الحلقة الثانية : من زاد الثائرين(1)
14 يونيو، 2016
إسلاميات, تربوى
910 زيارة
من زاد الثائرين(1)
في القرآن الكريم زاد
الافتتاحية: سورة الأنفال: الآيات 2-4
قال تعالي: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ (الأنفال:2-4).
كمال الإيمان يقتضى وجل القلوب المؤمنة وزيادة الإيمان المستقر فى هذه القلوب عند ذكر الله عز وجل وتلاوة آياته. وهذا الوجل يعنى الخوف من الله لاستحضار عظمته وجلاله ويعنى كذلك رقة القلوب المؤمنة من أثر ذكر الله وتلاوة آياته. يقول الإمام الماوردى رحمه الله: وجلت قلوبهم فيه وجهان: أحدهما: خافت. والثاني: رَقّتْ”(تفسير الماوردى). ويوضح الشهيد سيد قطب رحمه الله معنى وجل القلوب المؤمنة عند ذكر الله وتلاوة القرآن الكريم بقوله: “إنها الارتعاشة الوجدانية التي تنتاب القلب المؤمن حين يذكر بالله في أمر أو نهي فيغشاه جلاله، وتنتفض فيه مخافته ويتمثل عظمة الله ومهابته، إلى جانب تقصيره هو وذنبه، فينبعث إلى العمل والطاعة… أو هي كما قالت أم الدرداء- رضي الله عنها- فيما رواه الثوري، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن شهر بن حوشب، عن أم الدرداء قالت: «الوجل في القلب كاحتراق السعفة، أما تجد له قشعريرة؟ قال: بلى.قالت: إذا وجدت ذلك فادع الله عند ذلك. فإن الدعاء يذهب ذلك».إنها حال ينال القلب منها أمر يحتاج إلى الدعاء ليستريح منها ويقر! وهي الحال التي يجدها القلب المؤمن حين يذكر بالله في صدد أمر أو نهي فيأتمر معها وينتهي كما يريد الله، وجلا وتقوى لله”( فى ظلال القرآن)
وأما زيادة الإيمان فقد فسرها الإمام الماوردى بزيادة التصديق والخشية فقال: ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيهِمْءَايَاتُهُ﴾ يعني آيات القرآن بما تضمنته من أمر ونهي. ﴿زَادَتْهُمْ إِيمَاناً﴾ فيه وجهان: أحدهما: تصديقاً. الثاني: خشية”(تفسير الماوردي) وفسرها الشهيد سيد قطب رحمه الله بزيادة الطمأنينة فقال: “والقلب المؤمن يجد في آيات هذا القرآن ما يزيده إيماناً، وما ينتهي به إلى الاطمئنان.. إن هذا القرآن يتعامل مع القلب البشري بلا وساطة، ولا يحول بينه وبينه شيء إلا الكفر الذي يحجبه عن القلب ويحجب القلب عنه فإذا رفع هذا الحجاب بالإيمان وجد القلب حلاوة هذا القرآن، ووجد في إيقاعاته المتكررة زيادة في الإيمان تبلغ إلى الاطمئنان، وكما أن إيقاعات القرآن على القلب المؤمن تزيده إيماناً، فإن القلب المؤمن هو الذي يدرك هذه الإيقاعات التي تزيده إيماناً.. لذلك يتكرر في القرآن تقرير هذه الحقيقة في أمثال قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ﴾.. ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾. ومن ذلك قول أحد الصحابة- رضوان الله عليهم-: كنا نؤتى الإيمان قبل أن نؤتى القرآن “(في ظلال القرآن، بتصرف)
دروس مستفادة من الآيات:
-
تلاوة القرآن زاد إيمانى يملأ القلب خشية لله وتوقيراً لأمره ونهيه.
-
من ثمرات تلاوة القرآن حق تلاوته زيادة الإيمان والتوكل علي الله وإحسان العبادة.
-
…………………………….أذكر دروساً أخرى.
لماذا فى القرآن زاد للثائرين؟
الثورة عمل مقاوم للظلم، رافض للبغى، مستعل علي معوقات الواقع وجراحاته وآلامه، ولذلك فهو عمل صعب خطير يحتاج إلي زاد عظيم مادى ومعنوى، وقد تعرضنا في دروس سابقة لبعض الزاد المادي مثل قوة البدن وسلامته، والأخذ بالأسباب، وإعداد العدة، وحسن التخطيط والتنفيذ و الابداع والابتكار لتطوير الحراك الثوري، وغير ذلك من الزاد المادى الذى يحتاج إليه الثائر حتي يكمل المسير ويحقق الأهداف. واليوم نستكمل الحديث عن الجانب الآخر من الزاد الذى لا غنى للثائر عنه، وهو الزاد المعنوى ونبدأ فيما يلي بالزاد القرآنى. وهو حقاً زاد المسلم فى طريقه إلي الله تعالي وفي حياته كلها خاصة وهو يثور علي الظلم والطغيان ويعمل ليل نهار ليقيم منهج القرآن في الأرض، ويحرر إرادة الناس من قيود الخرافة والاستغلال، ويكافح لحماية هوية الامة وثقافتها وتاريخها وحاضرها ومستقبلها.
ولا غرابة في ذلك “فالقرآن الكريم هو مصدر الهداية الإسلامية، وأصل الشريعة المحمدية، وأساس دين الإسلام ومادته. منه يأخذ المجتهدون، وعليه يعوّل المتشرعون والمستنبطون. لا علم لهم إلا ما علمهم إيّاه، ولا حكم إلا ما أرشدهم إليه، ولا عقيدة إلا ما ينص عليها. فهو للمسلمين قاموس علمهم، وقانون تشريعهم، ومحرر عقائدهم وعباداتهم؛ ودستور آدابهم ومعاملاتهم، ومرشد أئمتهم وحكوماتهم، والمعجزة الخالدة لنبيهم، ومركز جامعتهم؛ ومؤسس وحدتهم، حول لوائه يلتفون، وعند أخوته يلتقون، وبتلاوته يتعبدون فهو الكتاب الجامع، والنافع الشافع، والحكم العدل، والقول الفصل “لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ“ [فصلت: 42]. وما السنة إلا متمّمته، وما العلوم اللسانية واللغوية، نقليّها وعقليّها إلا خادمته، لأجله وجدت؛ ولكشف عجائبه وضعت، ولحفظه والمنافحة عنه وبيان وجوه إعجازه دوّنت. وما عرفت فى الدنيا أمة عنيت بكتابها عناية المسلمين بكتاب ربهم وسنة نبيهم، ولو كشفت غشاوة الأهواء والأغراض، وانزاح كابوس التقليد والضعف عن صدر هذه الأمة: قادتها وجمهورها، لتأكدت تمام التأكّد أن المنهج الوحيد الذى يحقّق آمالها وأمانيها إنما هو القرآن، بل أقول وأنا ممتلئ عقيدة: لا سبيل بغيره أبدا، فقد أحكمت الحوادث غلق كلّ باب يقوّى معنوية الأمة إلا القرآن الكريم الذى جعله الله ميزان العدالة فى الأرض، وكتب له الخلود إلى يوم الدين “(حسن البنا، نظرات في كتاب الله).
“والقرآن الكريم هو صوت الحق الذي قامت به السموات والأرض، ومعانيه هي الأشعة التي تألق فيها الوحي الأعلى، ففيها خلاصة كاملة للرسالات الأولى وللنصائح التي بذلت للإنسانية من فجر وجودها؛ فالقرآن ملتقى رائع للحكم البالغة التي قرعت أذان الأمم في شتى العصور واستعراض دقيق للأشفية السماوية التي احتاجت إليها الأرض جيلا بعد جيل..!! إنه لذلك مجمع الحقائق الثابتة. ومجلي عناية الله بعباده مذ خلقوا وإلى اليوم وإلى أن تنفض هذه الدنيا، فإن كانت آيات الكون صامتة يستنبط الناس منها الفكرة ويستخلصون منها العبرة فآيات القرآن ناطقة تعرف الناس بربهم”(محمد الغزالي، نظرات في القرآن، بتصرف).
رتل وارتق:
الزاد القرآنى مهم للثائر في ارتقائه المنزلة التى يستحقها أهل القرآن يوم القيامة، وكذلك في ارتقائه الروحي و سموه الخلقى وقوته النفسية في مواجهة الباطل، “ففى الحديث الذى رواه أبو داود والترمذي والنسائي وأحمد كلهم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقال لقارئ القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها. وكذلك ما رواه ابن ماجه في سننه وأحمد عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً يقال: لصاحب القرآن إذا دخل الجنة اقرأ واصعد، فيقرأ ويصعد بكل آية درجة حتى يقرأ آخر شيء معه. والظاهر من هذين الحديثين أن المراد حافظ القرآن الذي كان يعمل به في الدنيا، أي يعمل بما فيه: يمتثل اوامره ويجتنب نواهيه، قال صاحب عون المعبود شرح سنن أبي داود عند كلامه على شرح الحديث الأول: ويؤخذ من هذا الحديث أنه لا ينال هذا الثواب الأعظم إلا من حفظ القرآن وأتقن أداءه وقراءته كما ينبغي له “(إسلام ويب، مركز الفتوى).
ولا شك أن القرآن الكريم زاد يعين الثائر الحق ليرتقى قمة الصمود في مواجهة الباطل المستعلي، والظلم المنتفش، والفساد المتبجح المغرور. يقول الأستاذ مصطفى مشهور رحمه الله: “من أهم وأيسر وأغزر الوسائل وأكثرها فيضاً كتاب الله العزيز فهو معين لاينضب من الزاد، بل إننا نجد فيه أيضاً التوجيه الى غيره من الوسائل التى نتزود بها، إننا نجد فيه النور و الهداية و الرحمة و الذكر. فالقرآن يرشدنا الى أن تلاوته من أفضل الوسائل للتزود بالإيمان وتقوى الله، ويرشدنا الى توحيد الله الذى يحقق السلام و الطمأنينة داخل النفس، ويوجهنا الى عبادة الله التى تكسب صاحبها الزاد المتجدد من تقوى الله، ويدعونا الى التفكر فى خلق الله فنتعرف من خلاله على صفات الله فيتولد تعظيمنا وإجلالنا وتقديسنا لله سبحانه وتعالى وفى ذلك خير زاد من الإيمان بالله وتقواه، وفى القرآن نجد العظة و العبرة من قصص السابقين من الرسل وأقوامهم مما يزودنا بالخبرة و الحكمة ونحن ندعو الى الله. و القرآن يطلب منا طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والاقتداء به وفى ذلك خير عون وإرشاد فى الطريق، وفى القرآن التوجيه الى فعل الخير و الحث عليه و التحذير من الشر و البعد عنه، وفيه التذكير باليوم الآخر و البعث و الحساب و الجزاء، فيه الترغيب فى الجنة و التبشير بها و الترهيب من النار و التنفير منها، وبالجملة نجد فى القرآن كل خير يحتاجه الإنسان لتتحقق له السعادة والآخرة ويحفظه وينجيه من العنت و الشقاء فى الدنيا ومن عذاب الآخرة، كما أن فيه كل مقومات التربية التى تصنع رجال العقيدة وتفجر فيهم طاقات الخير”(زاد علي الطريق، بتصرف). ولا غنى للثائر المجاهد عن هذا كله وهو يقاوم الظلم، ويواجه الطغيان، ويحارب الفساد والاستبداد بكل أداواته الغاشمة.
وليدبروا آياته:
تدبر القرأن يساعد المسلم عامة والثائر خاصة علي الانتفاع بالقرآن الكريم، والحصول منه علي الزاد الذى يعينه علي مواصلة طريق الكفاح ولو توقف عن السير أقوام، ويثبت قلبه وأقدامه علي طريق الجهاد ولو زلت من حوله أقدام، ويرشده إلي الصواب ولو زاغت من حوله أفهام. يقول صاحب الظلال رحمه الله: “تدبر القرآن يزيل الغشاوة، ويفتح النوافذ، ويسكب النور، ويحرك المشاعر، ويستجيش القلوب، ويخلص الضمير، وينشئ حياة للروح تنبض بها وتشرق وتستنير”(فى ظلال القرآن). . . ومعايشة القرآن وتدبر معانيه والوقوف علي مقاصده والتأثر بوعده ووعيده، واحترام أوامره ونواهيه تأتي في مقدمة الأدوية الناجعة لعلاج القلب، قال تعالي: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلمُؤْمِنيْنَ﴾ (الإسراء: 82). يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: “لا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر، فإنه جامع لجميع منازل السائرين وأحوال العاملين ومقامات العارفين، وهو الذي يورث المحبة والشوق، والخوف والرجاء، والإنابة والتوكل، والرضا والتفويض، والشكر والصبر، وسائر الأحوال التي بها حياة القلب، والقرآن لا يشبع منه العلماء، ولا تفنى عجائبه، ولا تقلع سحائبه، ولا تنقضي آياته، ولا تختلف دلالاته، فهو نور البصائر من عماها، وشفاء الصدور من أدوائها وجواها، وحياة القلوب، ولذة النفوس، ورياض القلوب، وحادي الأرواح إلى بلاد الأفراح”(مدارج السالكين)). ويقول الشهيد سيد قطب رحمه الله: “الحياة في ظلال القرآن نعمة. نعمة لا يعرفها إلا من ذاقها. نعمة ترفع العمر وتباركه وتزكيه “(فى ظلال القرآن). يقول الأستاذ مصطفى مشهور رحمه الله: “لو أحسنَّا الصلة بآية واحدة من كتاب الله لسرى تأثيرها وهزت المشاعر وأنارت القلوب كتيار الكهرباء حينما يحدث الاتصال تسرى الكهرباء وتنير وتولد الطاقات أما إذا وجد العازل لم يسر التيار ولم يحدث له أى تأثير”(زاد على الطريق).
من ثمرات الزاد القرآني للثائر:
-
وضوح الغاية:فتلاوة الثائر لكتاب الله حق تلاوته ومعايشته لمعانيه تجعله يرى الغاية أشد وضوحاً؛ فالله هو الغاية؛ وهو المقصد، وهو المبتغى، وهو الملجأ والملاذ، وإليه وحده المرجع والمصير، وغاية الوجود الإنسانى علي هذه الأرض هى إقامة منهج الله فيها وعمارتها لتحقيق معنى الخلافة عنه سبحانه بإقامة العدل ومحاربة الظلم وتحرير البشر من الخضوع للبشر. أو كما قال سيدنا ربعي بن عامر رضى الله عنه: إخراج الناس من عبودية العباد إلي عبودية رب العباد ومن جور الأديان إلي عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلي سعة الدنيا والآخرة. ولا شك أن إدراك هذه الغاية يجعل الثائر يصوب نظرته للأمور وتقييمه للأحداث؛ فينظر إلي بواطن الأمور ولا يكتفى بظواهرها، ويرى مآلات الأمور ولا يقف عند مقدماتها، ويستطيع تصحيح المسار إذا اعوج فى ضوء هذه الغاية الواضحة ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (يوسف:108)؛ فهو لا يثور فقط للثروة المسروقة، والوطن المغصوب، والحق المسلوب، والكرامة المهدرة ولكن يثور قبل ذلك للدين المهان والشريعة المعطلة والعدالة الغائبة.
-
فهم حقيقة الصراع: فالقرآن الكريم ثورة علي الظلم الاجتماعى والاستغلال الاقتصادي والفساد الأخلاقى كما أنه ثورة علي العقائد الباطلة والأفكار المنحرفة سواء بسواء، أما ثورته علي العقائد الباطلة والأفكار المنحرفة فواضحة جلية ولا تحتاج إلى مزيد بيان وأما ثورته علي الظلم الاجتماعى والاستغلال الاقتصادى والفساد الأخلاقى فبيانه أن رسالة موسى عليه السلام كانت لتحرير بنى إسرائيل من العبودية للفراعنة وإنقاذهم من الرق والظلم الاجتماعى الواقع عليهم، وقد امتن الله تعالي عليهم بهذه النعمة التى لم يرعوها فقال سبحانه: ﴿وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50) وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ﴾ (البقرة:49-51). وكانت رسالة شعيب عليه السلام لعلاج الأوضاع الاقتصادية التى تهدد حياة الناس ومعايشهم من قطع الطريق، وفرض الإتاوات وتطفيف الكيل والميزان والغش وغير ذلك؛ وقد فهم قوم شعيب حقيقة دعوته وأدركوا العلاقة الوثيقة بين الصلاة وبين العقيدة وبين المعاملات ومنها التصرف في الأموال﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ (هود:87). وقد كانت رسالة لوط عليه السلام لعلاج الفساد الأخلاقى الذى يهدد استمرار النوع الإنسانى ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ * قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ * قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ * رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ * فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ * ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآَخَرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (الشعراء:160-174). والإسلام يحارب هذه الأدواء الثلاثة التى تفسد البلاد وتعطل مصالح العباد، وتمنع تحقق الغاية من الوجود الإنسانى علي هذه الأرض.
-
زيادة المعرفة بطبيعة الطريق: تضمن القرآن الكريم قوانين عامة توضح طبيعة الطريق وأنه طريق شاق طويل كثير العقبات والمنعطفات والأشواك ولكن نهايته النصر فى الدنيا و الجنة فى الآخرة ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ (البقرة:214). ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ (العنكبوت:2-3) لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (آل عمران:186). وقد كان الإمام البنا رحمه الله صريحاً واضحاً وهو يصف طبيعة الطريق للإخوان ويستشهد لها من القرآن. قال رحمه الله: ” أحب أن أصارحكم أن دعوتكم لا زالت مجهولة عند كثير من الناس، ويوم يعرفونها ويدركون مراميها ستلقي منهم خصومه شديدة وعداوة قاسية، و ستجدون أمامكم كثيراً من المشقات وسيعترضكم كثير من العقبات، وفي هذا الوقت وحده تكونون قد بدأتم تسلكون سبيل أصحاب الدعوات، أما الآن فلا زلتم مجهولين تمهدون للدعوة وتستعدون لما تتطلبه من كفاح وجهاد. سيقف جهل الشعب بحقيقة الإسلام عقبة في طريقكم، وستجدون من أهل التدين ومن العلماء الرسميين من يستغرب فهمكم للإسلام وينكر عليكم جهادكم في سبيله، وسيحقد عليكم الرؤساء والزعماء وذوو الجاه والسلطان، وستقف في وجهكم كل الحكومات علي السواء، وستحاول كل حكومة أن تحد من نشاطكم وأن تضع العراقيل في طريقكم، وسيتذرع الغاصبون بكل طرق لمناهضتكم وإطفاء نور دعوتكم، وسيستعينون في ذلك بالحكومات الضعيفة والأيدي الممتدة إليهم بالسؤال وإليكم بالإساءة والعدوان . وسيثير الجميع حول دعوتكم غبار الشبهات وظلم الاتهامات، وسيحاولون أن يلصقوا بها كل نقيصة، وأن يظهروها للناس في أبشع صورة، معتمدين علي قوتهم وسلطانهم، ومعتدين بأموالهم ونفوذهم ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ (التوبة:32) وستدخلون بذلك ولا شك في دور التجربة والامتحان، فستجنون وتعتقلون، وتنقلون وتشردون، وتصادر مصالحكم وتعطل أعمالكم وتفتش بيوتكم، وقد يطول بكم مدي هذا الامتحان﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ﴾ (العنكبوت:2). ولكن الله وعدكم من بعد ذلك كله نصرة المجاهدين ومثوبة العاملين المحسنين ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ…. فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾(الصف:10-14) فهل أنتم مصرون علي أن تكونوا أنصار الله؟”(حسن البنا،مجموعة الرسائل).
-
تجديد الطاقة وتقوية العزيمة: فقد يتعرض الثائر لفتور العزم نتيجة لضعوط الواقع وضبابية الرؤية وانصراف رفاق الكفاح؛ لذلك فهو فى أمس الحاجة إلى تجديد طاقة الكفاح، وشحذ عزيمة الجهاد، والقرآن الكريم خير من يقوم بهذه المهمة. يقول الله تعالي لصاحب الرسالة الخاتمة التى تواجه الباطل إلى آخر الزمان:﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا * إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا﴾ (المزمل:1-8) دقق في الآيات تجد ستة أشياء من مجددات العزائم هي: قم ورتل، واذكر وتبتل، وسبح واصبر، يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله: ” إنها دعوة السماء, وصوت الكبير المتعال. قم للأمر العظيم الذي ينتظرك, والعبء الثقيل المهيأ لك. فقد مضى وقت النوم والراحة. إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحاً, ولكنه يعيش صغيراً ويموت صغيراً. فأما الكبير الذي يحمل هذا العبء الكبير. فماله والنوم? وماله والراحة? وماله والفراش الدافئ, والعيش الهادئ? والمتاع المريح?! ولا شك أن الاتصال بالله, وتلقي فيضه ونوره, والأنس بالوحدة معه والخلوة إليه, وترتيل القرآن والكون ساكن, واستقبال إشعاعاته وإيحاءاته وإيقاعاته في الليل الساجي هو الزاد لاحتمال القول الثقيل, والعبء الباهظ، والجهد المرير الذي ينتظر الرسول وينتظر من يدعو بهذه الدعوة في كل جيل وينير القلب في الطريق الشاق الطويل, ويعصمه من وسوسة الشيطان, ومن التيه في الظلمات الحافة بهذا الطريق المنير”(فى ظلال القرآن).
-
الهداية إلي الرشد:يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾(الإسراء:9) ويقول سبحانه: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾ (الإسراء:82). يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله: “إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم”هكذا على وجه الإطلاق فيمن يهديهم وفيما يهديهم، فيشمل الهدى أقواما وأجيالا بلا حدود من زمان أو مكان؛ ويشمل ما يهديهم إليه كل منهج وكل طريق، وكل خير يهتدي إليه البشر في كل زمان ومكان يهدي للتي هي أقوم في عالم الضمير والشعور ويهدي للتي هي أقوم في التنسيق بين ظاهر الإنسان وباطنه، وبين مشاعره وسلوكه، وبين عقيدته وعمله، بالحياة. ويهدي للتي هي أقوم في عالم العبادة بالموازنة بين التكاليف والطاقة، فلا تشق التكاليف على النفس حتى تمل وتيأس من الوفاء. ولا تسهل وتترخص حتى تشبع في النفس الرخاوة والاستهتار ويهدي للتي هي أقوم في علاقات الناس بعضهم ببعض: أفرادا وأزواجا، وحكومات وشعوبا، ودولا وأجناسا، ويقيم هذه العلاقات على الأسس الوطيدة الثابتة التي لا تتأثر بالرأي والهوى، ولا تميل مع المودة والشنآن؛ ولا تصرفها المصالح والأغراض ويهدي للتي هي أقوم في تبني الديانات السماوية جميعها والربط بينها كلها، وتعظيم مقدساتها وصيانة حرماتها فإذا البشرية كلها بجميع عقائدها السماوية في سلام ووئام”(فى ظلال القرآن).
-
الثبات في الملمات:من الحكم الجليلة لتنزل القرآن منجماً على ثلاث وعشرين سنه هو تثبيت قلب الرسول صلي الله عليه وسلم.قال تعالي:وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا * وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (الفرقان:33)وهو نفس الأثر الذى يتحقق من تلاوة القرآن الكريم مرة بعد مرة. وكذلك فإن من الحكم الجليلة للقصص القرآنى تثبيت القوب عندالشدائد﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (هود:120).والثائر المؤمن المجاهد فى حاجة إلى توثيق صلته بالقرآن والتعلق به تعلقاً يملأ عليه أقطار نفسه حتى يفيض عليه القرآن الكريم من عطاءاته المتجددة ومنها تثبيت القلوب فى الشدائد والملمات حتى يأتى نصر الله تعالى.
تطبيقات عملية:
-
يراجع كل فرد علاقته بالقرآن الكريم ويلزم نفسه بما يتم الاتفاق عليه.
-
يراجع القائد الثورى إخوانه في علاقتهم بالقرآن الكريم ويعين الضعيف منهم.
هكذا القرءان دائمًا ، هو رفيقنا فى كل موقف ، وهو الشفاء لكل داء ، و هو البيان لكل أمر ملتبس .