الافتتاحية: الآيتان 32-33 من سورة الفرقان
قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32) وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾ (الفرقان: 32-33).
بين الله تعالى حكمته من تنزيل القرآن منجماً على ثلاث وعشرين سنة و عدم إنزاله جملة واحدة مثل الكتب السابقة فقال لرسوله الكريم: ﴿كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ﴾ أي إِنما أنزلناه كذلك “لنُقَوِّي به قلبَك فتزداد بصيرة، وذلك أنه كان يأتيه الوحي في كل أمر وحادثة، فكان أقوى لقلبه وأنور لبصيرته وأبعد لاستيحاشه” (ابن الجوزي، زاد المسير فى علم التفسير) ومن حكمة إنزاله منجماً كذلك: “لتثبيت فؤاد محمد صلّى الله عليه وسلّم، وليحفظه لكونه أميا، وليتطابق مع الأسباب المؤقتة، فيكون ذلك أدعى للإيمان به، ولدفع الحرج عن المكلفين بتكليفهم بجملة أحكام في زمن واحد، ولمراعاة مبدأ التدرج في التشريع والتناسب مع مقتضيات التربية، والانتقال من حال سيئة إلى حال أحسن بتهيئة الظروف والأجواء، وجعله مرتلا شيئا فشيئا، والترتيل: التفريق بين الشيء المتتابع”( وهبة الزحيلى، التفسير الوسيط).
إنه منهج فى التربية ومواجهة الحوادث وتغيير الواقع. “لقد جاء هذا القرآن ليربي أمة، وينشىء مجتمعاً، ويقيم نظاماً. والتربية تحتاج إلى زمن وإلى تأثر وانفعال بالكلمة، وإلى حركة تترجم التأثر والانفعال إلى واقع. والنفس البشرية لا تتحول تحولاً كاملاً شاملاً بين يوم وليلة بقراءة كتاب كامل شامل للمنهج الجديد. إنما تتأثر يوماً بعد يوم بطرف من هذا المنهج وتتدرج في مراقيه رويداً رويداً، وتعتاد على حمل تكاليفه شيئاً فشيئاً، فلا تجفل منه كما تجفل لو قدم لها ضخماً ثقيلاً عسيراً. وهي تنمو في كل يوم بالوجبة المغذية فتصبح في اليوم التالي أكثر استعداداً للانتفاع بالوجبة التالية، وأشد قابلية لها والتذاذاً بها.
ولقد جاء القرآن بمنهاج كامل شامل للحياة كلها. وجاء في الوقت ذاته بمنهاج للتربية يوافق الفطرة البشرية عن علم بها من خالقها. فجاء لذلك منجماً وفق الحاجات الحية للجماعة المسلمة، وهي في طريق نشأتها ونموها، ووفق استعدادها الذي ينمو يوماً بعد يوم في ظل المنهج التربوي الإلهي الدقيق. جاء ليكون منهج تربية ومنهاج حياة لا ليكون كتاب ثقافة يقرأ لمجرد اللذة أو لمجرد المعرفة. جاء لينفذ حرفاً حرفاً وكلمة كلمة، وتكليفاً تكليفاً. جاء لتكون آياته هي «الأوامر اليومية» التي يتلقاها المسلمون في حينها ليعملوا بها فور تلقيها، كما يتلقى الجندي في ثكنته أو في الميدان «الأمر اليومي» مع التأثر والفهم والرغبة في التنفيذ ومع الانطباع والتكليف وفق ما يتلقاه.
من أجل هذا كله نزل القرآن مفصلاً. يبين أول ما يبين عن منهجه لقلب الرسول صلّى الله عليه وسلّم ويثبته على طريقه ويتتابع على مراحل الطريق رتلا بعد رتل، وجزءً بعد جزء: ﴿كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا﴾والترتيل هنا هو التتابع والتوالي وفق حكمة الله وعلمه بحاجات تلك القلوب واستعدادها للتلقي. ولقد حقق القرآن بمنهجه ذاك خوارق في تكييف تلك النفوس التي تلقته مرتلاً متتابعاً، وتأثرت به يوماً يوماً، وانطبعت به أثراً أثراً. فلما غفل المسلمون عن هذا المنهج، واتخذوا القرآن كتاب متاع للثقافة، وكتاب تعبد للتلاوة، فحسب، لا منهج تربية للانطباع والتكيف ومنهج حياة للعمل والتنفيذ. لم ينتفعوا من القرآن بشيء، لأنهم خرجوا عن منهجه الذي رسمه العليم الخبير”(سيد قطب، فى ظلال القرآن).
دروس مستفادة من الآيتين الكريمتين:
- من حكم نزول القرآن منجماً على ثلاث وعشرين سنة تثبيت قلب الرسول صلى الله عليه وسلم فى مواجهة الباطل.
- الارتباط بالقرآن الكريم ومعايشته تلاوة وتدبراً وتعلماً وتعليماً وتطبيقاً ودعوة من أكبر عوامل تثبيت القلب عن الشدائد.
- …………………………………………………………………………………أذكر دروساً أخرى.
أولاً: مفهوم الثبات:
- فى اللغة: الثَبات: مصدر من الفعل ثبَتَ سواء ثبَتَ على أو ثبَتَ في: ” والثَّبَاتُ عَلَى الرَّأْيِ يعنى الاسْتِمْرَارُ فِيهِ، والثَّبَاتُ فِي الْمَكَانِ يعنى الاِسْتِقْرَارُ فِيهِ، وثبات المفاهيم يعنى دوامها وبقاؤها، وثبت الخَبَرُ يعنى تَأكَّدَ وتَحَقَّقَ، و ثَبَتَ عَلَى الْمُطَالَبَةِ بِحَقِّهِ : دَاوَمَ وَوَاظَبَ عَلَى ذلك، وثبَت على عمله : واظب عليه واستمرّ فيه ، وتمسَّك به”(معجم المعانى الجامع، بتصرف). “وثبَت البناءُ : رسخ واستقرّ: قال تعالى: ﴿كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ﴾ و ثبت العزمُ : دام ولم يفتُر . قال تعالى: ﴿فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا﴾(معجم اللغة العربية المعاصر، بتصرف).
- فى الاصطلاح: يعرف الثبات فى علم النفس بأنه: “قدرة النفس على الاحتفاظ بالنشاط الإراديّ الذي يتطلَّبه العمل الطويل”(معجم المعانى الجامع). والثبات فى التربية الإسلامية هو:”الدوام والاستقامة على الجادة ولزوم الصراط المستقيم من غير عوج ولا انحراف”(الراغب الأصفهانى) ويعنى: “الاستمرار في طريق الهداية، والالتزام بمقتضيات هذا الطريق، والمداومة على الخير، والسعي الدائم للاستزادة منه، ومهما فتر المرء، فإنه لا يقبل النزول عن مستوى معين، وإذا زلت قدمه أسرع إلى التوبة”(إسلام ويب، بتصرف). و الثبات عند الإمام البنا: “أن يظل الأخ عاملا مجاهدا في سبيل غايته مهما بعدت المدة وتطاولت السنوات والأعوام , حتى يلقى الله على ذلك وقد فاز بإحدى الحسنيين, فإما الغاية وإما الشهادة في النهاية”(مجموعة الرسائل).
ثانياً: من صور الثبات:
- الثبات على الطاعة: ومعناها المداومة على طاعة الله تعالى فى كل الأحوال، وهو معنى الاستقامة الذى قال عنه صلى الله عليه وسلم: شيبتني هود وأخواتها قالوا ما شيبك فيها يا رسول الله: قال: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾(هود:112). والثبات على الطاعة من الأمور الصعبة خاصة فى البيئات التى تنشر الرذيلة وتحارب الفضيلة، ويصبح الدين فيها مهاناً ومضطهداً يستخفى به أصحابه عن عيون الناس. ولعل هذا ما عناه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: «إن من ورائكم أيام الصبر، للمتمسك فيهنَّ يومئذٍ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم» (سلسلة الأحاديث الصحيحة).
- الثبات على المبادئ: خاصة فى الأوقات التي يكون إعلان التمسك بهذه المبادئ مغرماً؛ ومن الأمثلة الواضحة على ذلك ثبات جعفر بن أبى طالب رضى الله عنه أمام النجاشي وجهره بمبادئ الإسلام؛ رغم أن عمرو بن العاص كان يعتقد أن جهرهم بما يذكره القرآن عن عيسى بن مريم وأمه سيغضب النجاشي؛ فينزل بهم عقوبته، أو يدفعهم إلى عمرو يعود بهم إلى قريش يعذبونهم ويفتنونهم.
- الثبات فى الميدان: فى مواجهة العدو؛ وهو دأب الأنبياء وأتباعهم. قال تعالى:﴿وكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: 146-148).وعن ثبات الفئة المؤمنة مع طالوت عليه السلام يقول الحق سبحانه: ﴿وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ (البقرة: 250) وفرار المؤمن فرار انهزام أمام الكافر في ميدان القتال كبيرة من الكبائر. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ (الأنفال:15-16).
- الثبات فى مواجهة الفتن:
- فتنة المال: قال تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ ءَاتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ[75]فَلَمَّا ءَاتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾(التوبة: 76).والثبات في مواجهة فتنة المال يعنى ألا يكتسب المال إلا من الحلال الخالص، وألا ينفقه إلا في الحلال الخالص، وأن يخرج منه حق الله تعالى. وألا يؤخره حرصه على المال عن المكرمات.
- فتنة الجاه: قال تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾(الكهف: 28). قال صلى الله عليه وسلم: «مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ»(صحيح الجامع). والثبات في مواجهة فتنة الجاه يعنى عدم الاستعلاء بالجاه والحسب. قال صلى الله عليه وسلم: «من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه»(رواه مسلم) وكذلك عدم استغلال النفوذ فى تحصيل المصالح الشخصية، أو مجاملة الأقارب والأصحاب على حساب الحق والعدل.
- فتنة الزوجة والولد: قال تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ (الأنفال: 28) وقال تعالى:﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾(التغابن: 14). وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الولد مجبنة مبخلة محزنة»(صحيح الجامع). والثبات في مواجهة هذه الفتنة يعنى ألا ينشغل بزوجته وأولاده عن واجباته الأخرى، وأن يوازن بين حق الزوجة والأولاد وحق الدعوة إلى الله تعالى.
