الافتتاحية : الآيتان11-12 من سورة النور
قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ﴾(النور:11-12).
يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله: “حادث الإفك كلف أطهر النفوس في تاريخ البشرية كلها آلاما لا تطاق؛ وكلف الأمة المسلمة كلها تجربة من أشق التجارب في تاريخها الطويل; وعلق قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلب زوجه عائشة التي يحبها, وقلب أبي بكر الصديق وزوجه, وقلب صفوان بن المعطل شهرا كاملا. علقها بحبال الشك والقلق والألم الذي لا يطاق، وعاش المسلمون جميعا هذا الشهر كله في مثل هذا الجو الخانق. فها هي ذي عائشة الطيبة الطاهرة ترمي في شرفها وهي ابنة الصديق الناشئة في العش الطاهر الرفيع، وترمى في أمانتها وهي زوج محمد بن عبد الله من ذروة بني هاشم، وترمى في وفائها وهي الحبيبة المدللة، ثم ترمى في إيمانها وهي المسلمة الناشئة في حجر الإسلام من أول يوم. فلا تجد ما يبرئها إلا أن ترجو في جناب الله, وتترقب أن يرى رسول الله رؤيا تبرئها. ولكن الوحي يتلبث لحكمة يريدها الله شهرا كاملا ; وهي في مثل هذا العذاب. ويا لله لها وهي تفاجأ بالنبأ من أم مسطح. وهي مهدودة من المرض ؛ فتعاودها الحمى؛ وهي تقول لأمها في أسى: سبحان الله! وقد تحدث الناس بهذا? . ويا لله لها ورسول الله صلى الله عليه وسلم – نبيها الذي تؤمن به ورجلها الذي تحبه- يقول لها: «أما بعد فإنه بلغني عنك كذا وكذا ; فإن كنت بريئة فسيبرئك الله تعالى, وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله تعالى وتوبي إليه, فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه» فتعلم أنه شاك فيها, لا يستيقن من طهارتها, ولا يقضي في تهمتها، وربه لم يخبره بعد.
وها هو ذا أبو بكر الصديق في وقاره وحساسيته وطيب نفسه يلذعه الألم وهو يرمى في عرض فيقول: والله ما رمينا بهذا في جاهلية أفنرضى به في الإسلام? حتى إذا قالت له ابنته المريضة المعذبة: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرارة هامدة: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وأم رومان – زوج الصديق رضي الله عنهما – وهي تتماسك أمام ابنتها المفجوعة فتقول لها: يا بنية هوني على نفسك الشأن, فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها. ولكن هذا التماسك يتزايل وعائشة تقول لها: أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقول كما قال زوجها من قبل: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم. والرجل المسلم الطيب الطاهر المجاهد في سبيل الله صفوان بن المعطل. وهو يرمي بخيانة نبيه في زوجه؛ فيرمي بذلك في إسلامه و أمانته وشرفه, وحميته، وفي كل ما يعتز به صحابي, فيقول: سبحان الله! والله ما كشفت كتف أنثى قط. ويعلم أن حسان بن ثابت يروج لهذا الإفك عنه, فلا يملك نفسه أن يضربه بالسيف على رأسه ضربة تكاد تودي به، ودافعه إلى رفع سيفه على امرئ مسلم, وهو منهى عنه, أن الألم قد تجاوز طاقته، فلم يملك زمام نفسه الجريحة.
ثم ها هو ذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الذروة من بني هاشم يرمى في بيته، و في طهارة فراشه, وهو الطاهر الذي تفيض منه الطهارة . و يرمي في صيانة حرمته وهو القائم على الحرمات في أمته. ويرمى في حياطة ربه له وهو الرسول المعصوم من كل سوء، ويتحدث الناس به في المدينة شهرا كاملا, فلا يملك أن يضع لهذا كله حدا. والله يريد لحكمة يراها أن يدع هذا الأمر شهرا كاملا لا يبين فيه بيانا. ومحمد الإنسان يعاني ما يعانيه الإنسان في هذا الموقف الأليم. يعاني من العار وفجيعة القلب، ويعاني فوق ذلك الوحشة المؤرقة بتأخر الوحى الذي اعتاد أن ينير له الطريق. وها هو ذا يثقل عليه العبء وحده, فيبعث إلى أسامة بن زيد و علي ابن أبي طالب يستشيرهما في خاصة أمره؛ فيشير عليى بأن الله لم يضيق عليه، ويشير مع هذا بالتثبت من الجارية ليطمئن قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستقر على قرار، و يشير أسامة بما يعلمه من طهارة أم المؤمنين, وكذب المفترين الأفاكين. فيستمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث أسامة, ومن شهادة الجارية مددا وقوة يواجه بهما القوم في المسجد, فيستعذر ممن نالوا عرضه، ورموا أهله, ورموا رجلا من فضلاء المسلمين لا يعلم أحد عليه من سوء؛ فيقع بين الأوس والخزرج ما يقع من تناور وهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حضرته، ويدل هذا على الجو الذي كان يظلل الجماعة المسلمة في هذه الفترة الغريبة.
وعندما تصل الآلام إلى ذروتها على هذا النحو يتعطف عليه ربه, فيتنزل القرآن ببراءة عائشة الصديقةالطاهرة ؛ وبراءة بيت النبوة الطيب الرفيع; ويكشف المنافقين الذين حاكوا هذا الإفك, ويرسم الطريق المستقيم للجماعة المسلمة في مواجهة مثل هذا الشأن العظيم. فلم يكن حديث الإفك رمية لعائشة وحدها, إنما كان رمية للعقيدة في شخص نبيها وبانيها؛ ومن أجل ذلك أنزل الله القرآن ليفص في القضية المبتدعة, ويرد المكيدة المدبرة, ويتولى المعركة الدائرة ضد الإسلام ورسول الإسلام; ويكشف عن الحكمة العليا وراء ذلك كله; وما يعلمها إلا الله. فهم ليسوا فردا ولا أفرادا; إنما هم عصبة متجمعة ذات هدف واحد. ولم يكن عبد الله بن أبي بن سلول وحده هو الذي أطلق ذلك الإفك. إنما هو الذي تولى معظمه. وهو يمثل عصبة اليهود أو المنافقين, الذين عجزوا عن حرب الإسلام جهرة; فتواروا وراء ستار الإسلام ليكيدوا للإسلام خفية. وكان حديث الإفك إحدى مكائدهم القاتلة ثم خدع فيها المسلمون فخاض منهم من خاض في حديث الإفك كحمنة بنت جحش; وحسان بن ثابت, ومسطح بن أثاثة. أما أصل التدبير فكان عند تلك العصبة, وعلى رأسها ابن سلول, الحذر الماكر, الذي لم يظهر بشخصه في المعركة. ولم يقل علانية ما يؤخذ به, فيقاد إلى الحد. إنما كان يهمس به بين ملئه الذين يطمئن إليهم, ولا يشهدون عليه. وكان التدبير من المهارة والخبث بحيث أمكن أن ترجف به المدينة شهرا كاملا, وأن تتداوله الألسنة في أطهر بيئة وأتقاها, إن الإنسان ليدهش – حتى اليوم – كيف أمكن أن تروج فرية ساقطة كهذه في جو الجماعة المسلمة حينذاك، وأن تحدث هذه الآثار الضخمة في جسم الجماعة, وتسبب هذه الآلام القاسية لأطهر النفوس وأكبرها على الإطلاق”(فى ظلال القرآن، بتصرف).
دروس مستفادة من الآيات:
- من الأساليب القذرة التى يستخدمها أعداء الدعوة فى حربها تشويه رموزها وقادتها وتلفيق التهم لهم وإشاعة الأكاذيب عنهم.
- حسن الظن وحفظ اللسان والثقة المتبادلة بين المؤمنين من أكبر العوامل التى تساعد على حفظ الصف و إفشال خطط الأعداء.
- ………………………………أذكر دروساً أخرى.
أولاً : مفهوم الثقة عند الإمام البنا:
يعرفها الإمام البنا الثقة بقوله: “وأريد بالثقة: اطمئنان الجندي إلى القائد في كفاءته وإخلاصه اطمئنانا عميقا ينتج الحب والتقدير والاحترام والطاعة”(حسن البنا ، مجموعة الرسائل). والمدقق فى هذا التعريف يرى أن الإمام البنا رحمه الله قصر مفهوم الثقة التى يبايع عليها الإخوان المسلمون على الثقة فى القيادة، والصورة العملية لهذه الثقة هى: “اعتبار الأوامر الصادرة عن القيادة في غير معصية قاطعة لا مجال فيها للتردد أو للانتقاص أو التحوير مع إسداء النصح والتنبيه إلى الصواب”(أويس عثمان، فتِّش عن ركن الثقة). ومن التعريف السابق نستخلص ما يلى:
- معنى الثقة عند الإمام البنا كما وردت فى ركن الثقة الذى يبايع عليه الإخوان هو الثقة فى القيادة.
- الثقة فى القيادة حالة وجدانية قوامها اطمئنان الجندي إلى قائده فى كفاءته وإخلاصه وأمانته اطمئناناً عميقاً.
- من المظاهر العملية للثقة فى القيادة احترام الجندي لقيادته وطاعتة للأوامر الصادرة عنها من غير تردد أو انتقاص أو تحوير.
- من الثمرات القلبية للثقة فى القيادة حب الجندى لقيادته وتقديره لها.
- اقتصار البيعة على الثقة فى القيادة لا يعنى التقليل من أهمية جوانب الثقة الأخرى كالثقة فى المنهج والثقة فى نصر الله فهى من أسس الدعوة.
- عدم النص على ثقة القائد فى الجنود لا يعنى التقليل من أهميتها؛ فهى التى تساعد القيادة فى حسن توظيف الجنود وتوريثهم قيم الدعوة وتجاربها وخبراتها.
ثانياً : أهمية الثقة في دعوة الإخوان:
- قوة نظام الجماعة: حيث “تعد الثقة من ركائز الدعوة وأحد مصادر قوة البناء النفسي والتنظيمي للصف المسلم، وهي من ثمار الأخوة الصادقة والحب في الله. وبقدر الثقة المتبادلة بين الأفراد تكون قوة الصف، وبقدر ثقة الصف في قيادته تكون قوة الجماعة. ولأهمية الثقة وضرورة توافرها ودوامها جعلها الإمام الشهيد ركنًا من أركان البيعة العشرة ليحافظ كل أخ عليها وفاء لبيعته وعهده مع الله، ولا يعرضها للاهتزاز أو الفقدان فإن ذلك لا يقل خطورة عن النكث في ركن الجهاد أو الطاعة أو التجرد أو غيرها”( محمد حامد عليوة، نداء من الإمام حسن البنا).
- القدرة علي تحقيق الأهداف: فالثقة فى القيادة تؤدى إلى سرعة استجابة الجنود وحماستهم لتنفيذ التكليفات والمهام المطلوبة منهم وهذا يزيد من القدرة على تحقيق الأهداف؛ فثقة الجندى سعد بن معاذ رضى الله عنه فى قائده محمد صلى الله عليه وسلم هى التى حملته أن يقول له فى بدر: “فَامْضِ يَا رَسُولَ اللّهِ لِمَا أَرَدْت فَنَحْنُ مَعَك ، فَوَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَوْ اسْتَعْرَضْت بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْته لَخُضْنَاهُ مَعَك ، مَا تَخَلّفَ مِنّا رَجُلٌ وَاحِدٌ وَمَا نَكْرَهُ أَنْ تَلْقَى بِنَا عَدُوّنَا غَدًا ، إنّا لَصُبُرٌ فِي الْحَرْبِ صُدُقٌ فِي اللّقَاءِ . لَعَلّ اللّهَ يُرِيك مِنّا مَا تَقُرّ بِهِ عَيْنُك ، فَسِرْ بِنَا عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ”(المباركفورى، الرحيق المختوم) كما أن ثقة القائد فى الجنود هى التى تساعده فى اتخاذ القرار الشجاع واغتنام الفرص وهذا أيضاً يزيد من القدرة على تحقيق الأهداف.
- إحكام الخطط: فالثقة فى القيادة تساعد فى إحكام الخطط؛ إذ يجد القائد سهولة فى توزيع المهام والتكليفات، وحرية فى التوجيه، ومرونة فى التعديل وفق ما تقتضيه الظروف والمستجدات دون حرج أو تردد، فثقة قادة الجيوش الإسلامية فى الخليفة هى التى أنتجت الطاعة لقراراته وتوجيهاته رغم صعوبة بعضها مثل قرار سيدنا أبى بكر بانتقال خالد بن الوليد من العراق إلى الشام قبل التقاء جيش الروم بجيش المسلمين، وتولى القيادة العامة للجيوش فيها؛ وقرار سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه بعزل خالد بن الوليد والمسلمون يتأهبون للمعركة الفاصلة مع الروم.
- التغلب علي العقبات: فلا شك أن الثقة فى القيادة تساعد فى التغلب على عقبات الطريق، وأن الشك فى كفاءة القيادة يؤدى إلى الوهن والتصدع: “فقوة التنظيمات تكون على قدر الثقة بين القائد وجنده، ومتانة الجماعات مرتبطة بمتانة الثقة بين النقيب وإخوانه، والثقة المتبادلة بين القائد وجنده هي الوِجاء الواقي في الخطط الدعوية، والأعمال التنظيمية، وتحقيق الأهداف الكبرى والمرحلية” (محمد مسعد ياقوت، غزوة بدر الكبرى وعلاقة القائد بجنده). والثقة فى القيادة تحبط خطط الأعداء: فثقة الجندى أبى بكر الصديق رضى الله عنه فى قائده محمد صلى الله عليه وسلم هى التى أحبطت خطة قريش فى تشكيك المسلمين فى صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فى رحلة الإسراء والمعراج بقولهم: “إن صاحبك يزعم أنه أُسري به الليلة إلى بيت المقدس ثم عاد، ونحن نقطع أكباد الإبل شهرًا ذهابًا وشهرًا إيابًا” فقال لهم: “إن كان قال فقد صدق؛ إني أصدِّقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدِّقه في خبر السماء”(سيرة ابن اسحاق) وثقة المسلمين فى قائدهم صلى الله عليه وسلم هى التى عصمتهم من مخالفته فى صلح الحديبية؛ فلما رأوه قد تحلل من إحرامه وحلق رأسه سارعوا بالتحلل، وثقة كبار الصحابة رضوان الله عليهم فى قائدهم وخليفة رسولهم أبى بكر الصديق رضى الله عنه فى إخلاصه وأمانته ونصحه للمسلمين وحرصه على مصلحتهم ودقه اختياره وقدرته على تقويم الرجال هى التى دفعتهم إلى قبول استخلافه لعمر بن الخطاب رضى الله عنه رغم تخوف بعضهم من شدته، ورغم أن الاستخلاف أمر لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم. وثقة عمر بن الخطاب فى قائده أبى بكر هى التى جعلته يتنازل عن رأيه فى حروب الردة فقال: “فما أن شرح الله صدر أبى بكر لذلك حتى علمت أنه الحق”.
ثالثاً: مظاهر تحقق ركن الثقة.
- الحب: يعد حب الصف للقيادة من مظاهر تحقق ركن الثقة الذى بايع عليه الإخوان؛ فقادة الدعوة باعوا أنفسهم لله، ووقفوا أنفسهم وما يملكون على مصلحة الدعوة؛ وهم أكثر الناس بلاء وتضحية، فحبهم وفاء بالبيعة، ومن مؤشرات حب الصف لقياداته ما يلى:
- الحرص على سلامتهم: فهذا الجندى سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ رضى الله عنه المحب لقائده محمد صلى الله عليه وسلم يقول له فى غزوة بدر: “يَا نَبِيّ اللّهِ، أَلا نَبْنِي لَك عَرِيشًا من جريد تكُونُ فِيهِ نُعِدّ عِنْدَك رَكَائِبَك أو رواحلك، ثُمّ نَلْقَى عَدُوّنَا، فَإِنْ أَعَزّنَا اللّهُ وَأَظْهَرَنَا عَلَى عَدُوّنَا، كَانَ ذَلِكَ مَا أَحْبَبْنَا، وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى، جَلَسَتْ عَلَى رَكَائِبِك، فَلَحِقَتْ بِمَنْ وَرَاءَنَا، فَقَدْ تَخَلّفَ عَنْك أَقْوَامٌ يَا نَبِيّ اللّهِ مَا نَحْنُ بِأَشَدّ لَك حُبّا مِنْهُمْ ! وَلَوْ ظَنّوا أَنّك تَلْقَى حَرْبًا مَا تَخَلّفُوا عَنْك، يَمْنَعُك اللّهُ بِهِمْ، يُنَاصِحُونَكَ وَيُجَاهِدُونَ مَعَك” (السهيلي). فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْرًا ، وَدَعَا لَهُ بِخَيْرِ. وقال مبشرًا : «أو يقضي الله خيراً من ذلك يا سعد! » ( الواقدي). “ثُمّ بُنِيَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَرِيشًا على تل مرتفع يشرف على ساحة القتال استجابة لمطلب سعد رضي الله عنه كان فيه أبو بكر، ما معهما غيرهما” (أسد الغابة). كما تم انتخاب فرقة من جنود الأنصار بقيادة سعد بن معاذ لحراسة مقر قيادة النبي صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ” (ابن اسحاق).
- رد غيبتهم والذب عن أعراضهم، وإحسان الظن بهم: فهذا الجندى أبو أيوب الأنصاري رضى الله عنه المحب لقائده محمد صلى الله عليه وسلم يقول لزوجته أم أيوب عن حديث الإفك: “وَذَلِكَ الكذب، أكنتِ يا أمَّ أيوب فاعلة ذَلِكَ؟ قَالَتْ : لا والله مَا كنت لأفعله، قَالَ : فعائشة والله خير منك ورسول الله خير منى” (سيرة ابن هشام ) فأنزل الله عز وجل ﴿لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ﴾ (النور12).
- الاحترام والتقدير: فالإسلام يحض على احترام أصحاب الفضل وتقديرهم وتقديمهم فى موضع التكريم اعترافاً بفضلهم، وتشجيعاً للناس أن يحذوا حذوهم ويقتدوا بهم “وكل إنسان قد يكون كبيرًا في مَواطن ومَكبورًا في مواطن أخرى، فتكون هذه القيمة الرائعة مرة حقًّا له ومرة واجبًا عليه”( ايهاب العاصي، احترام الصغير للكبير). والاحترام: هو أن يحترم الانسان أخيه الإنسان وأن لا يسيئ له بأي شكل من الأشكال والاحترام واجب على الصغير والكبير لتسود المحبة والوفاق في المجتمع. بينما التقدير: فهو أعلى درجة من الاحترام إذ أنها تكون بمثابة تمييز لعمل ما قام به الإنسان استحق عليه التقدير والإعجاب والتمييز. فالقائد له حق عام بالاحترام ، وحق خاص بالتقدير لمكانته. عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله تعالى عنه-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا»( رواه الترمذى وصححه) ، وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يُجِل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه»( رواه أحمد والحاكم).
- الطاعة: أثر عن عمر رضي الله عنه أنه قال: «لا دين إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة ولا إمامة الا بسمع وطاعة»، “وإذا كانت ثمة طاعة للقادة؛ فلأن الجنود هم من اختاروا القادة عن حب وطواعية وارادة حرة واقتنعوا بأن يكون هؤلاء القادة فى صدارة الصف، وفي موقع الأمر والنهي، وهم-عادة – يبادلون هؤلاء القادة الحب العميق المبني على الثقة الصادقة، هي إذًا طاعة مبصرة، طاعة اقتناع، لا طاعة إجبار وإذعان. وطاعة القائمين على الدعوة مطلب متأكد؛ إذ إن طاعة القيادة، من طاعة الرسول، ومن أطاع الرسول فقد أطاع الله، فالطاعة إذن عبادة يتقرب بها الجندى لله قائمة على الاخلاص ، وصدق الاتباع ، وإذا كنا فى سفر وكنا ثلاثة أمرنا أحدنا علينا، وصار له حق الطاعة فى المعروف، فكيف يكون الحال بمن يقود لعودة الخلافة المفقودة . جاء في الحديث الذي رواه مسلم: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن يعصني فقد عصى الله، ومن يطع أميري فقد أطاعني، ومن يعص أميري فقد عصاني »” (عامر شماخ، السمع والطاعة عند الإخوان المسلمين، إخوان أون لاين).
رابعاً: حقوق القائد في دعوة الإخوان:
- حق الوالد بالرابطة القلبية: فالقائد فى دعوة الاخوان له حق الوالد بصرف النظر عن سنه، واعلم أن الرحم الذي بيننا لا يقل عن الرحم الذي بين الأقارب وذوي الأرحام، ولهذا لابد من رعايته والاهتمام به، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أنا لكم مثل الوالد لولده» وفي لفظ: «بمنزلة الوالد أعلمكم» (رواه أبو داود، وحسنه الألباني). وعلى القائد فى دعوة الإخوان أن يعامل إخوانه كما يعامل أبناءه. فيرفق بهم ويجهد نفسه فى تحصيل النفع لهم وقضاء حوائجهم وحل مشكلاتهم.
- حق الشيخ بالتربية الروحية: فالقائد فى دعوة الإخوان له حق الشيخ على مريده؛ لأنه يقوم بدور ما فى التربية الروحية سواء بشكل مباشر لمن يقوم على تربيتهم فى الأسرة، أو بشكل غير مباشر للآخرين من خلال سلوكه ومواقفه وحركته فى الدعوة، وقد كان التابعون يذهبون إلى الإمام نافع إذا شعر أحدهم بقسوة فى قلبه فيقرأ عليهم من القرآن حتى تلين قلوبهم. وكان آخرون يجتمعون للحسن البصرى ليعظهم حتى تزكوا أرواحهم.
- حق المعلم بالإفادة العلمية: والقائد فى دعوة الإخوان له حق المعلم على تلاميذه؛ فهو يقوم بدور تعليمى مهما كان موقعه سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وهذا الأدب وعاه السلف حيث تجاوزوا به شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كل شيخ وعالم من العلماء، احتراما لهم، حيث إنهم يحملون ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته. وتذكر معى قصة موسى مع الخضر عليهما السلام كيف أن موسى عليه السلام كان فى موضع المتلقى والمتعلم، وكان الخضر فى وضع المعلم، مع العلم أن موسى عليه السلام من أولى العزم من الرسل و أعلى رتبة من الخضر – رضى الله عنه- ولم يمنعه ذلك من قطع المسافات إليه والجلوس بين يديه.
- حق القائد بحكم السياسة العامة للدعوة: وللقائد فى دعوة الاخوان حق القائد على جنوده من الطاعة والتوقير؛ لأنه يسهر على سياسة الدعوة والتماس الخير لها ودفع الشر عنها ولو بنفسه وماله. قال الله تعالى ﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ (الفتح:9).