الخميس , أكتوبر 9 2025
الرئيسية / إسلاميات / الحلقة الرابعة :الحرية في القرآن والسنة

الحلقة الرابعة :الحرية في القرآن والسنة

الافتتاحية : الآية 99 من سورة يونس

قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ﴾(يونس:99).

                                                يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله: “إنَّ الذين عطلوا عقولهم عن التدبر, يجعل الله الرجس عليهم. والرجس أبشع الدنس الروحي, فهؤلاء ينالهم ذلك الرجس بسبب تعطيلهم لمداركهم عن التعقل والتدبر, وانتهاؤهم بهذا إلى التكذيب والكفران. ويزيد الأمر إيضاحاً بأن الآيات والنذر لا تغني عن الذين لا يؤمنون; لأنهم لا يتدبرونها وهي معروضة أمامهم في السماوات والأرض﴿ قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِۚ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ﴾ (يونس:101)  وسواء كان عقب الآية استفهاماً أو تقريراً فمؤداه واحد. فإنَّ ما في السماوات والأرض حافل بالآيات; ولكن الآيات والنذر لا تفيد الذين لا يؤمنون, لأنهم من قبل لم يلقوا بالا إليها, ولم يتدبروها… إن المخاطبين بهذا القرآن أول مرة , لم يكن لديهم من المعرفة العلمية بما في السماوات والأرض إلا القليل. ولكن الحقيقة الواقعة التي أشرنا إليها مرارا, هي أنَّ بين الفطرة البشرية وبين هذا الكون الذي نعيش فيه لغة خفية غنية ! وأن هذه الفطرة تسمع لهذا الكون – حين تتفتح وتستيقظ – وتسمع منه الكثير.

والمنهج القرآني في تكوين التصور الإسلامي في الإدراك البشري يتكئ على ما في السماوات والأرض, ويستلهم هذا الكون; ويوجه إليه النظر والسمع والقلب والعقل .  وذلك دون أن يخل بطبيعة التناسق والتوازن فيه; ودون أن يجعل من هذا الكون إلهاً يؤثر في الإنسان أثر الله ! كما يجدف بذلك الماديون المطموسون , ويسمون ذلك التجديف مذهبا « علميا» يقيمون عليه نظاماً اجتماعياً يسمونه: «الاشتراكية العلمية » والعلم الصحيح من ذلك التجديف كله بريء ! .والنظر إلى ما في السماوات والأرض يمد القلب والعقل بزاد من المشاعر والتأملات ; وزاد من الاستجابات والتأثرات ; وزاد من سعة الشعور بالوجود ; وزاد من التعاطف مع هذا الوجود. وذلك كله في الطريق إلى امتلاء الكينونة البشرية بالإيقاعات الكونية الموحية بوجود الله, وبجلال الله, وبتدبير الله, وبسلطان الله, وبحكمة الله, وعلم الله .  ويمضي الزمن , وتنمو معارف الإنسان العلمية عن هذا الكون, فإن كان هذا الإنسان مهتدياً بنور الله إلى جوار هذه المعارف العلمية, زادته هذه المعارف من الزاد الذي تحصله الكينونة البشرية من التأمل في هذا الكون, والأنس به, والتعرف عليه, والتجاوب معه, والاشتراك معه في تسبيحه بحمد الله: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾الإسراء44 ( فى ظلال القرآن، بتصرف).

دروس مستفادة من الآيات:

  • حرية الاعتقاد شرط قبول الإيمان، والإسلام لا يعرف مبدأ الإكراه في العقيدة.

  • القرآن يدعو إلى التفكير في خلق السموات والأرض، وفي خلق الأنفُس؛ ليصل الإنسان من وراء ذلك كله إلى معرفة الخالق سبحانه وتعالى.

  • …………………………….أذكر دروساً أخرى.

مفهوم الحرية في القرآن الكريم: لم ترد كلمة الحرية في القرآن الكريم بلفظها، وإنما وردت معانيها ودلالاتها  وصورها ومن ذلك ما يلى:

  • حرية العقيدة: فقد قرر القرآن الكريم حرية العقيدة بأفصح لسان وأوضح بيان فقال سبحانه: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: 256) وقال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ (الزمر:14-15) وقال تعالى مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ (الكافرون:1-6) وقد حدد الله تعالى مهمة أنبيائه ورسله في البلاغ المبين وهداية الناس إلى رب العالمين من غير إكراه فقال سبحانه مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ (البقرة: من الآية272) وقال له: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ (هود: من الآية12) وقال له: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ﴾ (الغاشية:21-22).

  • حرية الإرادة: فقد خلق الله تعالى الإنسان حراً مختاراً مسئولاً عن اختياره؛ بداية من اختياره عقيدته وتحمله المسئولية الكاملة يوم القيامة عن هذا الاختيار﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا﴾ (الكهف: من الآية:29) وانتهاء باختيار طريقته فى الحياة سواء وفق الهدايات الربانية أو الأهواء البشرية﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ﴾ (الشوري:20)﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا﴾ (الإسراء:84)، وعلى هذه الحرية الكاملة للإرادة الإنسانية في الاختيار والفعل والترك تتقرر قاعدة الحساب والجزاء﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾(الزلزلة:7-88) وذلك على أساس عدم تحمل أى إنسان نتيجة خطأ الاختيار أو القرار أو الفعل أو الترك لإنسان آخر﴿وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ (الأنعام:164) وهذه هو قانون العدل الإلهى الذى جاء به القرآن الكريم مؤكداً لما جاءت به الكتب السابقة﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى * وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى﴾ (النجم:36-42).

  • حرية الفكر: قرر القرآن الكريم أن التفكير الحر في صفحات الكون ومخلوقات الله يوصل في نهاية الأمر إلى أن هذا الكون له خالق عظيم مدبر يستحق العبادة وحده دون خلقه. قال تعالى: ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ (يونس:101) وقال سبحانه: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾ (النمل:69) وقال عز من قائل: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (العنكبوت:20) وقد أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعظ المشركين بالتفكير فرادى وجماعات ليصلوا إلى الله عز وجل﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ (سبأ:46).

مفهوم الحرية في السنة:  لم ترد لفظة الحرية فى السنة النبوية المطهرة أيضاً وإنما وردت معانيها وصورها، ومن هذه الصور ما يلى:

تحرير الإنسان من العبودية لأخيه الإنسان: وهنا استخدمت السنة مفهوم المخالفة بمعنى التحذير والتنفير من العبودية، والترغيب فى عتق الرقاب وتحرير العبيد؛ فعن أبو هريرة  رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم  أنه قال: «أيما إمرئ مسلم أعتق امرأً مسلماً استنقذ بكل عضو منه عضواً منه من النار» (رواه البخارى ومسلم). وهذا ما عبر عنه تلاميذ محمد صلى الله عليه وسلم أوضح تعبير فى أقوالهم وأفعالهم: فهذا عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول لعامله عمرو بن العاص رضي الله «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار اً » وهذا على بن أبى طالب رضى الله عنه يقول: :« لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حر اً » وهذا ربعى بن عامر يعلنها فى بلاط رستم: « الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان  إلى عدل الإسلام، » (ابن كثير، البداية والنهاية).

  • تحرير الإنسان من العبودية للدنيا: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : «تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد الخميصة تعس عبد الخميلة إن أعطى رضى وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش طوبى لعبد أخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع له»(رواه البخارى) وعنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة، إنْ أُعطِي رضي، وإن لم يُعطَ لم يرضَ»(روه البخارى).

  • تحرير القلب من التعلق بغير الله: فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: «يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فأسأل الله، وإذا استعنت فأستعن بالله وأعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف» (رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح).

  • تحرير الإنسان من الإكراه المادى والأدبى: حتى يكون اختياره تعبيراً صادقاً عن ضميره بلا ترغيب أو ترهيب، ودون خوف  من ضرر يصيبه فى نفسه أو ماله أو أهله جراء اختياره الحر؛ ففى حديث صلح الحديبية الذى رواه  الزُّهْرِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ، أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  قال لبِسْرُ بْنُ سُفْيَانَ الْكَعْبِيُّ : «يا ويح قريش، قد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلُّوا بيني وبين الناس؟!»(سيرة ابن اسحاق) فلم يطلب منهم صلى الله عليه وسلم إلا أن يرفعوا قيود الإكراه عن الناس ويسمحوا لهم أن يستمعوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويقبلوا ما جاءهم به عن طواعية وحرية واختيار أو يرفضوه عن طواعية وحرية واختيار.

مفهوم العبودية لله  تعالى وعلاقته بالحرية:

                        لا يتعارض مفهوم العبودية لله تعالى مع مفهوم الحرية الإنسانية؛ فالعبودية لله تعالى عين الحرية. يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله تعلقاً على قول امرأة عمران ﴿رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا﴾ (آل عمران:35): “التعبير عن الخلوص المطلق بأنه تحرر تعبير موح . فما يتحرر حقاً إلا من يخلص لله كله، ويفر إلى الله بجملته وينجو من العبودية لكل أحد ولكل شيء ولكل قيمة، فلا تكون عبوديته إلا لله وحده؛ فهذا هو التحرر إذن . وما عداه عبودية وإن تراءت في صورة الحريةومن هنا يبدو التوحيد هو الصورة المثلى للتحرر . فما يتحرر إنسان وهو يدين لأحد غير الله بشيء ما في ذات نفسه، أو في مجريات حياته، أو في الأوضاع والقيم والقوانين والشرائع التي تصرف هذه الحياة . . لا تحرر وفي قلب الإنسان تعلق أو تطلع أو عبودية لغير الله . وفي حياته شريعة أو قيم أو موازين مستمدة من غير الله “(فى ظلال القرآن)؛ وذلك لأن الخضوع لله تعالى يقابله رفض الخضوع للبشر مهما بلغ سلطانهم، والخوف من الله يقابله عدم الخوف من البشر مهما بلغت قوتهم، واستحضار معية الله تعالى يكسب الإنسان عزة وشجاعة فى حضرة الجبابرة والأباطرة لشعوره أنه فى جوار ملك الملوك﴿وَلِلهَّ العِزَّة وَلِرَسُولِهِ وَلِلمُؤمِنِينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لَايَعلَمُونَ﴾( المنافقون:8)﴿مَن كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَلِلَّهِ العِزَّةُ جَمِيعًا﴾( فاطر: 10) كما أن عبودية الإنسان لله تعالى وتعوده الضراعة بين يديه والتذلل لعظمته لا يعنى تعوده الذلة والمهانة وذلك لأسباب كثيرة منها ما يلى:

العبودية لله تحرر النفس الإنسانية من الخوف على الحياة: خوف الإنسان على حياته قد يسترقه ويستذله لمن يعتقد أنه يملك أن يسلبه إياها والعبودية لله تحرر الإنسان من هذه الخرافة؛ فالإنسان الذى يعتقد أن له رباً واحداً هو الذى خلقه، وهو وحده الذى يملك حياته وموته، لابد أن يحرره ذلك من الخوف على حياته لأنها بيد الله وحده، والناس جميعاً لا يملكون له موتاً ولا حياة ولا نشوراً. قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفس أَن تَمُوتَ إِلا بِإِذنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلا﴾ (آل عمران: 145)وقال تعالى: ﴿وَلَن يُؤَخِّرَ اللهَّ نَفسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللهَّ خَبِير بِمَا تَعمَلُونَ﴾ (المنافقون: 11) وإذا اعتقد الإنسان: “أنه مهما حاول الفرار من الموت فإنه مدركه لا محالة كما في قوله تعالى:﴿أَينمَا تَكُونُوا يُدرِككُّمُ المَوتُ وَلَو كُنتُم فِي بُرُوج  مُّشَيَّدَة﴾ (النساء: 78 )فإن هذا يجعل المسلم قوياً شجاعاً، يأبى الذل والهوان، ومن هنا يتخلص من الخضوع للمتجبرين، وهذا ما نراه  واضحا في قصة  سحرة فرعون حين آمنوا بالله الإيمان الحقيقي ﴿قَالُوا لَن نّؤثِرَكَ عَلَى مَاجَاءنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقضِ مَا أَنتَ قَاض إِنَّمَا تَقضِي هَذِهِ الحَيَاةَ الدُّ نيَا﴾ (طه: 72)” (ناصر بن عبد الله التركي، الشخصية ومنهج الإسلام في بنائها ورعايتها، بتصرف).

  العبودية لله تحرر النفس الإنسانية من الخوف على الرزق:فإذا كان الخوف من الموت هو السبب الأول في ذلة الإنسان واسترقاقه، فإن السبب الثاني هو الخوف على الرزق من الانقطاع”) أبو الأعلى المودودي، مبادئ الإسلام) والعبودية لله تعالى تعنى أن يعتقد العبد أن رزقه بيد الله وحده وأن الناس لا يملكون له نفعاً ولا ضراً؛ وهذا الشعور يمثل قمة الحرية. قال تعالى:﴿قُل مَن يَرزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرضِ أَمَّن يَملِكُ السَّمعَ والأَ بصَارَ وَمَن يُخرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخرِجُ المَيَّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمرَ فَسَيَقُولُونَ اللهّ فَقُل أَفَلاتَتَّقُونَ﴾ (يونس: 31) وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَّ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ﴾ (الذاريات: 58) وقال تعالى: ﴿ وَمَا مِن دَآبَّة فِي الأَرضِ إِلا عَلَى اللهّ رِزقُهَا وَيَعلَمُ مُستَقَرَّهَا وَمُستَودَعَهَا كُل فِي كِتَاب مُّبِين﴾ (هود: 6) وقال تعالى: ﴿اللهَّ يَبسُطُ الرِّ زقَ لِمَن يَشَاء مِن عِبَادِهِ وَيَقدِرُ لَهُ إِنَّ اللهَّ بِكُلِّ شَيء عَلِيم﴾( العنكبوت: 62) ولو اجتمع الخلق لينقصوا من رزقك شيئاً لم يقدروا وهذا ما بينه صلى الله عليه وسلم بقوله: «إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكاً فيؤمر برزقه وأجله وشقي أو سعيد»(صحيح البخاري) وفى الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «إِنَّ الرُّوحَ الأَمِينَ نَفَثَ فِي رُوعِي : أَنَّهُ لا تَمُوتُ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا، فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلا يَحْمِلَنَّ أَحَدَكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ، أَنْ يَتَنَاوَلَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّهُ لَنْ يُنَالَ مَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا بِطَاعَتِهِ “»(رواه الحاكم فى المستدرك).

العبودية لله تحرر النفس الإنسانية من الخوف على المنصب: “فالسبب الثالث لاستعباد الناس وذلتهم إنما هو الحرص الشديد على المنصب أو  المكانة الاجتماعية، فنجد بعض الناس يصب كل اهتمامه على الاحتفاظ بوظيفته مهما كانت الوسيلة، مما يجعله يتزلف ويرائي من يظن أن بيده إقالته، فيعيش منحني الرأس ذليلاً مهاناً” (عبد الحليم محمود، منهج الاصلاح الإسلامي في المجتمع) يقول ابن تيمية رحمه الله: ” طالب الرياسة والعلو في الأرض قلبه رقيق لمن يعينه عليها، ولو كان في الظاهر مقدمهم والمطاع  فيهم، فهو في الحقيقة يرجوهم ويخافهم فيبذل لهم الأموال والولايات ويعفو عما يجترحونه ليطيعوه ويعينوه، وهو في الظاهر رئيس مطاع، وفي الحقيقة عبد مطيع لهم” (ابن تيمية، العبودية) والعبودية لله تعنى أن يوقن العبد أن النافع الضار هو الله وحده فيتحرر من الذلة لمن يتوهم المتوهمون أن النفع والضر بأيديهم.قال تعالى: ﴿وَإِن يَمسَسكَ اللهّ بِضُر فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِن يُرِدكَ بِخَير فَلا رَآدَّ لِفَضلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِن عِبَادِهِ وَهُوَ الغَفُورُ  الرَّحِيمُ﴾ ( يونس: 107).

العبودية لله تحرر النفس الإنسانية من التبعية: فالنفس الحرة تأبى حركة القطيع، والعبودية لله تعالى تعنى رفض السير فى ركاب السادة والكبراء دون إرادة واختيار، فقد رفض القرآن الكريم اعتذار المستضعفين باتباع السادة والكبراء  في العقيدة ومنهج الحياة ﴿قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ* وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ﴾ (الأعراف:38-39). يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله: “فلكل جريمته وإثمه. المستكبرون عليهم وزرهم، وعليهم تبعة إضلال الآخرين وإغوائهم. والمستضعفون عليهم وزرهم، فهم مسؤولون عن اتباعهم للطغاة، لا يعفيهم أنهم كانوا مستضعفين. لقد كرمهم الله بالإدراك والحرية، فعطلوا الإدراك وباعوا الحرية؛ ورضوا لأنفسهم أن يكونوا ذيولاً؛ وقبلوا لأنفسهم أن يكونوا مستذلين. فاستحقوا العذاب جميعاً”(فى ظلال القرآن). وفى الحديث يقول  رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا» (رواه الترمذي). وقد كان الإسلام قائداً فى كل حركات التحرر من الاستعمار الغربى فى كل مكان وجد فيه فى مصر وليبيا والجزائر والمغرب وتونس وما زال الإسلام يقود الشعوب التواقة للحرية فى ثوراتها لتحقيق العيش والحرية والكرامة الإنسانية والتحرر من التبعية.

العبودية لله تحررر النفس الإنسانية من شهواتها: يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله: “هنالك حرية إنسانية تليق بتكريم الله للإنسان . تلك هي حرية الانتصار على هوى النفس والانطلاق من أسر الشهوة، والتصرف بها في توازن تثبت معه حرية الاختيار والتقدير الإنساني . وهنالك حرية حيوانية، هي هزيمة الإنسان أمام هواه، وعبوديته لشهوته، وانفلات الزمام من إرادته. وهي حرية لا يهتف بها إلا مخلوق مهزوم الإنسانية مستعبد يلبس عبوديته رداء زائفاً من الحرية”(فى ظلال القرآن).      و لذلك “لم يترك الإسلام الإنسان لأن يكون عبداً لنفسه واتباع شهواتها ورغباتها وملذاتها فتؤدي به إلى المهاوي والطغيان، إنما حرره من هذه الشهوات ودعاه إلى الزهد مع القدرة دون العجز، وبالمقابل أباح له الاستمتاع بالملذات الدنيوية المباحة، ولكن بين له أن هذا المتاع قليل بمقابل متاع الآخرة، وهذا لمن اتقى ربه وعقل ذلك، قال تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَئ فَمَتَاعُ الحَيَاةِ الدّنيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللهَّ خَير وَأَبقَى أَفَلَا تَعقِلُونَ﴾(القصص: 60). ووازن سبحانه بين متاع الدنيا ومتاع الآخرة، لتحرير نفس الإنسان لشهواته، وقال تعالى:﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالبَنِينَ وَالقَنَاطِيرِ المُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالخَيلِ المُسَوَّمَةِ وَالأنعَامِ وَالحَرثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَاللهّ عِندَه حُسنُ المَآبِ * قُل أَؤُنَبِّئُكُم بِخَير مِّن ذَلِكُم للَّذِينَ اتَّقَوا عِندَ رَبِّهِم جَنَّات تَجرِي مِن تَحتِهَا  الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزوَاج مُّطَهَّرَة وَرِضوَان مِّنَ اللهّ وَاللهّ بَصِير بِالعِبَادِ﴾(آل عمران: 14- 15)” (محمد أبو عجوة، المجتمع الإسلامي)

من ضوابط الحرية في القرآن والسنة:

            ضوابط الحرية فى الإسلام ليست قيوداً ولكنها علامات هادية تشبه علامات المرور التى تمنع الإنسان من التردى فى الهاوية أو الاصطدام بغيره أثناء سيره،”وقد ضرب لنا رسول الله  صلى الله عليه وسلم  مثلاً من أروع الأمثلة، يبين الحد الفاصل بين الحرية والفوضى: «كمثل قوم استهموا على سفينة؛ فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على مَنْ فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذِ من فوقنا! فإن يتركوهم وما أرادوا؛ هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم؛ نجوا ونجوا جميعًا»(رواه البخاري). في هذا المثل الرائع يتبين الموقف ممن يسيؤون استعمال حريتهم الشخصية بما يؤذي الأمة ويضر الوطن ويفسد الأمر على الناس جميعًا، فدائرة حرية الفرد تتسع في نظر الإسلام مادام لا يؤذي بهذه الحرية نفسه أو مجتمعه أو دينه، أما إذا استغل هذه الحرية للإضرار بنفسه أو إيذاء مجتمعه أو الإضرار بدينه؛ عند ذلك يقف الإسلام في وجهه، فإن أخذوا على يده نجا ونجوا، وإن تركوه هلك وهلكوا» (موقع السكينة، بتصرف). ومن  أهم ضوابط الحرية فى الإسلام ما يلى:

احترام تعاليم الدين وقيم المجتمع: فممارسة الإنسان لحريته لا تعنى أن يزدرى عقائد الآخرين وشعائرهم، كما لا تعنى خروج الإنسان على ثقافة المجتمع وأعرافه وتقاليده وقيمه. فالمسلم لا يمكنه الخروج بحال على تعاليم الإسلام بدعوى الحرية، وغير المسلم يلزمه احترام عقيدة المسلمين وشعائرهم كما يحترم المسلمون حقه فى ممارسة شعائر دينه. والجميع مطالب باحترام ثقافة المجتمع وتقاليده وقيمه، وان اختلف مع بعض تفاصيلها. ومجتمعنا ثقافته هى الثقافة الإسلامية التى تمثل بالنسبة للمسلمين عقيدة وبالنسبة لغير المسلمين حضارة. ومن أهم القيم التى تتصل بالحرية الشخصية ويجب الالتزام فيها بتعاليم الدين وقيم المجتمع العلاقة بين الرجل والمرأة، واعتبار الأسرة  بشكلها الشرعى حجر الزاوية فى البناء الاجتماعى. وأى علاقة بين الرجل والمرأة خارج إطار الزواج الشرعى محرمة شرعاً مرفوضة عرفاً وليست من الحرية فى شئء.

احترام حرية الآخرين: فحق غيرك فى ممارسة حريته لا يقل عن حقك، وأنت حر ما لم تضر، وحريتك تنتهى عندما تبدأ حرية الآخرين، والقاعدة الشرعية التى تقرر ذلك بوضوح تقول: «لا ضرر ولا ضرار», وفى السنة المطهرة  يوضح الرسول صلى الله عليه وسلم ضوابط الجلوس فى الطرقات إذا لم يكن من ذلك بد فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والجلوس بالطرقات، فقالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بدٌّ نتحدث فيها، فقال: إذ أبيتم إلا المجلس، فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» (متفق عليه).

احترام التخصص: فالحرية لا تعنى أن يقول من شاء ما شاء، ولا أن يفعل من شاء ما شاء؛ ولكن يجب أن يشتغل الإنسان بما يحسنه، وخاصة فى أمور الدين؛ فلا يتصدر للفتوى  إلا من استكمل شروطها ودرس علومها، ومن صور الفوضى التى مارسها البعض بدعوى الحرية تصدر بعض الفنانين والإعلاميين للحديث فى علوم الدين بغير علم ولا بضاعة، ودعوتهم إلى الارتداد عن الدين وتعطيل أحكام الشرع .قال تعالى: ﴿أَفَحُكمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبغُونَ وَمَن أَحسَنُ مِنَ اللهّ حُكمًا لِّقَوم يُوقِنُونَ﴾(المائدة:50).

تطبيقات عملية:

لماذا الإصرار علي ترسيخ قيمة الحرية وأهمية المطالبة بها؟؟ نقاش يديره القائد الثورى

الشعب المصرى تعود علي الخضوع للحاكم طيلة عمره….مامدى صحة المقولة؟مالثورات الي قام بها؟ من المستفيد من هذه المقولة؟ نقاش يديره القائد الثورى.

شاهد أيضاً

وفي الصوم زاد.. من تراث الأستاذ مصطفى مشهور رحمه الله

يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *