الافتتاحية: الآيتان 77-78 من سورة الحج
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ (الحج: 77-78).
عباد ة الله تعالى بمعناها الشامل، وفعل الخير بمعناه العام هما غاية المؤمن في هذه الحياة. يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله: “في هاتين الآيتين يجمع الله تعالى المنهاج الذي رسمه لهذه الأمة، ويلخص التكاليف التي كلفهم بها، ويقرر مكانها الذي قدره لها، ويثبت جذورها في الماضي والحاضر والمستقبل، متى استقامت على النهج الذي أراده لها. إنه يبدأ بأمر المؤمنين بالركوع والسجود. وهما ركنا الصلاة البارزان. ويكني عن الصلاة بالركوع والسجود ليمنحها صورة بارزة، وحركة ظاهرة في التعبير، ترسمها مشهدا شاخصا، وهيئة منظورة، ويثني بالأمر العام بالعبادة. وهي أشمل من الصلاة؛ فعبادة الله تشمل الفرائض كلها وتزيد عليها كذلك كل عمل ,وكل حركة, وكل خالجة يتوجه بها الفرد إلى الله. فكل نشاط الإنسان في الحياة يمكن أن يتحول إلى عبادة متى توجه القلب به إلى الله. حتى لذائذه التي ينالها من طيبات الحياة بلفتة صغيرة تصبح عبادات تكتب له بها حسنات. وما عليه إلا أن يذكر الله الذي أنعم بها عليه، وينوي بها أن يتقوى على طاعته وعبادته فإذا هي عبادات وحسنات، ولم يتحول في طبيعتها شيء، ولكن تحول القصد منها والاتجاه.
ويختم بفعل الخير عامة، في التعامل مع الناس بعد التعامل مع الله بالصلاة والعبادة. يأمر الأمة المسلمة بهذا رجاء أن تفلح؛ فهذه هي أسباب الفلاح: العبادة تصلها بالله فتقوم حياتها على قاعدة ثابتة, وطريق واصل، وفعل الخير يؤدي إلى استقامة الحياة الجماعية على قاعدة من الإيمان وأصالة الاتجاه؛ فإذا استعدت الأمة المسلمة بهذه العدة من الصلة بالله , واستقامة الحياة ,فاستقام ضميرها, واستقامت حياتها نهضت بالتبعة الشاقة ﴿وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ﴾ وهو تعبير شامل جامع دقيق، يصور تكليفا ضخما، يحتاج إلى تلك التعبئة وهذه الذخيرة وذلك الإعداد. والجهاد في سبيل الله يشمل جهاد الأعداء، وجهاد النفس، وجهاد الشر والفساد. وكلها سواء ﴿وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ﴾ فقد انتدبكم لهذه الأمانة الضخمة، واختاركم لها من بين عباده ﴿هُوَ اجْتَباكُمْ﴾ وإن هذا الاختيار ليضخم التبعة، ولا يجعل هنالك مجالا للتخلي عنها. وإنه لإكرام من الله لهذه الأمة ينبغي أن يقابل منها بالشكر وحسن الأداء! وهو تكليف محفوف برحمة الله: ﴿وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ وهذا الدين كله بتكاليفه وعباداته وشرائعه ملحوظ فيه فطرة الإنسان وطاقته. وهو منهج عريق أصيل في ماضي البشرية، موصول الماضي بالحاضر: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ﴾ وهو منبع التوحيد الذي اتصلت حلقاته منذ عهد إبراهيم عليه السلام فلم تنقطع من الأرض، ولم تفصل بينها فجوات مضيعة لمعالم العقيدة كالفجوات التي كانت بين الرسالات قبل إبراهيم عليه السلام. وقد سمى الله هذه الأمة الموحدة بالمسلمين. سماها كذلك من قبل وسماها كذلك في القرآن ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا﴾.
والإسلام إسلام الوجه والقلب لله وحده بلا شريك. فكانت الأمة المسلمة ذات منهج واحد على تتابع الأجيال والرسل والرسالات. حتى انتهى بها المطاف إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وحتى سلمت إليها الأمانة، وعهد إليها قيادة البشرية إلى الخير والهداية. فاتصل ماضيها بحاضرها ,ومستقبلها كما أرادها الله: ﴿لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ﴾ فالرسول صلى الله عليه وسلم يشهد على هذه الأمة، ويحدد نهجها, واتجاهها، ويقرر صوابها, وخطأها وهي تشهد على الناس بمثل هذا0 فهي القوّامة على البشرية بعد نبيها وهي الشاهدة على الناس بموازين شريعتها، وتربيتها وفكرتها عن الكون ,والحياة. ولن تكون كذلك إلا وهي أمينة على منهجها العريق المتصل الوشائج، المختار من الله.
