الخميس , أكتوبر 9 2025
الرئيسية / إسلاميات / أفكار ثورية (1) من أساليب المقاومة المبدعة

أفكار ثورية (1) من أساليب المقاومة المبدعة

الافتتاحية: الآيات51-73من سورة الأنبياء

 قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ*إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ *قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ* وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ *فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ * قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ* قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ * قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ* وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ* وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ( الأنبياء:51-73).

   تتحدث الآيات الكريمة عن قصة إبراهيم عليه السلام مع أبيه وقومه؛ وهو يدعوهم إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام؛ وقد استخدم إبراهيم عليه السلام فكرة مبدعة لمقاومة هذه العقيدة الموروثة عند هؤلاء القوم الذين عطلوا حواسهم عن التدبر والتفكير؛ وجوهر هذه الفكرة هى إيقاظ الوعى لدى هؤلاء القوم عن طريق فعل صادم لمشاعرهم وتصوراتهم يدفعهم دفعاً إلى التفكير فى حقيقة العقيدة التى يقيمون عليها، والآلهة المزعومة التى يعكفون عليها. وهذا الفعل الصادم هو تحطيم تلك الأصنام التى يعبدونها من دون الله ما عدا الصنم الأكبر. يعقب ذلك إدارة حوار يخاطب فيه إبراهيم عليه السلام بقايا الفطرة والعقل عندهم بعد أن هزها هذا الفعل الصادم  هزاً عنيفاً وأيقظها يقظة مؤقتة  لعلها تتحول إلى يقظة دائمة؛ فيستنقذهم بذلك من  هذه الوهدة؛ فيتأكدوا أن  الأصنام التى يحنون أصلابهم أمامها غير قادرة على فعل شيء؛ فهى لا تسمع ولا تبصر ولا تدرك ولا تنطق، ولا تضر  ولا تنفع، ولا تغنى عنهم ولا عن نفسها شيئاً؛ فهى أضعف من أن تدافع عن نفسها فضلاً عن أن تدافع عنهم.

يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله: “آتينا إبراهيم رشده، وكنا عالمين بحاله وباستعداده لحمل الأمانة التي يحملها المرسلون.﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ فكانت قولته هذه دليل رشده؛ فقد سمى تلك الأحجار باسمها: ﴿هذِهِ التَّماثِيلُ﴾ ولم يقل إنها آلهة، واستنكر أن يعكفوا عليها بالعبادة، فكان جوابهم وحجتهم أن ﴿قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ﴾  وهو جواب يدل على التحجر العقلي والنفسي داخل قوالب التقليد الميتة، في مقابل حرية الإيمان، وانطلاقه للنظر والتدبر، وتقويم الأشياء والأوضاع بقيمها الحقيقية لا التقليدية﴿قالَ: لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾. وعندما واجههم إبراهيم بهذه الطلاقة في التقدير، وبهذه الصراحة في الحكم، راحوا يسألون: ﴿قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ﴾ وهو سؤال المُزَعْزَع العقيدة، الذي لا يطمئن إلى ما هو عليه، لأنه لم يتدبره ولم يتحقق منه. ولكنه كذلك معطل الفكر والروح بتأثير الوهم والتقليد. فهو لا يدري أي الأقوال حق. والعبادة تقوم على اليقين لا على الوهم المزعزع الذي لا يستند إلى دليل! وهذا هو التيه الذي يخبط فيه من لا يدينون بعقيدة التوحيد الناصعة الواضحة المستقيمة في العقل والضمير. فأما إبراهيم فهو مستيقن واثق عارف بربه، متمثل له في خاطره وفكره، يقولها كلمة المؤمن المطمئن لإيمانه: ﴿قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ، وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ فهو رب واحد. رب الناس ورب السماوات والأرض. ربوبيته ناشئة عن كونه الخالق. فهما صفتان لا تنفكان ﴿بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ﴾  فهذه هي العقيدة المستقيمة الناصعة،  إنه واثق وثوق الذي يشهد على واقع لا شك فيه﴿وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ وإبراهيم عليه السلام لم يشهد خلق السماوات والأرض، ولم يشهد خلق نفسه ولا قومه.. ولكن الأمر من الوضوح والثبوت إلى حد أن يشهد المؤمنون عليه واثقين. إن كل ما في الكون لينطق بوحدة الخالق المدبر. وإن كل ما في كيان الإنسان ليهتف به إلى الإقرار بوحدانية الخالق المدبر، وبوحدة الناموس الذي يدبر الكون ويصرفه. ثم يعلن إبراهيم لمن كان يواجههم من قومه بهذا الحوار. أنه قد اعتزم في شأن آلهتهم أمرا لا رجعة فيه:﴿وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ﴾ ويترك ما اعتزمه من الكيد للأصنام مبهما لا يفصح عنه.. ولا يذكر السياق كيف ردوا عليه. ولعلهم كانوا مطمئنين إلى أنه لن يستطيع لآلهتهم كيدا. فتركوه! ﴿فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ﴾ وتحولت الآلهة المعبودة إلى قطع صغيرة من الحجارة والأخشاب المهشمة إلا كبير الأصنام فقد تركه إبراهيم ﴿لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ﴾ فيسألونه كيف وقعت الواقعة وهو حاضر فلم يدفع عن صغار الآلهة! ولعلهم حينئذ يراجعون القضية كلها، فيرجعون إلى صوابهم، ويدركون منه ما في عبادة هذه الأصنام من سخف وتهافت”(فى ظلال القرآن، بتصرف).

