أخلاقيات وأدبيات وقت الاختلاف والخلاف .. بقلم : صالح المختار
3 يناير، 2016
مقالات
476 زيارة
إن الاختلاف في الرؤي والأفكار والوسائل من عوامل الصحة والقوة والمرونة في جماعة الاخوان المسلمين ، ويسمي اختلاف التنوع وليس اختلاف التضاد ، ولا يستطيع أخ ان يقرر غير ذلك ، وهذا يتفق مع ما جاء به القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة ولذلك جعل الله عز وجل الاختلاف لايزال قائما بين الأفراد والناس والجماعات ، بل جعله علة خلقهم ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾.
لكن أن يتحول الاختلاف إلى نزاع أو خلاف أو سوء ظن فهذا ما حذرنا منه المولي سبحانه وتعالي والتجربة علي أنه باب من أبواب الشيطان الذي يجب أن نحذر منه بل هو خطر شديد علي الجماعة وأفرادها ومؤسساتها ، ورحم الله الشيخ مصطفي السباعي حيث قال: “قد يأتي من باب ويغريك بتصديع وحدة الجماعة عن طريق الجهر بالحق” ، إن نزغ الشيطان لا يكون بين متخاصمين أو فئتين بل ينزغ بين الإخوة والأهل والأحبة والصف المرصوص الذي يجاهد الباطل ويرفع راية الحق وعلي القلوب المتحابة وليس علي القلوب المختلفة ولذلك قال يوسف عليه السلام ﴿بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي﴾ ، قال قتادة في “تفسير الدر المنثور” : نزغ الشيطان ، تحريشه.
ولكي نواجه نزغ الشيطان وتحريشه بنا ، والذي يريد أن يصرفنا عن الجادة وعن الطريق المستقيم علينا أن نتعلم هدي النبي صلي الله عليه وسلم ، ومن الامور التي تجعلنا بعيدين عن النزاع والخلاف وسوء الظن :
1) لين الكلام فلا تلجأ إلى اللفظ القاسي ولو كنت تجادل عن دين الله أو حق تعتقد ، فلا شك أن القسوة والغلظة والعبارة الجافة تحول الخلاف بيننا من خلاف على مبدأ إلي نزاع شخصي ، يقول سبحانه وتعالى ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾، ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾، قال الحسن البصري : “التي هي أحسن، لا يقول مثل قوله بل يقول له يرحمك الله ، يغفر الله لك” ، قال ابن القيم مفسرًا “التي هي أحسن ، فرب حرب وقودها جثث وهام أهاجها القبيح من الكلام”.
2) الوحدة والائتلاف ونبذ الفرقة والخلاف ، ولو كانت ظاهريا ،وهذا ملمح خطير ، وجميل أن تكون الوحدة والائتلاف هي عصب الجماعة في كل الأوقات وبخاصة وقت تكالب الأعداء علينا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لما نزلوا في الشعاب والأودية وقت المعركة قال لهم محذرا من الفرقة والحرص على تماسك الصف والمجموعة – إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم الشيطان- فلم ينزلوا بعد ذلك منزلا إلا انضم بعضهم إلى بعض حتي قيل لو بسط عليهم ثوب لعمهم ” .
وروي عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “رصوا الصفوف فإن الشيطان يقوم في الخلل”. فمطلوب منا الحرص على رص الصفوف ونبذ الفرقة والحرص على الائتلاف والنظر إلى مصلحة الجماعة والاحتكام إلى المؤسسية ولنعلم أن الخلاف شر محض ليس منه خير البته قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه “يا هذا الخلاف شر ، الخلاف شر ، الخلاف شر “.
3) نحتاج إلى رحمات الله وتأييد الملائكة لنا ، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله تعالى وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف ، ومن سد فرجة رفعه الله بها درجة “.
فنحن بحاجة أيها الإخوة والأخوات إلى رحمات الله عز وجل وتأييد الملائكة لنا ولا سبيل إلى استمطار رحمات الله وصلوات ملائكته إلا بالوحدة وسد الثغرات والنظر إلى طبيعة الظرف التي تعيشه الدعوة وما يحاك لها في الداخل والخارج.
4) البعد عن التحزب والتفرق فقد نهى عنه عمر رضي الله عنه ، عن بن عباس رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب قال لناس من قريش ” بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تَتَّخِذُونَ مَجَالِسَ ، لا يَجْلِسُ اثْنَانِ مَعًا ، حَتَّى يُقَالُ : مِنْ صَحَابَةِ فُلانٍ ، مِنْ جُلَسَاءِ فُلانٍ حَتَّى تُحُومِيَتِ الْمَجَالِسُ ، وَايْمُ اللَّهِ إِنَّ هَذَا لَسَرِيعٌ فِي دِينِكُمْ ، سَرِيعٌ فِي شَرَفِكُمْ ، سَرِيعٌ فِي ذَاتِ بَيْنِكُمْ ، وَلَكَأَنِّي بِمَنْ يَأْتِي بَعْدَكُمْ يَقُولُ : هَذَا رَأْيُ فُلانٍ ، قَدْ قَسَمُّوا الإِسْلامَ أَقْسَامًا ، أَفِيضُوا مَجَالِسَكُمْ بَيْنَكُمْ ، وَتَجَالَسُوا مَعًا ، فَإِنَّهُ أَدْوَمُ لأُلْفَتِكُمْ ، وَأَهْيَبُ لَكُمْ فِي النَّاسِ.
5) رد الغيبة وعدم الجدال، فمطلوب إخواني أن نرد غيبة إخواننا ويكون ذلك شعارنا ، فعندما تخلف كعب رضي الله عنه في تبوك قال أحد الصحابة لقد نظر على عطفيه فرد عليه أحدهم ما علمنا عنه إلا خيرا وهكذا كان أدب الصحابة رضوان الله عليهم فمطلوب منا أن نمتثل قوله صلى الله عليه وسلم “من رد عن عرض اخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة”، وقال مسلم بن يسار ” اياكم والمراء فإنها ساعة جهل العالم وبها يبتغي الشيطان زلته”.
6) حسن الظن بإخوانك وقيادتك، قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾، إن خطورة هذا السلاح الشيطاني أن سوء الظن يكسب السيئات بينما حسن الظن تكسب به الحسنات.
وسوء الظن إما أن يكون في محلة أو في غير محله وحسن الظن إما أن يكون في محله أوفي غير محله فإن كان سوء الظن في محله لم يكن لك ولا عليك وأما إن لم يكن في محله فعليك الاثم ، وحسن الظن إن كان في محله أُجِرت وإن لم يكن في محله ازددت أجرا ، فسوء الظن يدور ما بين فوات الاجر ووقوع الاثم وحسن الظن يدور ما بين الاجر وزيادته ؛ فتعبد لله عز وجل بحسن ظنك بإخوانك وقيادتك فإنك رابح لامحالة.
كان بكر بن عبدالله المزني يقول ” عليكم بأمر إن أصبتم أُجرتم وإن أخطأتم لم تأثموا وإياكم وكل أمر إن أصبتم لم تؤجروا وإن أخطأتم أثمتم ، قيل ما هو ؟ قال “سوء الظن بالناس . فإنكم لو أصبتم لم تؤجروا وإن أخطأتم أثمتم” وقال سفيان “الظن الذي يأثم به ما تكلم به فإن لم يتكلم لم يأثم” ، وذهب البعض الى أنه يأثم بنفس الظن لو لم ينطق به.
أيها الاخوة وأيتها الاخوات أود أن أؤكد على بعض الأخلاقيات و الأدبيات التي تعلمناها وتربينا عليها.
1. التعلق بالله وحده وصدق اللجوء إليه ولا نتعلق بغيره ونذكر هنا ما قاله ابن القيم “إن كمال النصرة بالتعلق بالله وصدق اللجوء إليه ، اليه المشتكى والمرتجى وأن نخرج من حولنا إلى حول الله وقوته.
2. التعلق بالحق وصاحبه لا بالأفراد مهما كانت مكانتهم وأشخاصهم .
3. نؤكد أن الجميع حريص على الصف والوحدة لكن يحمل كلا منا الحرص على النصح في الإطار الصحيح وبالكيفية الصحيحة دون غضب ولا تحامل ولا تشكيك بعيدا عن الإعلام.
4. نحن بشر غير معصومين من الزلل والخطأ مهما كانت درجة الصلاح والسبق والقدم ، فالحي لا يؤمن الفتنة.
5. عند الاختلاف نرجع إلى الثوابت التي جاء بها الشرع الحنيف والمعمول بها في هذه الجماعة المباركة ، وإن قوة الجماعة وتماسكها يكمن في وحدة أفرادها والالتزام بمؤسساتها الشورية حتى تقي الجماعة شرذمة الرأي وتمزق المواقف وتشتيت الاتجاهات وهي من أعظم العبادات التي نتعبد به.
6. الخلاف يحسم دائما في جو من الحب والإخوة وليس في الإعلام ولا على الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي.
7. المداولات في الجماعة لا يخفى على أحد أنها تكون سرية ، والقرارات تكون علنية حفاظا على الأفراد وسلامة الصدور .
8. الجماعة وسلامة الإجراءات دائما أبقى وأنفع من القرارات الفردية
9. مرت الجماعة بمواقف أكبر من ذلك في الخمسينيات والستينيات وانتهى الأمر بالرجوع إلى الصواب والرشد ، وبمرور الزمن تأكد أصحابها من الصواب وصحة القرارات وسلامة الخطوات .
في الختام أدعو إخواني وأخواتي المخلصين والمتحمسين للدفاع عن إخوانهم وجماعتهم المباركة ، أن نلتفت إلى ثورتنا المباركة حتى يسقط الانقلاب بإذن الله تعالى، ونهتف جميعا ونردد هذا الدعاء في سجداتنا وصلاتنا وأسحارنا “اللهم ارزقنا قلوبا نقية لا غل فيها ولا بغي تعفو عن المسيئين وتتجاوز عن المخطئين ، ارزقنا طيب السريرة وحسن الظن وإضمار الخير لخلقك ، طهر قلوبنا من الاثم واملأها بنوايا الخير وحب الخير ، وهب لنا أفئدة كأفئدة الطير ، واشغلنا بأنفسنا واجعل حسن ظننا بخلقك بابا إلى حسن الظن بك ، واجعل كل ضمائرنا نقية وسرائرنا ندية ، اللهم جنبنا مواطن الشبهات ومواقف الاتهامات ، اللهم استر عبادك الابرار ولا تهتك عنهم الاستار ، ولا تتبع العثرات ، ولا تطلع الى العورات” .. اللهم آمين .