لأن يتشاركوا بهذه العبادة مع كل المجتمع، فهذا صلب رسالة الإخوان المسلمين وما تحتويه من معاني الرحمة والمودة، (كلمة من صفحة الفيس بوك للأستاذ الدفراوي ناصف بمناسبة ذكرى وفاة الحاج لاشين أبو شنب)

4 – سجن وأخوة:

كان فضيلة الأستاذ محمد حامد أبو النصر عضو مكتب الإرشاد عام 1954م.. وكان من أعيان الصعيد .. وكان أهله يأتونه بزيارات كثيرة في السجن ويحضرون له الملابس والأطعمة.. فلا يأخذ من زيارات أهله ويبقيها كلها للإخوان، ولم يكن ينتفع بها كأحد الإخوان وكان يكتفي بأكل السجن وملابسه.. وهكذا كان الشهيد كمال السنانيري يأتيه من أهله الكثير فيعطيه للإخوان،

” لقد كانت هذه الأخوة أوثق ما تكون، وأشد ما كانت قوة وفتوة، في أيام المحن وساعات الشدائد والفتن، التي تمتحن فيها العلاقات، ويعرف فيها الحب المخلص من المداهن الكاذب.. ولقد أبرزت محن الإخوان المتلاحقة من ذلك العجب العجاب، فكم من رجال أكلت السياط من لحومهم حتى شبعت، وشربت من دمائهم حتى ارتوت، وهم صامتون لا يريدون أن يدلّوا علي إخوان لهم، وربما أدي طول صمتهم إلي أن فاضت أرواحهم في زنازين العذاب، راضية قلوبهم، حتى لا يؤذوا إخوانهم بسبب كلامهم ..وكم من شباب حملوا أنفسهم فوق ما يطيقون من العذاب ليبرئوا ساحة غيرهم، ممن يعلمون أنه أكثر عيالاً، أو أقل احتمالاً وكم من شباب كانوا خارج الاعتقال معافين لا يعرف عنهم أحد شيئا، عزّ عليهم أن يتخلوا عن أسر إخوانهم بعد اعتقالهم، فنظموا شبكة منهم لجمع تبرعات واشتراكات، لإرسال معونات دورية إلي تلك البيوت التي فقدت عائلها، فافتقرت بعد غني، وذلت بعد عز ، وبهذا عرّضوا أنفسهم للملاحقة فالاعتقال فالتعذيب فالمحاكمة، فالسجن المؤبد والمؤقت مع الأشغال .. ولم يمنع علي هؤلاء أن يظهر غيرهم من بعدهم، فلم يكن سائغا بحال في منطق الإخوان أن يتخلى الأخ عن أولاد أخيه في محنته، وليكن ما يكون .. ولقد لاحظ أحد الصحافيين مدي الترابط الإخواني فقال في ذلك كلمة مشهورة : هؤلاء هم الجماعة الذين إذا عطس احدهم في الإسكندرية قال له من في أسوان : يرحمك الله ! لقد أزالت التربية الإخوانية كل الحواجز ، وأسقطت كل الفوارق ، التي تفصل بين الناس ، قومية أو وطنية أو لغوية أو لونية أو طبقية ، ولم يبق إلا أخوة الإسلام، ونسب الإسلام، (الأخوة والحب في الله : تأليف حسني أدهم جرار)

لقد كان هذا حال الكثير من الإخوان المسلمين حتى أن أحدهم وصف هذا فقال إن الجو الإخواني بالنسبة للأخ كالماء بالنسبة للسمك، والأخ الذي تبحث عنه ليعينك إنما يبحث عنك لتعينه، فمثل الأخوين إذا التقيا كمثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى، كذلك الإخوان في الله، في كل منهما عيوب تزول بالتذكير والتنبيه والتناصح والتواصي بالحق .. يقول الأستاذ محمد أحمد الراشد في كتاب ” العوائق : ” ما برح مقدار إدراك معنى الاخوة يميز  ويفاضل بين الدعاة، ولن يرتقى داعية إلى أوج الوعي إلا إذا اعتبر إبراز خلق الأخوة الإيمانية وتعليم موازين الإخاء هدفاً أساسياً من بين أهداف الدعوة الإسلامية وإلا إذا أدرك أن إحلال هذا الخلق في التعامل الواقعي بين المسلمين ،وتجسيده في صورة جماعة عمل متآخية يُخول الدعوة ادعاء النجاح ويمنحها لوحدهُ مبرر الوجود حتى ولو لم تصب سرعة التأثير ،أو صد عنها جمهور سذج الناس صدوداً ”

توجيهات للقائد الثوري:

  • الأخوة لازمة في كل الأوقات وهي في أوقات الشدة ألزم،
  • احرص على أن تعيش الإخوة مع إخوانك واقعاً عملياً،

الأهداف الإجرائية:

  • أن يوضح المتعلم أن الإيمان والأخوة هما الركيزتان اللتان قامتا عليهما الجماعة المسلمة الأولي
  • أن يعيش المتعلم بوجدانه نماذج مختلفة من الأخوة للصحابة الكرام
  • أن يوضح المتعلم نماذج من الأخوة في السلف الصالح
  • أن يعدد المتعلم نماذج من الأخوة في العصر الحديث

 

شاهد أيضاً

وفي الصوم زاد.. من تراث الأستاذ مصطفى مشهور رحمه الله

يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *