للمرة الثامنة على التوالي، يعلن عبدالفتاح السيسي، حالة الطوارئ في محافظة شمال سيناء، وتحديداً في مدن العريش والشيخ زويد ورفح، في إطار ما أسماه الحرب على الإرهاب، وبموافقة مجلس نوابه. هذا القرار الذي يتسبب بوقوع خسائر بشرية ومادية وبانتهاكات قانونية في تلك المدن.
وتنص المادة 154 من دستور الانقلاب صراحة على أن إعلان حالة الطوارئ لا يكون إلا لمدة ثلاثة أشهر، ولا يتم تجديدها إلا لمدة مماثلة، بيد أن التلاعب ظهر مع الحديث على عدم دستورية قرارات السيسي. وكان وزير الشؤون القانونية في حكومة الانقلاب، مجدي العجاتي، أكد أن إعلان حالة الطوارئ في سيناء لا يشكل مخالفة للمادة 154، معتبراً أن السيسي أصدر قراراً جديداً بإعلان الطوارئ، وليس تمديد الإعلان الصادر في شهر أكتوبر 2015.
وتبدو حالة الطوارئ بلا تأثير واضح على سير العمليات العسكرية ضد تنظيم “ولاية سيناء”، الذي يتبع تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش).
وعلى عكس ما يصدره النظام الحالي وأجهزته العسكرية والأمنية، حول ضرورة استمرار فرض حالة الطوارئ لما لها من تأثير كبير على مواجهة المسلحين، إلا أنها لم تقف حائلاً أمام العمليات المسلحة، إذ تصاعدت حدة الهجمات على قوات الجيش والشرطة خلال الشهرين الماضيين، ليتراوح عددها بين 27 و30 عملية في غضون ثلاثة أسابيع.
كما تحولت إلى وبال على المدنيين، مع التوسع الكبير من قوات الجيش والشرطة المصرية في الانتهاكات الممنهجة بحق أهالي سيناء، في ظل عدم القدرة الفعلية على بسْط السيطرة على الأرض. وسقط مئات القتلى والجرحى من المدنيين في سيناء بينهم عدد كبير من النساء والأطفال، خلال العمليات العسكرية سواء بقذائف المدفعية أو صواريخ الطائرات الحربية، أو إطلاق الرصاص العشوائي على المواطنين.
وتتسبب حالة الطوارئ بتدهور الأوضاع الحقوقية، في ظل صمت منظمات المجتمع المدني بفعل عدم إتاحة الفرصة لها لتوثيق حجم الانتهاكات التي تصاحب العمليات العسكرية، إذ يفرض الجيش والأجهزة الاستخباراتية حالة من الضبابية وعدم الشفافية حول ما يدور في سيناء.
ويرفض نواب محافظة شمال سيناء التصويت على تمديد حالة الطوارئ. من جهته يعتبر شيخ قبلي في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “حالة الطوارئ ما هي إلا إجراء عقابي لأهالي سيناء، لا سيما أن دماء المدنيين باتت تفوح من كل مكان، في ظل التوسع في القتل دون محاسبة لأحد، وهو ما يعتبر جرائم حرب”، على حد قوله. ويقول الشيخ القبلي إن الجميع في سيناء أصيب بالملل من جراء المطالبات بوقف الانتهاكات بحق المدنيين، مع سقوط قتلى من النساء والأطفال، متسائلاً “لماذا يصرّ الجيش على عداء الأهالي”. ويضيف أن حالة الغضب من الجيش والشرطة تتزايد يوماً بعد يوم، مع عدم وجود أفق لانتهاء العمليات العسكرية، واستمرار الانتهاكات والقتل والتصفيات تحت ذريعة أنهم إرهابيون. ويشدد على أن الإرهابيين لا يتواجدون وسط الأهالي كما يدّعي الجيش، وبذلك ينفذون عمليات انتقام جماعي”، مؤكداً أن “الحياة في سيناء باتت خربة، والأوضاع المعيشية سيئة للغاية، وانقطاع الكهرباء والمياه لا تتوقف”.
من جهته، يقول حقوقي مصري إن الأوضاع في سيناء غير واضحة أو مفهومة بالمرة، لا سيما في ظل التعتيم الذي يفرضه الجيش والقوات الأمنية على طبيعة العمليات. ويضيف الحقوقي نفسه، إن ملف سيناء حساس وشائك. ويشير إلى أن الأمر الثابت هو وجود انتهاكات جسيمة، وهو ما يظهر جلياً من خلال متابعة ما ينشره ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، من معلومات عن قتلى وجرحى في صفوف المدنيين. ويلفت إلى أن الخبرة التاريخية المجردة تفيد أن تدخّل الجيوش في أي منطقة يقطنها مدنيون، يؤدي إلى حدوث انتهاكات جسيمة وسقوط قتلى وجرحى جراء تلك العمليات العسكرية.
ويوضح الحقوقي المصري أن وسائل الإعلام المختلفة وحتى التي تأخذ طابع المعارضة، لا تجرؤ على الحديث حول سيناء إلا في إطار المعلومات التي تصدر عن الجيش أو قوات الأمن، وبالتالي فإن جانب معاناة الأهالي الذي يتفاقم، لا يتم تسليط الضوء عليه إعلامياً، وهو ما قد يشكل خطورة لا يدركها النظام الحالي، من زيادة انفصال سيناء عن مصر وإحساس أبنائها بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية.
وحول عدم إصدار تقارير تتحدث عن طبيعة الأوضاع الصعبة في سيناء، يشدد المصدر نفسه على وجود تضييق على منظمات المجتمع المدني وبالأخص الحقوقية، في ما يتعلق بتوجيه انتقادات لعمليات تعذيب أو إهمال طبي في أماكن الاحتجاز، متسائلاً: “فماذا سيحدث عند التحدث عن انتهاكات للجيش وقتل للمدنيين؟”. ويوضح أن مسألة إصدار تقارير حول وضع حقوق الإنسان المتردي، صعبة ليس فقط لناحية تربص الجيش بأي شخص يتطرق للأمر، ولكن أيضاً لصعوبة توثيق هذه الانتهاكات، فلا يمكن لمنظمة حقوقية السفر إلى سيناء والتواصل مع المواطنين ومعرفة عدد القتلى والجرحى.
ويقول الحقوقي المصري نفسه إن تردّي أوضاع حقوق الإنسان لا تتعلق جميعها بالقتلى والجرحى، ولكن أيضاً بالخسائر المادية التي يتكبدها الأهالي جراء عمليات القصف، فضلاً عن الأضرار التي تلحق بالقطاع الزراعي وقطع أرزاق المواطنين هناك. ويلفت إلى وجود أزمات تتعلق بنقص المياه وانقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة، إما عن قصد أو نتيجة إصابة الشبكات بقذائف وصواريخ، مما يلحق بها أضراراً بالغة، في ظل تحرك بطيء من المحافظة وأجهزة الدولة لإصلاحها. ويتساءل المصدر “لماذا لا يتجه مجلس النواب لعقد جلسة سرية، على الأقل، مع قيادات القوات المسلحة والأجهزة الأمنية التي تشارك في العمليات بسيناء لمواجهة المسلحين، حول عدم تحقيق نتائج ملموسة، حتى الآن، والقضاء على الإرهاب هناك؟ وهنا لن نتحدث عن انتهاكات، ولكن على الأقل بات هناك برلمان يحقّ له المراقبة والمساءلة”.