ولقد ظلت هذه الأمة قائدة ,وشاهدة على البشرية طالما استمسكت بذلك المنهج الإلهي وطبقته في حياتها الواقعية فإذا انحرفت عنه، وتخلت عن تكاليفه، ردها الله عن مكان القيادة إلى مكان التابع الذليل في ذيل القافلة. وما تزال حتى تعود إلى هذا الأمر الذي اجتباها الله له. هذا الأمر يقتضي الاحتشاد له, والاستعداد. ومن ثم يأمرها القرآن بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والاعتصام بالله: ﴿فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ. هُوَ مَوْلاكُمْ. فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ فالصلاة صلة الفرد الضعيف الفاني بمصدر القوة والزاد. والزكاة صلة الجماعة بعضها ببعض والتأمين من الحاجة. والاعتصام بالله هوالعروة الوثقى التي لا تنفصم بين المعبود, والعباد. بهذه العدة تملك الأمة المسلمة أن تنهض بتكاليف الهداية للبشرية التي اجتباه الله لها. وتملك الانتفاع بالموارد والطاقات المادية التي تعارف الناس على أنها مصادر القوة في الأرض. والقرآن الكريم لا يغفل من شأنها، بل يدعو إلى إعدادها. ولكن مع حشد القوى والطاقات والزاد الذي لا ينفد، والذي لا يملكه إلا المؤمنون بالله. فيوجهون به الحياة إلى الخير والصلاح والاستعلاء. إن قيمة المنهج الإلهي للبشرية أنه يمضي بها قدما إلى الكمال المقدر لها في هذه الأرض ولا يكتفي بأن يقودها للذائذ والمتاع وحدهما كما تقاد الأنعام. وإن القيم الإنسانية العليا لتعتمد على كفاية الحياة المادية، ولكنها لا تقف عند هذه المدارج الأولى. وكذلك يريدها الإسلام في كنف الهداية الرشيدة، المستقيمة على منهج الله”(في ظلال القرآن، بتصرف).
دروس مستفادة من الآيتين الكريمتين:
- جوهر المنهج الإسلامى يتلخص في إخلاص العبادة لله، وإسداء الخير للناس.
- لا تنال ولاية الله للمؤمنين إلا باعتصامهم بحبله وجهادهم في سبيله.
- ………………………………اذكر دروساً أخرى.
مقدمة:
يقول الإمام البنا رحمه الله في خاتمة رسالة التعاليم: “أيها الأخ الصادق: هذا مجمل لدعوتك, وبيان موجز لفكرتك, وتستطيع أن تجمع هذه المبادئ في خمس كلمات: الله غايتنا, و الرسول قدوتنا, و القرآن شرعتنا, و الجهاد سبيلنا, و الشهادة أمنيتنا. و أن تجمع مظاهرها في خمس كلمات أخرى: البساطة, والتلاوة , والصلاة, والجندية, والخلق. فخذ نفسك بشدة بهذه التعاليم, وإلا ففي صفوف القاعدين متسع للكسالى, و العابثين. وأعتقد أنك إن عملت بها, وجعلتها أمل حياتك ,وغاية غايتك , كان جزاؤك العزة في الدنيا, والخير, والرضوان في الآخرة, وأنت منا ونحن منك, وإن انصرفت عنها وقعدت عن العمل لها فلا صلة بيننا وبينك, وإن تصدرت فينا المجالس وحملت أفخم الألقاب وظهرت بيننا بأكبر المظاهر, وسيحاسبك الله على قعودك أشد الحساب , فاختر لنفسك ونسأل الله لنا ولك الهداية و التوفيق ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾ (الصف:10-14)”(حسن البنا، مجموعة الرسائل). وقد اشتهرت الكلمات الخمس الأولى حتى أضحت شعاراً يهتف به الإخوان في كل مكان، ويتغنون به في كل آن. أما الكلمات الخمس الأخيرة التى تمثل مظاهر دعوة الإخوان المسلمين فلم تشتهر رغم أهميتها، حتى بين الإخوان؛ ولذا وجب التذكير بها والتأكيد عليها.
- البساطة:
البَساطة لغة: مصدر من الفعل بَسُطَ؛ ففى معجم المعانى الجامع: “بسُطَ يَبسُط بَساطةً فهو بَسيط، وبَسُطَ: أى اِنْشَرَحَ صَدْرُهُ و تَأَلَّقَ وَجْهُهُ فَرَحاً وَسُرورا، وبَسُطَتْ تَعابِيرُهُ : كانَتْ بَسيطَةً، وبَسُطَ لِسانُهُ: اِنْطَلَقَ، وبَسُطَتْ يَدُهُ : اِنْبَسَطَتْ بِالْمَعْروفِ، وبسُط الشَّيءُ : خلا من التّعقيد، وبسُط الجواب أي صار سهلاً يسيرًا، وبسُط الشَّخصُ كان على الفطرة، لا خُبْث عنده ولا مخادَعة، و بسُط المكانُ : اتّسَع بساطة الوجه: طلاقته وبشاشته، وبساطة الخلق: سلاسة طبع خلاف التَّركيب والتَّعقيد، وبساطة الأسلوب: سهولته ووضوحه، ببساطة: أى بسلامة نيّة وبدون خبث أو مكر” (معجم المعانى الجامع، بتصرف). “وتبسَّط الشَّخصُ: كان على طبيعته ولم يتكلّف أو يتصنَّع، ولم يلتزم الرسميَّات في قوله وفعله. وتبسَّط في كلامِه: فصَّله وأوضحه وأسهب فيه، و تبسَّط في الحديث: تحدّث بغير كُلْفة”(معجم اللغة العربية المعاصر) وفي لسان العرب “من أَسماء اللّه تعالى الباسطُ: وهو الذي يَبْسُطُ الرزق لعباده ويوسّعه عليهم بجُوده ورحمته ويبسُط الأَرواح في الأَجساد عند الحياة. والبَسْطُ نقيض القَبْضِ”(ابن منظور، لسان العرب). والبساطة في الاصطلاح: هى السهولة واليسر والتلقائية، و القرب من الفطرة والطبيعة، والبعد عن التكلف ,والتعقيد, والزخرفة ,والمظهرية، والإنسان البسيط هو الذى يتصرف بالسجية ,ويبرأ من خبث الطوية.
وقد كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؛ مضرب المثل في البساطة؛ فكان صلى الله عليه وسلم أبعد ما يكون عن التكلف والتعقيد؛ كان يأكل ما تيسر ويحمد الله عليه؛ فإذا لم يجد نوى الصيام بلا ضيق ,أو تبرم. وقد يمضى الشهر تلو الشهر ولا يوقد في بيوته صلى الله عليه وسلم نار، ولا يذوق طعاماً إلا التمر والماء. وربما جاع حتى ربط على بطنه حجراً من شدة الجوع. ولم يذم صلى الله عليه وسلم طعاماً قط؛ فإن أعجبه أكل وإلا أمسك. هكذا بكل بساطة. وكان عليه الصلاة والسلام بسيطاً في ملبسه، لا يلبس الحرير ولا تزين بالذهب، ويلبس الخشن من الثياب، ولكنه يحرص على نظافتها وجمالها. وكان مسكن النبى صلى الله عليه وسلم بسيطاً في بنائه وأثاثه؛ وكان ينام على الحصير حتى تؤثر في جنبه. وكان مسجده صلى الله عليه وسلم بسيطاً في بنائه، جزء منه مسقوف بجريد النخل وجزء سقفه السماء، وفرشه الحصباء؛ فإذا أمطرت أوحلت أرضه، وكان يخطب صلى الله عليه وسلم على جذع نخلة؛ ثم على منبر بسيط من الخشب.
وكان صلى الله عليه وسلم لا يتميز بين أصحابة بطعام أو شراب أو زى خاص أو شارة معينة، أو مجلس مخصص؛ فكان لا يعرف بين أصحابه إلا ببهاء النبوة. وكان يجلس حيث انتهى به المجلس. وكان صلى الله عليه وسلم بساماً بشوشاً طلق الوجه، يتبسط مع أصحابه ويداعبهم ويسألهم عن أحوالهم، ويمازح أطفالهم، وتستوقفه الجارية في الطريق ساعة لحاجتها فلا ينصرف حتى تنصرف عنه، وينظر إلى محدثه بوجهه كله ولا يلتفت عنه حتى يكون هو المنصرف. وكان صلى الله عليه وسلم جواداً كريماً أجود بالخير من الريح المرسلة. لقد بسط صلى الله عليه وسلم وجهه بالبشاشة، ولسانه بالتعليم، ويده بالعطاء، وقلبه باللين والشفقة والرحمة. وكان صلى الله عليه وسلم كما وصفه سيدنا على رضى الله عنه: “من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه”(رواه البخارى). وكان صلى الله عليه وسلم “يَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَرْقَعُ ثَوْبَهُ، وَيَحْلُبُ شَاتَهُ، وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ، وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرِّجَالُ فِي بُيُوتِهِمْ، فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ , خَرَجَ إِلَى الصَلَاةِ” (رواه البخاري) وكان صلى الله عليه وسلم يشارك أصحابه في العمل كما فعل في بناء المسجد وحفر الخندق وغير ذلك.
وكان صلى الله عليه وسلم يربى أصحابه أن يخدموا أنفسهم ولا يسألوا الناس شيئاً: “فعن عوف بن مالك الأشجعي قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة، فقال : ألا تبايعون رسول الله؟، وكنا حديث عهد ببيعة، فقلنا : قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: ألا تبايعون رسول الله؟، فقلنا : قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: ألا تبايعون رسول الله؟ قال: فبسطنا أيدينا وقلنا : قد بايعناك يا رسول الله فعلام نبايعك ؟ قال : على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، والصلوات الخمس، وتطيعوا وأسر كلمة خفية : ولا تسألوا الناس شيئا، فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحداً يناوله إياه “(رواه مسلم). وكان أبو بكر الصديق وهو خليفة المسلمين يحلب لبعض جيرانه شياههم كما عودهم على ذلك قبل أن يبايع بالخلافة، وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يلبس الخشن من الثياب ويأكل الخشن من الطعام، ويتوسد نعله وينام على الأرض في ظل شجرة بلا حارس ولا حاجب، ويحمل الدقيق على ظهره إلى امرأة انقطعت بها السبيل بظاهر المدينة، وخادمه أسلم يسير خلفه، ويدهن إبل الصدقة المصابة بنفسه، وتشرد ناقة من إبل الصدقة في جو عاصف فيخرج في طلبها بنفسه ويكره أن يكلف بها أحداً في هذا الجو. “وقد تربى الصحابة رضوان الله عليهم على عدم التكلف والتنطع. يقول أنس رضي الله عنه -كنا عند عمر رضي الله عنه فسمعته يقول: نهينا عن التكلف حتى أنه رضى الله عنه كان يمر يوماً فسقط عليه شيء من الميزاب ومعه صاحب له فقال يا صاحب الميزاب ماؤك طاهر أم نجس؟ فقال عمر لا تخبره ومضى”(فهم الإسلام في ظلال الأصول العشرين)
وسار التابعون على هذه البساطة: “قال رجاء بن حَيْوَةَ: ما رأيتُ أحداً أكمل عقلاً من عمر بن عبدالعزيز، سهرتُ معه ذات ليلةٍ، فَخفت السراج، فقال لي: يا رجاء، إِنَّ السِّرَاج قد ضعف، فقلت له: فأنبه الخادم؟ قال: قد نام، دعه يرقد، فقلتُ: أقوم أنا فأصلحه؟ قال: ليس من مروءة الرجل استخدام ضيفه، فقام فوضع رداءه، وأتى السِّرَاج ففتحه، وأخذ زيتاً وصبَّ في السِّرَاج منه، ثم رجع وهو يقول : قمتُ وأنا عمر بن عبد العزيز، ورجعتُ وأنا عمر بن عبد العزيز”( البيهقي، شعب الإيمان).
وعندما جعل الإمام البنا رحمه الله البساطة مظهراً لدعوة الإخوان المسلمين كان يقتدى في ذلك بالرسول الكريم وصحبه الكرام والتابعين لهم بإحسان من سلف هذه الأمة. وقد تمثل رحمه الله هذه البساطة في حياته كلها. يقول عنه الكاتب الأمريكى روبير جاكسون: “وكان في بيته مثال الزهادة، وفي ملبسه مثال البساطة، وكنت تلقاه في تلك الحجرة المتواضعة الفراش ذات السجادة العتيقة والمكتبة الضخمة، فلا تراه يختلف عن أي إنسان عادي، إلا ذلك الإشعاع القوي والبريق اللامع الذي تبعثه عيناه، والذي لا يقوي الكثيرون علي مواجهته، فإذا تحدث سمعت من الكلمات القليلة المعدودة موجزا واضحا للقضايا المطولة التي تحتويها المجلدات، وكان إلي هذه الثقافة الواسعة الضخمة، قديرا علي فهم الأشخاص لا يفاجؤك بالرأي المعارض، ولا يصدمك بما يخالف مذهبك، وإنما يحتال عليك حتى يصل إلي قلبك ويتصل بك فيما يتفق معك عليه. ويعذرك فيما يختلفان فيه. وهو واسع الأفق إلي أبعد حد، يفتح النوافذ للهواء الطلق، فلا يكره حرية الرأي ولا يضيق بالرأي المعارض، وقد استطاع أن يحمل الرأي الجديد إلي الجماهير دون أن يصطدم بهم. هذا الجديد الذي لو عرض بغير لباقة لوقفوا ضده وحاربوه، لقد نقلهم من موروثاتهم، وغير فهمهم للدين: وحول اتجاههم في الحياة وأعطاهم الهدف وملأ صدورهم بالأمل في الحرية والقوة”(روبير جاكسون، حسن البنا الرجل القرآنى).
- التلاوة:
وهى مظهر من مظاهر دعوة الإخوان المسلمين، وقد استمده الإمام البنا رحمه الله من تعاليم القرآن وعمل النبى عليه الصلاة والسلام. قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ (البقرة: 121) وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ (فاطر: 29-30). وقد لخص الإمام البنا رحمه الله دعوة الإخوان بقوله: “ندعو بدعوة الله وهي أسمي الدعوات، وننادي بفكرة الإسلام وهي أقوي الفكر، ونقدم للناس شريعة القرآن وهي أعدل الشرائع”(مجموعة الرسائل). ويخاطب الإخوان بقوله: “أيها الإخوان : أنتم لستم جمعية خيرية ولا حزباً سياسياً ولا هيئة موضعية لأغراض محدودة المقاصد. ولكنكم روح جديد يسري في قلب هذه الأمة فيحييه بالقرآن”(مجموعة الرسائل). ويوصى الإخوان بقوله: “وأقبلوا علي القرآن تدارسونه، وعلي السيرة المطهرة تذاكرونها، وكونوا عمليين لا جدليين ؛ فإذا هدي الله قوما ألهمهم العمل ؛ وما ضل قوم بعد هدي كانوا عليه إلا أوتوا الجدل”(مجموعة الرسائل). وقد جعل الإمام البنا من واجبات الأخ العامل: ” أن يكون لك ورد يومي من كتاب الله لا يقل عن جزء , واجتهد ألا تختم في أكثر من شهر, ولا في أقل من ثلاثة أيام، و أن تحسن تلاوة القرآن و الاستماع إليه والتدبر في معانيه”(مجموعة الرسائل).
قال ابن القيم رحمه الله: “ليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده، وأقرب إلى نجاته من تدبر القرآن وإطالة التأمل وجمع الفكر على معاني آياته، فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرهما، وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغاياتهما وثمراتهما ومآل أهلهما، وتضع في يده مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة، وتثبت قواعد الإيمان في قلبه وتشيد بنيانه وتوطد أركانه، وتريه صورة الدنيا والآخرة والجنة والنار في قلبه، وتُحضره بين الأمم، وتريه أيام الله فيهم، وتُبصره مواقع العبر، وتشهده عدل الله وفضله، وتعرفه ذاته وأسماءه وصفاته وأفعاله وما يحبه وما يبغضه، وصراطه الموصل إليه، وما لسالكيه بعد الوصول والقدوم عليه، وقواطع الطريق وآفاتها، وتعرفه النفس وصفاتها ومفسدات الأعمال ومصححاتها، وتعرفه طريق أهل الجنة وأهل النار وأعمالهم وأحوالهم وسيماهم، ومراتب أهل السعادة وأهل الشقاوة، وأقسام الخلق واجتماعهم فيما يجتمعون فيه، وافتراقهم فيما يفترقون فيه، وبالجملة تعرفه الرب المدعو إليه، وطريق الوصول إليه، وما له من الكرامة إذا قدم عليه. وتعرفه في مقابل ذلك ثلاثة أخرى: ما يدعو إليه الشيطان، والطريق الموصلة إليه، وما للمستجيب لدعوته من الإهانة والعذاب بعد الوصول إليه”(مدارج السالكين). ويقول الشهيد سيد قطب رحمه الله: “تدبر القرآن يزيل الغشاوة، ويفتح النوافذ، ويسكب النور، ويحرك المشاعر، ويستجيش القلوب، ويخلص الضمير، وينشئ حياة للروح تنبض بها وتشرق وتستنير”(في ظلال القرآن).
- الصلاة:
الصلاة هى العبادة التى فرضها الله تعالى على أمة محمد يؤدونها في اليوم خمس مرات على الهيئة والترتيب الذى بينه الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد جعل الإمام الشهيد رحمه الله الصلاة مظهراً من مظاهر دعوة الإخوان المسلمين؛ لأنها دعوة الإسلام في العصر الجديد؛ فلابد لمن يحملها ويدعو إليها أن يتصف بما اتصف به محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه. يقو ل الإمام البنا رحمه الله: “إن الإخوان ليعلمون أن خير وصف لخير جماعة هو وصف أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم : رهبان في الليل فرسان في النهار، وكذلك يحاولون أن يكونوا والله المستعان”(مجموعة الرسائل). ومن واجبات الأخ في جماعة الإخوان المسلمين:” الاجتهاد فى العبادة بأداء الفرائض على وجهها واستكمال سننها وآدابها فيحسن الصلاة ويؤدى الزكاة ويستعد للحج وينضم الى فرق الجوالة متى سمحت بذلك سنه، ويكثر من ذكر الله ويدع بالمأثور عن الرسول صلى الله عليه وسلم ويداوم على تلاوة القرآن و يتصدق بما فضل من ماله ويتحرى السنة المطهرة وخصوصاً ما أهمله الناس كقيام الليل و المواظبة على الجماعة إلا لعذر و الزهادة الصحيحة وتذكر الآخرة و العزوف عن الشهوات الدنيا ومحاسبة النفس على ما قدمت فى يومها فإن كان محسناً ازداد وحمد الله وإن كان مسيئاً تاب واستغفر. واصطحاب نية الجهاد فى سبيل الله مع الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر و المسارعة الى الخيرات”(مجموعة الرسائل).
- الجندية:
يقول الفاروق عمر رضي الله عنه: “لا دين إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة” ويقول المودودي رحمه الله: “من الوجهة الدينية الخالصة، فإن طاعة أفراد الجماعة لأميرهم في المعروف جزء من طاعتهم لله ورسوله، وإذا كان الإنسان لم يقم بأمر هذه الدعوة إلا مع الاعتقاد بأنه إنما يقوم بأمر الله ورسوله وهو لم يرض بأحد أميراً على نفسه إلا ابتغاء وجه الله وتقرباً إليه، فهو بطاعته لأميره في أوامره المشروعة إنما يطيع الله ورسوله في حقيقة الأمر، ويكون مبادراً إلى ذلك على قدر ما يكون اتصاله بالله ورسوله، وطاعة الأخ هذه بما أنها لله، فأجرها عند الله عظيم” والمؤمنون عند شروطهم”(تذكرة دعاة الإسلام).
وعن أبي الوليد عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: «بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله تعالى فيه برهان، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم» (متفق عليه). يقول الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله: “وأريد بالطاعة: امتثال الأمر وإنفاذه تواً في العسر واليسر، والمنشط والمكره”. ويقول الدكتور علي عبد الحليم محمود في ركن الطاعة: “الطاعة كما يراها الإمام البنا، امتثال الجندي أمر قائده وانقياده تواً واتباعه دون تجاوز ودون إبطاء أو تراخ، وفي كل حال من دون تعلل بعسر يقعد أو يسر يلهي. وتكون الطاعة كذلك فيما ينشط له الإنسان من عمل سهل عليه ومحبب إليه، أو ما يكرهه من عمل يشق عليه ويضيق به، ولا يحب أن يعمله. ولا تكون الطاعة طاعة على وجهها الصحيح إلا إذا امتثل الطائع وأنفذ في الحالتين معاً. أي سواء أكان محباً للعمل ناشطاً إليه، وكان هذا العمل يسيراً عليه. أم كان كارهاً للعمل صادفاً عنه، وكان العمل عسيراً عليه”(مجموعة الرسائل).
ويقول: “ولما كانت الأمم الناهضة في حاجة إلى هذه الجندية الفاضلة , وكان قوام هذه الجندية صحة الأبدان وقوة الأجسام , فقد أشار القرآن إلى هذا المعنى في بيان قصة أمة مجاهدة تحفزت للنهوض بعبء النضال في سبيل حريتها واستقلالها وتكوين نفسها , فاختار الله لها زعيما قوي الفكر وقوي الخلق , وجعل من أركان نهوضه بعبئه قوة بدنه , فذلك ما حكاه القرآن الكريم عن بني إسرائيل في تزكيته طالوت : (قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) (البقرة:247)”(مجموعة الرسائل).
- الخلق:
وضح الرسول صلى الله عليه وسلم هدف بعثته وجوهر رسالته بقوله: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”. وقد جعل الإمام البنا الخلق أحد مظاهر دعوة الإخوان المسلمين؛ فيتعرف الناس على الإخوان من أخلاقهم. يقول الإمام البنا رحمه الله: “آمنوا بالله واعتزوا بمعرفته والاعتماد عليه والاستناد إليه، فلا تخافوا غيره ولا ترهبوا سواه. وأدوا فرائضه واجتنبوا نواهيه. وتخلقوا بالفضائل وتمسكوا بالكمالات. وكونوا أقوياء بأخلاقكم أعزاء بما وهب الله لكم من عزة المؤمنين وكرامة الاتقاء الصالحين “(مجموعة الرسائل). ويقول: “والأمة الناهضة أحوج ما تكون إلى الخلق.. الخلق الفاضل القوي المتين والنفس الكبيرة العالية الطموحة، إذ أنها ستواجه من مطالب العصر الجديد مالا تستطيع الوصول إليه إلا بالأخلاق القوية الصادقة النابعة من الإيمان العميق والثبات الراسخ والتضحية الكثيرة والاحتمال البالغ , وإنما يصوغ هذه النفس الكاملة الإسلام وحده، هو الذي جعل صلاح النفس و تزكيتها أساس الفلاح، فقال تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا , وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) (الشمس:9-10) وجعل تغيير شئون الأمم وقفا على تغير أخلاقها وصلاح نفوسها فقال : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:11) وإنك لتسمع الآيات البالغة في مفردات الأخلاق الكريمة فتراها القوة التي لا تغالب في إصلاح النفوس وإعدادها وتزكيتها وتصفيتها , “(مجموعة الرسائل). ومن مراتب ركن العمل المطلوبة من الأخ الصادق: “إصلاح نفسه: حتى يكون قويَّ الجسم، متين الخلق، مثقف الفكر، قادرًا على الكسب، سليم العقيدة، صحيح العبادة، مجاهدًا لنفسه، حريصًا على وقته، منظَّمًا في شئونه، نافعًا لغيره، وذلك واجب كل أخ على حدته”(مجموعة الرسائل). وإحدى سمات جماعة الإخوان أنها حقيقة صوفية “لأنهم يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس، ونقاء القلب، والمواظبة على العمل والإعراض عن الخلق، والحب في الله والارتباط”(مجموعة الرسائل). وينصح الإمام الشهيد الإخوان بقوله: “احرصوا أن تكونوا صادقين لا تتجاوزون الحقيقة، وأن تكون دعايتكم في حدود الأدب الكامل والخلق الفاضل والحرص التام على جمع القلوب” (مجموعة الرسائل).
تطبيقات عملية:
- للدارس راجع نفسك في هذه المظاهر..حددأبرز نقاط الضعف ….استعن بالله ثم بإخوانك فى معالجة نقاط الضعف
- للمربي كيف تنشأ الرغبة لدى إخوانك في اكتساب هذه المظاهر؟