وقد نجحت هذه الفكرة المبدعة فى تحقيق يقظة مؤقتة قصيرة عند قوم إبراهيم عليه السلام؛ لكنها فشلت فى تحويلها إلى يقظة مستمرة أو مستقرة، وانطفأت سريعاً تحت ركام هائل من الخرافة والتقليد؛ فبعد أن “عاد القوم ليروا آلهتهم جذاذا إلا ذلك الكبير لم يرجعوا إليه يسألونه ولا إلى أنفسهم يسألونها: إن كانت هذه آلهة فكيف وقع لها ما وقع دون أن تدفع عن أنفسها شيئا. وهذا كبيرها كيف لم يدفع عنها؟. لم يسألوا أنفسهم هذا السؤال؛ لأن الخرافة قد عطلت عقولهم عن التفكير، ولأن التقليد قد غل أفكارهم عن التأمل والتدبر؛ فإذا هم يدعون هذا السؤال الطبيعي لينقموا على من حطم آلهتهم، وصنع بها هذا الصنيع:﴿قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ عندئذ تذكر الذين سمعوا إبراهيم ينكر على أبيه ومن معه عبادة هذه التماثيل، ويتوعدهم أن يكيد لآلهتهم بعد انصرافهم عنها! ﴿قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ * قالُوا: فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ﴾.وقد قصدوا إلى التشهير به، وإعلان فعلته على رؤوس الأشهاد! ﴿قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ﴾  فهم ما يزالون يصرون على أنها آلهة وهي جذاذ مهشمة. فأما إبراهيم فهو يتهكم بهم ويسخر منهم ﴿قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا. فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ﴾ والتهكم واضح في هذا الجواب الساخر؛ فلا داعي لتسمية هذه كذبة من إبراهيم عليه السلام والبحث عن تعليلها بشتى العلل التي اختلف عليها المفسرون؛ فهو إنما أراد أن يقول لهم: إن هذه التماثيل لا تدري من حطمها إن كنت أنا أم هذا الصنم الكبير الذي لا يملك مثلها حراكا. فهي جماد لا إدراك له أصلا. وأنتم كذلك مثلها مسلوبو الإدراك لا تميزون بين الجائز والمستحيل. فلا تعرفون إن كنت أنا الذي حطمتها أم إن هذا التمثال هو الذي حطمها ﴿فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ﴾  ويبدو أن هذا التهكم الساخر قد هزهم هزاً، وردهم إلى شيء من التدبر والتفكر﴿فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ، فَقالُوا: إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ﴾ وكانت بادرة خير أن يستشعروا ما في موقفهم من سخف، وما في عبادتهم لهذه التماثيل من ظلم. وأن تتفتح بصيرتهم لأول مرة فيتدبروا ذلك السخف الذي يأخذون به أنفسهم، وذلك الظلم الذي هم فيه سادرون. ولكنها لم تكن إلا ومضة واحدة أعقبها الظلام، وإلا خفقة واحدة عادت بعدها قلوبهم إلى الخمود﴿ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ﴾  وحقا لقد كانت الأولى رجعة إلى النفوس، وكانت الثانية نكسة على الرؤوس كما يقول التعبير القرآني المصور العجيب، كانت الأولى حركة في النفس للنظر والتدبر. أما الثانية فكانت انقلاباً على الرأس فلا عقل ولا تفكير؛ وإلا فإن قولهم هذا الأخير هو الحجة عليهم. وأية حجة لإبراهيم أقوى من أن هؤلاء لا ينطقون؟! ومن ثم يجبههم بعنف وضيق على غير عادته وهو الصبور الحليم. لأن السخف هنا يجاوز صبر الحليم:﴿قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ وهي قولة يظهر فيها ضيق الصدر، وغيظ النفس، والعجب من السخف الذي يتجاوز كل مألوف. عند ذلك أخذتهم العزة بالإثم كما تأخذ الطغاة دائما حين يفقدون الحجة ويعوزهم الدليل، فيلجأون إلى القوة الغاشمة والعذاب الغليظ:﴿قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ﴾ فيالها من آلهة ينصرها عبادها، وهي لا تملك لأنفسها نفعا ولا ضرا ولا تحاول لها ولا لعبادها نصرا ﴿قالُوا: حَرِّقُوهُ﴾ ولكن كلمة أخرى قد قيلت.. فأبطلت كل قول، وأحبطت كل كيد. ذلك أنها الكلمة العليا التي لا ترد: ﴿قُلْنا: يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ﴾. فكانت بردا وسلاما على إبراهيم. لقد ترك إبراهيم عليه السلام وطنا وأهلا وقوما. فعوضه الله الأرض المباركة وطنا خيراً من وطنه. وعوضه ابنه إسحاق وحفيده يعقوب أهلاً خيراً من أهله. وعوضه قوماً خيراً من قومه؛ فجعل من ذريته أمة عظيمة العدد، وجعل من نسله أئمة يهدون الناس بأمر الله، وأوحى إليهم أن يفعلوا الخيرات على اختلافها، وأن يقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة. وكانوا طائعين لله عابدين؛ فنعم العوض، ونعم الجزاء، ونعمت الخاتمة التي قسمها الله لإبراهيم”(فى ظلال القرآن، بتصرف).

