مقابل كل شاب من الذين اصطفاهم عبدالفتاح السيسي لإحياء حفلٍ فارغ من أي مضمون، أو قيمة وطنية محترمة، في شرم الشيخ، هناك 20 شاباً على الأقل بين مسجون ومعتقل ومطارد داخل مصر وخارجها.
في دولةٍ لا يجد شعبها ملعقة سكر، يقيم السيسي مهرجاناً جديداً للدجل، في شرم الشيخ، تكلف ملايين الدولارات، في لحظةٍ بات معها الجنيه المصري مطروداً من سلة العملات المتداولة في العالم، وصار مطلوباً من المصريين ألا يأكلوا أو يناموا، لكي يؤمن لصوصها مستقبلهم في الحكم والاستبداد.
ذهب السيسي إلى شرم الشيخ، مدينة حسني مبارك، وعاصمة “مصر المطبّعة” التي تفضلها إسرائيل، مصر الفندق، لا مصر المصنع والمزرعة، مارًّا بالسويس المقاومة المجاهدة الصابرة، التي تدفع الثمن نيابة عن الجميع منذ نكسة 1967، وحربي الاستنزاف وأكتوبر 1973، وحتى يناير 2011، من دون أن يتذكر أحد عيدها القومي 24 أكتوبر الذي كان إجازة رسمية في كل ربوع مصر، حتى جرفها السلام الإسرائيلي.
ذهب السيسي يستعرض بالشباب وعليهم، ذلك الشباب المصنوع، على مقاسات الجنرال، للاستعمال مرة واحدة، بينما شباب مصر الحقيقي يواصل سياحة الجحيم في السجون والمنافي، على إيقاعات إعلام فاشيٍّ مجنون، يستكثر عليهم حيطان الزنازين والطعام الذي لا يصلح للبشر، ويصرخ طوال الوقت: اقتلوهم لا تعلفوهم.. أبيدوهم من دون محاكمةٍ أو تحقيقٍ أو سجن، توفيرًا للأموال، هذه الأموال التي تهدر في مهرجاناتٍ صاخبةٍ تقديسًا لهلاوس وأوهام الجنرال الفاشل.. وحاشيته.
هل يرهق طعام المساجين، وخصوصًا من الإخوان المسلمين، ميزانية دولة السيسي حقًّا؟
الأرقام الرسمية تنطق بالآتي: حتى مايو 2016، بلغ حجم الأموال التي استولت عليها الدولة، من خلال ما تسمى “لجنة حصر أموال الإخوان” 35 مليار جنيه، إذ نشرت صحف السيسي خبرًا منسوبًا لمصادر اللجنة يقول “وذكرت المصادر أن اللجنة حصرت الأموال التى قامت بالتحفظ عليها من قيادات الجماعة الإرهابية، والتي تبلغ نحو 35 مليار جنيه، فضلا عن بعض الأصول والعقارات، ومن بينها مقار الجماعة وحزب الحرية والعدالة والمدارس”.
وقبل ذلك، كانت الصحف ذاتها تحتفل بنبأ ضبط نصف مليار دولار في منزل رجل الأعمال الإخواني، حسن مالك، وكل يوم تقرأ عن ملايين من الدولارات تتحفظ (تستولي) عليها سلطات السيسي من شركات صرافة، تدعي أنها إخوانية.
وقبل شهرين تقريبًا، تحولت المسألة من حصر أموال “الإخوان” وتجميدها إلى التحفظ والاستيلاء، إذ نشرت الصحف أن مجلس الوزراء أقر مشروع قانون لإنشاء لجنة جديدة للتحفظ والإدارة والتصرف في أموال الجماعات والكيانات الإرهابية والمنتمين إليها. وينص المشروع “على أن تحل هذه اللجنة، بدلاً من لجنة إدارة أموال “الإخوان المسلمين”، القائمة حاليًا، مع تحصينها قضائيًّا من أي قرارٍ بحلها، ومنع محاكم القضاء الإداري التي أصدرت مئات الأحكام، على مدار عامين، ببطلان التحفظ على أموال “الإخوان”، من الطعن بقرارات اللجنة الجديدة”.
واقع الحال ينطق أنه في هذه “الدولة اللصة” التي يقودها سربٌ من القراصنة تحولت السجون والمعتقلات إلى مصدر هائل للدخل القومي، يغطي كلفة الإجراءات القمعية في السجون والمعتقلات، وقاعات المحاكم وغرف التحقيق، من تعذيب وإهانات، ويفيض بما يكفي لزيادة رواتب ومكافآت أجهزة القمع والتنكيل، وأيضًا إقامة حفلات ومهرجانات، بما تتطلبه من سجاد أحمر ومطربين وراقصات وزمارين وطبالين، يستمتعون بسياحة انقلابية وثيرة، على نفقة المساجين والمعذبين في السجون.
وكما قلت سابقًا، وفي تاريخ الديكتاتوريات والنظم القمعية، هناك أوجه كثيرة للعسف بالمعارضين والمناوئين لنظام الحكم، تتدرج من الحرمان من الحقوق السياسية والاجتماعية، حتى تصل إلى الإبعاد والقتل، غير أننا لم نسمع عن دولة تسطو على أموال معارضيها، وتمارس عقيدة “الاستحلال” لكل متعلقات المعترضين على سياساتها، فتستولي على بيوتهم وأموالهم وكل ممتلكاتهم بجميع صورها، ثم تنفقها على أوغادها بكل هذا الإسراف.