- فتنة الخير والشر: قال تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ (الأنبياء: 35). والثبات في هذه الفتنة يعنى أن الرخاء والشدة، والعسر واليسر، والغنى والفقر، والصحة والمرض، وغير ذلك لا يغير من أخلاق المؤمن واستقامته وعبادته لربه، ومعاملته للناس.
- فتنة الرأي: ويمثلها أوضح تمثيل ثبات الإمام أحمد في فتنة خلق القرآن. وثبات الإخوان في فتنة التكفير. والثبات في فتنة الرأى يعنى الالتزام بالسنة الصحيحة، وترك الجدل والمراء. قال صلى الله عليه وسلم: «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أورثوا الجدل»(رواه مسلم).
ثالثاً: أهم العوامل المعينة على الثبات:
- مداومة الذكر والدعاء: وطلب الثبات ممن يملكه؛ قال تعالى: ﴿يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء﴾ (إبراهيم: 27). وقال تعالى يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم﴿وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً * إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا﴾(الإسراء: 73-74). وتوضيحاً لأهمية ذكر الله فى تثبيت القلب وفلاح العبد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ﴾ (الأنفال: 45). وذكر الله تعالى من وسائل التثبيت لأنه يجلب الطمأنينة للقلب الوجل قال تعال: ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الرعد:28). ومن دعاء المؤمنين عند لقاء العدو: ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا﴾(البقرة: من الآية250). وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله كثيراً أن يثبت قلبه على الهدى وأن يثبته عند لقاء العدو. عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب ينقل التراب، وقد وارى التراب بياض بطنه, وهو يقول: «لولا أنت ما اهتدينا ،ولا تصدقنا ولا صلينا ،فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا، إن الألى قد بغوا علينا، إذا أرادوا فتنة أبينا»(رواه البخاري). وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من قلب إلا بين إصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أقامه وإن شاء أزاغه»( صححه الألباني في صحيح ابن ماجه برقم 165). وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك»(صححه الألباني في صحيح الجامع، 6/309).
- مداومة الطاعة والعمل الصالح: قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾ (النساء: 66). وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ (يونس: 9). وفي الحديث القدسي: «وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ»(رواه البخاري). ومن أحبه الله لا يتخلى عنه وقت الشدة؛ فيثبت قلبه و أقدامه ويقيمه المقام الذى يرضيه. ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يثابر على الأعمال الصالحة، وكان أحب العمل إليه «أدومه وإن قل» (رواه مسلم) . وكان أصحابه رضوان الله عليهم إذا عملوا عملاً أثبتوه أي داوموا عليه حتى يصبح عندهم من الثوابت. وكانت عائشة رضي الله عنها إذا عملت العمل لزمته.
- معايشة القرآن الكريم: تلاوة وتدبراً وتعلماً وتعليماً وتطبيقاً ودعوة: قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا﴾(الفرقان: 32).وقال تعالى: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ (النحل 102).
- مدارسة سير أهل الثبات: خاصة تلك التى قصها علينا القرآن الكريم أو وردت فى سنة النبى صلى الله عليه وسلم أو من سير الصحابة والتابعين رضى الله عنهم: قال تعالى: ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (هود : 120).
- مصاحبة القدوات فى الثبات:يقول الإمام ابن القيم رحمه الله عن دور شيخه ابن تيمية رحمه الله في تثبيته: “وكنا إذا اشتد بنا الخوف، وساءت بنا الظنون، وضاقت بنا الأرض أتيناه، فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه؛ فيذهب ذلك كله عنا، وينقلب انشراحاً وقوة ويقيناً وطمأنينة، فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه، وفتح لهم أبوابها في دار العمل، وآتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها”(الوابل الصيب).
- بث الأمل فى النفوس: حتى يستقر فيها أن أيام الشدة إلى زوال وأن النصر للحق أمر محتوم؛ وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك لتثبيت المؤمنين الخائفين عند حصار الأحزاب لهم فبشرهم بملك كسرى وقيصر، وفعل ذلك لتثبيت المعذبين فى مكة وقال لهم: «وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ الله هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ أوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ»(رواه البخاري). وكان صلى الله عليه وسلم يثبت آل ياسر بقوله: «صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة»( رواه جابر بن عبدالله، نقله الألباني في فقه السيرة وحكم عنه بأنه حسن صحيح).
تطبيقات عملية:
- تبادل مع إخوانك ذكر نماذج رأيتها أو عايشتها للثبات
- اعرض نفسك علي العوامل المعينة علي الثبات…. عالج القصور
المحور: كفاءة التعامل مع الصراع
الأهداف الإجرائية السلوكية:
- أن يذكر المتعلم مفهوم الثبات.
- أن يعدد المتعلم بعض صور الثبات.
- أن يوضح المتعلم أهم العوامل المعينة على الثبات.
- أن يذكر المتعلم نماذج للثبات قديماً وحديثاً.