دروس مستفادة من الآيات:

  • تغيير العقائد الباطلة، والأفكار الخرافية، والسلوكيات المنحرفة يحتاج إلى جهود عظيمة وأفكار مبدعة ونفس طويل.

  • الأفكار المبدعة ضرورية فى مقاومة الباطل، ولكنها ليست وحدها المؤثرة فى المشهد، وعدم نجاح إحدى الأفكار المبدعة فى تحقيق أهدافها لا يدعو إلى الإحباط واليأس.

  • …………………………………………………………………..أذكر دروساً أخرى.

ايقاظ الوعي:

عملية إيقاظ الوعى من أهم أساليب المقاومة المبدعة للواقع المرفوض المراد تغييره – وهو فى حالتنا الانقلاب العسكرى وحالة التبعية للغرب- فهى ميلاد جديد للإنسان لما تتضمنه من  إدراك جديد، وروح جديدة، وطاقة دافعة، و يعرف الوعى بأنه: “حالة عقلية من اليقظة يدرك فيها  الإنسان نفسه وعلاقاته بمن حوله من زمان ومكان وأشخاص كما يستجيب للمؤثرات البيئية استجابة صحيحة”(عبد الرحمن بدوى، الموسوعة الفلسفية) “والوعي كلمة تعبر عن حالة عقلية يكون فيها العقل بحالة إدراك وعلى تواصل مباشر مع محيطه الخارجي، والوعي بأمر ما يتضمن معرفته والعمل بهذه المعرفة؛ فالوعي: هو ما يكون لدى الإنسان من أفكار ووجهات نظر ومفاهيم عن الحياة والطبيعة من حوله. وقد يكون الوعي وعيا زائفا، وذلك عندما تكون أفكار الإنسان ووجهات نظره ومفاهيمه غير متطابقة مع الواقع، وقد يكون جزئيا، وذلك عندما تكون الأفكار والمفاهيم مقتصرة على جانب أو ناحية معينة وغير شاملة لكل النواحي والجوانب والمستويات المترابطة والتي تؤثر وتتأثر بعضها البعض”(ويكيبيديا الموسوعة الحرة، بتصرف).

وعلى ذلك فإن عملية إيقاظ وعى الشعب بخطورة الانقلاب يجب أن تخلق وعياً حقيقياً لا زائفا، وشاملاً لا جزئياً، وتبصر الشعب بحقوقه وواجباته، كما تبصره بخطورة الانقلاب على حاضره ومستقبله، وخطورته على عقيدته وهويته وحريته ولقمة عيشه على السواء. وتبصره بطبيعة المعركة وحجمها وامتداداتها المحلية والعالمية والمطلوب لمواجهتها مادياً ومعنوياً، ولكى يكون هذا الوعى حقيقياً لا زائفاً  يجب أن يقوم على الصدق والمصارحة دون تحوير أو تبرير أو تسطيح، وعلى الوصف الدقيق للواقع دون تهويل أو تهوين، وأن يعتمد على الحقائق الثابتة والمعلومات الدقيقة لا على الظنون  والتخمينات، ولكى يكون الوعى شاملاً لا جزئياً يجب أن يكون فردياً وجماعياً؛ فيضم الفرد والجماعة والمجتمع، والرجل والمرأة، ويكون كذلك عقلياً وروحياً؛ فيكشف أمام العقل الحقائق التى تدفعه للثورة على الظلم وتدعوه لمقاومته، ويثير أشواق الروح للتحرر من الواقع المؤلم، وتدفعه إلى الحركة والعمل المقاوم، كما تعينه على تحمل المشقة والألم الذى لا بد منه في طريق مقاومة الباطل. ولكى يكون الوعى شاملاً لابد أن يقدم أيضاً  البديل المقنع للواقع البشع ويجمع الناس حوله، ويزيل أى صورة مشوهة روجها الباطل عن هذا البديل مهما كانت جبال الزيف. “فالمعركــة فــي الأســاس معركة الشعب كله، ولــيست معركة  تيــار بعينــه، فحتــي لــو كــانت جماعــة الإخــوان المسلمين فــي صدارة المواجهــة، إلا أنهم ليسوا وحـدهم المعنيـين بـالأمر، بـل القضـية تطال الشعب كله، فهناك من سرق حريته، واستعبد إرادته، وأهـال التراب علي مستقبله، وهو ما يعني أمرين: أولهما: ضـرورة أن يشـارك المجتمـع بكامـل فئاتـه فـي معركـة كسـر الانقلاب، ثانيهما:  ضرورة أن تكون قضـايا الشـعب كلهـا شــديدة الحضــور”(فجر عاطف، قلم وميدان، العدد التجريبى، بتصرف).

وعملية إيقاظ الوعى تشكل جانباً هاماً من التربية السياسية عند الإخوان المسلمين؛ فقد ذكر الدكتور يوسف القرضاوى أن التربية السياسية عند الإمام البنا تقوم على سبع ركائز منها ثلاثة تتعلق بعملية إيقاظ وعى الشعوب الإسلامية: يقول الدكتور يوسف القرضاوي :”تقوم التربية السياسية لدى مدرسة حسن البنا على جملة دعائم أو معالم، نذكر هنا أهمها: الربط بين الإسلام والسياسة، إيقاظ الوعي بوجوب تحرير الوطن الإسلامي،  وإيقاظ الوعي بوجوب إقامة الحكم الإسلامي، وإقامة الأمة المسلمة، وإيقاظ الوعي بوجوب الوحدة الإسلامية، والترحيب بالنظام الدستوري، وحماية الأقليات والأجانب”(التربية السياسية عند حسن البنا). ويقول موضحاً هذه الدعائم الثلاثة: “الدعامة الثانية من دعائم التربية السياسية عند الإمام البنا، هي: إيقاظ الوعي والشعور بفرضية إقامة الحُكم الإسلامي؛ إذ هو الغاية من تحرير الوطن، ذلك أن طرد المستعمر، وتحرير الوطن من نِيره واستعباده ليس هدفًا في ذاته، إنما تقوية الوعي، والشعور بوجوب تحرير الأرض الإسلامية أو أرض الوطن الإسلامي، من كل سلطان أجنبي، وإجلاء المستعمر الغاصب عن ديار الإسلام كلها بكل وسيلة مشروعة، وبلادنا الإسلامية لا تحقق ذاتها، بل لا تتحرَّر حقَّ التحرُّر، إلا إذا تخلصت من كل آثار الاستعمار الثقافي والتشريعي والتعليمي والسياسي وغيرها… والدعامة الخامسة: إيقاظ الوعي والشعور بوجوب الوَحدة الإسلامية وضرورتها. فهي أيضا فريضة دينية، وضرورة دنيوية. أما فرضيتها، فلأنَّ الله جعل المسلمين أمة واحدة يسعى بذمتهم أدناهم وهم يَدٌ على مَنْ سواهم: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾(المؤمنون:52) وأما ضرورية هذه الوَحدة، فلما هو معلوم من أن الاتحاد قوة، والتفرق ضعف، فاللَّبنة الواحدة بمفردها ضعيفة، ولكن اللَّبنة إذا ضُمت إلى أخواتها: تُكوِّن بنيانًا متينًا يشدُّ بعضه بعضًا، يصعب هدمه أو النيْل منه، وإذا كانت الوَحدة مطلوبة في كل زمن، فهي في زمننا أشد ما تكون طلبا، فعصرنا عصر التكتلات، والكيانات الصغيرة لا بقاء لها. ولهذا رأينا الإمام الشهيد ينادي بالوَحدة الإسلامية، ويدعو إلى التفكير بجِد لإعادة الخلافة، وينتهز كل فرصة لتأكيد هذه المعاني وتثبيتها في عقول الإخوان وقلوبهم، حتى يشبَّ عليها الصغير، ويَهْرَم عليها الكبير”( يوسف القرضاوى، التربية السياسية عند حسن البنا، بتصرف).

بل إن الوسائل التربوية أو المحاضن التربوية الأساسية عند الإخوان المسلمين هدفها إعداد الإخوان إعداداً خاصاً يؤهلهم للقيام بعملية إيقاظ الوعى لدى المجتمع فهى بمثابة مراكز إعداد لقادة  ورواد العمل الاجتماعى بكل صوره وأشكاله، وإعداد لحملة مشاعل الوعى فى المجتمع. يقول الأستاذ عمر التلمسانى رحمه الله: “كان المقصود من نظام الأسر وحدة الفهم وإيجاد نوع من التكافل بين الاخوان المسلمين جميعا، أما الكتائب فهى أيضا صورة من صور النظام الخاص، ولم يكن هناك فروق بين هذه التشكيلات وكان الهدف منها جميعاً هو إيقاظ الوعى الإسلامى فى نفوس المصريين ليعودوا إلى تطبيق تعاليم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكان هدف الكتائب هو تحقيق أسلوب التربية العميقة وبشكل مباشر ولعل الأستاذ البنا قد اشتقه من اجتماعات دار الأرقم بن أبى الأرقم حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع المؤمنين به فى ذلك الوقت المبكر ولقد كان لهذا النظام تأثيره العميق على الاخوان فأفرز هذا النظام مجاهدين لا يخافون فى الله لومة لائم ودعاة مخلصين للعقيدة وعلماء على بينة من أمور دينهم”(إبراهيم قاعود،الإخوان المسلمون في دائرة الحقيقة الغائبة).والخلاصة أن معركة الوعى تقوم على مجموعة من الأسس منها ما يلى:

  • عملية إيقاظ الوعى مسئولية فردية وجماعية يجب أن يشارك فيها الجميع كل على قدر طاقته وفى الميدان الذى يحسنه.

  • عملية إيقاظ الوعى عملية مستمرة لأن عملية تزييف الوعى التى يقوم بها أعداء المشروع الإسلامى مستمرة.

  • عملية إيقاظ الوعي عملية شعبية بامتياز، فالشعب ميدانها ومضمارها؛ ولا يتحقق الوعى فى عزلة عن المجتمع وقضاياه.

توسيع الحاضنة الشعبية:

يعد توسيع الحاضنة الشعبية للثورة والمشروع الإسلامى من أساليب المقاومة المبدعة فى مواجهة الانقلاب وداعميه الاقليميين و الدوليين؛ فهناك نواة صلبة تمثل المشروع الإسلامى والثورة، والإخوان المسلمون فى القلب منها، وهذه النواة الصلبة لها حاضنتها الشعبية الأوسع التى تؤمن بالمشروع الإسلامى وبقيم الثورة وأهدافها  من  العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية وإن لم تنخرط بشكل مباشر فى حمل المشروع الإسلامى، أو تشارك بصورة مباشرة فى الفعاليات الثورية وعملية مقاومة الانقلاب، ولا شك أن توسيع هذه الحاضنة الشعبية وتعميق وعيها، وبث الأمل فى جنباتها يمثل تحدياً مهماً أمام الثوار؛ لأن أدوات الثورة المضادة تعمل على تفتيت هذه الحاضنة وتآكلها وتزييف وعيها، وصرفها عن احتضان الثورة والمشروع الإسلامى سواء بتغيير قناعتها بجدوى هذه المشروعات، أو  بتيئيسها من انتصارها. وبقدر نجاح الثورة وإعلامها ورموزها وشبابها ونسائها فى الالتحام بالمجتمع وتبنى همومه ومشكلاته وقضاياه  يكون نجاحهم فى توسيع الحاضنة الشعبية للثورة، وبالتالى تزداد قدرة الثورة على التوسع لتضم إليها  شرائح جديدة من المجتمع وأماكن جغرافية لم تصل إليها من قبل. ويمكن تلخيص أهمية الحاضنة الشعبية للثورة والمشروع الإسلامى فى النقاط التالية:

  • الحاضنة الشعبية درع تحمى الثورة، وبدونها يسهل القضاء عليها وإخمادها.

  • الحاضنة الشعبية رافد أساسى لقوى الثورة، كلما ضعفت الثورة فى نقطة انطلقت فتية فى نقطة أخرى.

  • الحاضنة الشعبية ممول أساسى للفعاليات الثورية وأعمال المقاومة وإعلام الثورة ورعاية المضارين.

العصيان المدني:

                        وهو من أهم أساليب المقاومة المبدعة ويعرف بأنه: “مقاومة الحكم والامتناع عن تنفيذ القوانين، و يقوم به الشعب بصورة سلمية متحضرة، ويتحرك فيه المجتمع بكل قطاعاته و أحزابه و جماعاته للتعبير عن مطالبهم الاجتماعية والسياسية، و يختلف عن الإضراب فى أنه يهدف إلى إنهاء حالة بينما يهدف الإضراب إلى إعلان موقف”(قلم وميدان، بتصرف). وقد استخدمت الشعوب الثائرة هذا الأسلوب فى العديد من الأماكن: فقد استخدمه الثوار في جنوب أفريقيا في مقاومة الفصل العنصري. وفي أوروبا استخدمه الثوار فيما عرف إجمالا بالثورات الملونة مثل الثورة الوردية في جورجيا والثورة البرتقالية في أوكرانيا والثورة البنفسجية في تشيكوسلوفاكيا.  و فى مصر استخدم العصيان المدنى فى ثورة 1919″( قلم وميدان،  العدد التجريبى، بتصرف).

واستخدم كذلك فى ثورة الهند ضد الاحتلال البريطانى، وقد بدأ  بالتوقف عن دفع ضريبة الملح عام 1930م “حينما أعلن  غاندى العصيان المدني الأكبر، واضطرمت الهند من أقصاها إلى أقصاها بدعوته، واضطرت حكومة الهند إلى اتخاذ أشد الإجراءات الدموية لسحق الثورة، واضطرت الحكومة البريطانية أن تصرح على لسان اللورد ايروين حاكم الهند أنها ترمي إلى السير بالمسألة الهندية إلى منح الهند استقلالها الذاتي، وأنها تعقد لبحثها مؤتمراً خاصاً هو الذي عرف بمؤتمر المائدة المستديرة، والذي استدعى غاندي من أعماق سجنه إلى شهوده، بعد أن التزمت حكومة الهند بوقف الإجراءات الاستثنائية، وإعادة النظر في ضريبة الملح”(فتحى رضوان، المهاتما غاندى حياته وجهاده).

تطبيقات عملية:

  • للقائد الثورى….ورد المجاهد أحد مرفقات الحملة مطلوب تفعيله

  • المقاومة المبدعة تحتاج لأفكار مبدعة…كل فرد يقترح وسيلة مقاومة أو أكثر مبدعة ..تناقش الأفكار في اللقاء وينفذ مايمكن تنفيذه أو يرفع لمستوى أعلي.

شاهد أيضاً

وفي الصوم زاد.. من تراث الأستاذ مصطفى مشهور رحمه الله

يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *