الأسبوع الأول ” للشباب ” : معركة عين جالوت ..و المثابرة على الإعداد
31 مايو، 2016
إسلاميات, تربوى
1,140 زيارة
*فضل الجهاد في سبيل الله
بَاب أَفْضَلُ النَّاسِ مُؤْمِنٌ مُجَاهِدٌ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ( من صحيح البخاري – كتاب الجهاد ) وَقَوْلُهُ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }
رَوَى اِبْن أَبِي حَاتِم مِنْ طَرِيق سَعِيد بْن جُبَيْر ” أَنَّ هَذِهِ الْآيَة لَمَّا نَزَلَتْ قَالَ الْمُسْلِمُونَ : لَوْ عَلِمْنَا هَذِهِ التِّجَارَة لَأَعْطَيْنَا فِيهَا الْأَمْوَال وَالْأَهْلِينَ ، فَنَزَلَتْ : ( تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَتُجَاهِدُونَ ) الْآيَة ” هَكَذَا ذَكَرَهُ مُرْسَلًا ، وَرَوَى هُوَ وَالطَّبَرِيّ مِنْ طَرِيق قَتَادَة قَالَ ” لَوْلَا أَنَّ اللَّه بَيَّنَهَا وَدَلَّ عَلَيْهَا لَتَلَهَّفَ عَلَيْهَا رِجَال أَنْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَهَا حَتَّى يَطْلُبُونَهَا ”
عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَادَ قَالَ لَا أَجِدُهُ قَالَ هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ وَلَا تَفْتُرَ وَتَصُومَ وَلَا تُفْطِرَ قَالَ وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِنَّ فَرَسَ الْمُجَاهِدِ لَيَسْتَنُّ فِي طِوَلِهِ فَيُكْتَبُ لَهُ حَسَنَاتٍ
وفي حَدَّيثَ أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ وَتَوَكَّلَ اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِهِ بِأَنْ يَتَوَفَّاهُ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرْجِعَهُ سَالِمًا مَعَ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ
– قَوْله : ( مَثَل الْمُجَاهِد فِي سَبِيل اللَّه وَاَللَّه أَعْلَم بِمَنْ يُجَاهِد فِي سَبِيله )
فِيهِ إِشَارَة إِلَى اِعْتِبَار الْإِخْلَاص ، قَوْله : ( كَمَثَلِ الصَّائِم الْقَائِم )، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيق أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة ” كَمَثَلِ الصَّائِم الْقَائِم الْقَانِت بِآيَاتِ اللَّه لَا يَفْتُر مِنْ صَلَاة وَلَا صِيَام ، زَادَ النَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْه ” الْخَاشِع الرَّاكِع السَّاجِد ” وَفِي الْمُوَطَّأ وَابْن حِبَّانَ ” كَمَثَلِ الصَّائِم الْقَائِم الدَّائِم الَّذِي لَا يَفْتُر مِنْ صِيَام وَلَا صَلَاة حَتَّى يَرْجِع ، وَلِأَحْمَد وَالْبَزَّار مِنْ حَدِيث النُّعْمَان بْن بَشِير مَرْفُوعًا ” مَثَل الْمُجَاهِد فِي سَبِيل اللَّه كَمَثَلِ الصَّائِم نَهَاره الْقَائِم لَيْله ” وَشَبَّهَ حَال الصَّائِم الْقَائِم بِحَالِ الْمُجَاهِد فِي سَبِيل اللَّه فِي نَيْل الثَّوَاب فِي كُلّ حَرَكَة وَسُكُون لِأَنَّ الْمُرَاد مِنْ الصَّائِم الْقَائِم مِنْ لَا يَفْتُر سَاعَة عَنْ الْعِبَادَة فَأَجْره مُسْتَمِرّ ، وَكَذَلِكَ الْمُجَاهِد لَا تَضِيع سَاعَة مِنْ سَاعَاته بِغَيْرِ ثَوَاب لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيث ” أَنَّ الْمُجَاهِد لَتَسْتَنّ فَرَسه فَيُكْتَب لَهُ حَسَنَات ” وَأَصْرَح مِنْهُ قَوْله تَعَالَى ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبهُمْ ظَمَأ وَلَا نَصَب ) الْآيَتَيْنِ .
قَوْله : ( وَتَوَكَّلَ اللَّه إِلَخْ ) وَسِيَاقه أَتَمّ ، وَلَفْظه ” اِنْتَدَبَ اللَّه ” ، وَلِمُسْلِمٍ بِلَفْظِ ” تَضَمَّنَ اللَّه لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيله لَا يُخْرِجهُ إِلَّا إِيمَان بِي ”
ومِنْ حَدِيث اِبْن عُمَر ، فَوَقَعَ فِي رِوَايَته التَّصْرِيح بِأَنَّهُ مِنْ الْأَحَادِيث الْإِلَهِيَّة ، وَلَفْظه ” عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبّه قَالَ : أَيّمَا عَبْد مِنْ عِبَادِي خَرَجَ مُجَاهِدًا فِي سَبِيل اِبْتِغَاء مَرْضَاتِي ضَمِنْت لَهُ إِنْ رَجَعْته أَنْ أَرْجِعهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ أَجْر أَوْ غَنِيمَة ” الْحَدِيث رِجَاله ثِقَات ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث عُبَادَةَ بِلَفْظِ ” يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : الْمُجَاهِد فِي سَبِيلِي هُوَ عَلَيَّ ضَامِن إِنْ رَجَّعْته رَجَّعْته بِأَجْرٍ أَوْ غَنِيمَة ” الْحَدِيث وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيّ ، وَقَوْله ” تَضَمَّنَ اللَّه وَتَكَفَّلَ اللَّه وَانْتَدَبَ اللَّه ” بِمَعْنًى وَاحِد ، وَمُحَصِّله تَحْقِيق الْوَعْد الْمَذْكُور فِي قَوْله تَعَالَى ( إِنَّ اللَّه اِشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّة ) وَذَلِكَ التَّحْقِيق عَلَى وَجْه الْفَضْل مِنْهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى ، وَقَدْ عَبَّرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى بِتَفْضِيلِهِ بِالثَّوَابِ بِلَفْظِ الضَّمَان وَنَحْوه مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَة الْمُخَاطَبِينَ فِيمَا تَطْمَئِنّ بِهِ نُفُوسهمْ ، وَقَوْله ” لَا يُخْرِجهُ إِلَّا الْجِهَاد ” نَصَّ عَلَى اِشْتِرَاط خُلُوص النِّيَّة فِي الْجِهَاد
أَيْ مَعَ أَجْر خَالِص إِنْ لَمْ يَغْنَم شَيْئًا أَوْ مَعَ غَنِيمَة خَالِصَة مَعَهَا أَجْر ، وَكَأَنَّهُ سَكَتَ عَنْ الْأَجْر الثَّانِي الَّذِي مَعَ الْغَنِيمَة لِنَقْصِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَجْر الَّذِي بِلَا غَنِيمَة ، وَالْحَامِل عَلَى هَذَا التَّأْوِيل أَنَّ ظَاهِر الْحَدِيث أَنَّهُ إِذَا غَنِمَ لَا يَحْصُل لَهُ أَجْر ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادًا بَلْ الْمُرَاد أَوْ غَنِيمَة مَعَهَا أَجْر أَنْقَص مِنْ أَجْر مَنْ لَمْ يَغْنَم ، لِأَنَّ الْقَوَاعِد تَقْتَضِي أَنَّهُ عِنْد عَدَم الْغَنِيمَة أَفْضَل مِنْهُ وَأَتَمّ أَجْرًا عِنْد وُجُودهَا ، فَالْحَدِيث صَرِيح فِي نَفْي الْحِرْمَان وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي نَفْي الْجَمْع . وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ : مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ الْمُجَاهِد إِمَّا يَسْتَشْهِد أَوْ لَا ، وَالثَّانِي لَا يَنْفَكّ مِنْ أَجْر أَوْ غَنِيمَة ثُمَّ إِمْكَان اِجْتِمَاعهمَا ، فَهِيَ قَضِيَّة مَانِعَة الْخُلُوّ لَا الْجَمْع ، وَقَدْ قِيلَ فِي الْجَوَاب عَنْ هَذَا الْإِشْكَال : إِنَّ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاو ، وَبِهِ جَزَمَ اِبْن عَبْد الْبَرّ وَالْقُرْطُبِيّ وَرَجَّحَهَا التُّورْبَشْتِيُّ ، وَالتَّقْدِير بِأَجْرٍ وَغَنِيمَة .
وَاخْتَارَ اِبْن عَبْد الْبَرّ أَنَّ الْمُرَاد بِنَقْصِ أَجْر مَنْ غَنِمَ أَنَّ الَّذِي لَا يَغْنَم يَزْدَاد أَجْره لِحُزْنِهِ عَلَى مَا فَاتَهُ مِنْ الْغَنِيمَة ، كَمَا يُؤْجَر مَنْ أُصِيبَ بِمَا لَهُ فَكَانَ الْأَجْر لِمَا نَقَصَ عَنْ الْمُضَاعَفَة بِسَبَبِ الْغَنِيمَة عِنْد ذَلِكَ كَالنَّقْصِ مِنْ أَصْل الْأَجْر ، وَذَكَرَ بَعْض الْمُتَأَخِّرِينَ لِلتَّعْبِيرِ بِثُلُثَيْ الْأَجْر فِي حَدِيث عَبْد اللَّه اِبْن عَمْرو حِكْمَة لَطِيفَة بَالِغَة وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه أَعَدَّ لِلْمُجَاهِدِينَ ثَلَاث كَرَامَات : دُنْيَوِيَّتَانِ وَأُخْرَوِيَّة ، فَالدُّنْيَوِيَّتَانِ السَّلَامَة وَالْغَنِيمَة وَالْأُخْرَوِيَّة دُخُول الْجَنَّة ، فَإِذَا رَجَعَ سَالِمًا غَانِمًا فَقَدْ حَصَلَ لَهُ ثُلُثَا مَا أَعَدَّ اللَّه لَهُ وَبَقِيَ لَهُ عِنْد اللَّه الثُّلُث ، وَإِنْ رَجَعَ بِغَيْرِ غَنِيمَة عَوَّضَهُ اللَّه عَنْ ذَلِكَ ثَوَابًا فِي مُقَابَلَة مَا فَاتَهُ ، وَكَأَنَّ مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّهُ يُقَال لِلْمُجَاهِدِ : إِذَا فَاتَ عَلَيْك شَيْء مِنْ أَمْر الدُّنْيَا عَوَّضْتُك عَنْهُ ثَوَابًا . وَأَمَّا الثَّوَاب الْمُخْتَصّ بِالْجِهَادِ فَهُوَ حَاصِل لِلْفَرِيقَيْنِ مَعًا ، قَالَ : وَغَايَة مَا فِيهِ عَدّ مَا يَتَعَلَّق بِالنِّعْمَتَيْنِ الدُّنْيَوِيَّتَيْنِ أَجْرًا بِطَرِيقِ الْمَجَاز وَاَللَّه أَعْلَم .
وَفِي الْحَدِيث أَنَّ الْفَضَائِل لَا تُدْرَك دَائِمًا بِالْقِيَاسِ ، بَلْ هِيَ بِفَضْلِ اللَّه . وَفِيهِ اِسْتِعْمَال التَّمْثِيل فِي الْأَحْكَام ، وَأَنَّ الْأَعْمَال الصَّالِحَة لَا تَسْتَلْزِم الثَّوَاب لِأَعْيَانِهَا ، وَإِنَّمَا تَحْصُل بِالنِّيَّةِ الْخَالِصَة إِجْمَالًا وَتَفْصِيلًا ، وَاَللَّه أَعْلَم . ( من فتح الباري لابن حجر )
الفقرة الثانية : ( ثقافة ثورية ) معركة عين جالوت ….و المثابرة على الإعداد
إن الأمة حين تواجه مشكلة أو معركة كبرى تحتاج إلى صياغة كاملة لسلوكها، ليس صحيحاً أننا حين نواجه معركة نستطيع أن نواجهها بين يوم وليلة، كلا. فالأمة إذا واجهت معركة لا بد أنها تحتاج إلى صياغة كاملة لسلوكها، وإنني أريد أن أضرب لكم بعض الأمثلة التاريخية السريعة.
يقول أبو الحسن الخزرجي عن أهل بغداد قبل أن يستولي عليهم التتر، يقول في وصف حالهم: ( واهتموا بالإقطاعات والمكاسب، وأهملوا النظر في المصالح الكلية، واشتغلوا بما لا يجوز من الأمور الدنيوية، واشتد ظلم الولاة، واشتغلوا بتحصيل الأموال) .
– فهذا حالهم كحالنا اليوم في كثير من البلاد الإسلامية- فلما قيض الله عز وجل للمسلمين الملك المظفر قطز الذي يضرب به المثل في نـزاهته، وعدالته، وشجاعته، وحزمه، وصبره، ووفائه، وتضحيته، وحكمته، وإخلاصه في الدين، ويضرب -أيضاً- مثلاً أعلى للحاكم الصالح والرجل الكامل، حتى أنه كان من شدة ما حصل أن التتر حينما زحفوا على العالم الإسلامي يخربون، كان ملوك الشام ومصر مشغولين بقتال بعضهم بعضاً، وكيد بعضهم بعضاً، لا يجدون حرجاً أن يستنجد أحدهم بالصليبيين على منافسيه من المسلمين، وقبيل المعركة الفاصلة قضى الملك قطز مدة طويلة في إصلاح الرعية والمملكة.
وقد امتلأت قلوب كثير من الشعب المصرى بروح الفداء والاستماتة للدفاع عن الدين، واستطاع الملك المظفر أن يهدئ قلوب الناس بعد أن كانت ترجف هلعاً من ذكر التتر، ولما دخل شهر رمضان وصام الناس بضعة أيام؛ نودي في سائر مدن مصر وقراها بالخروج إلى الجهاد في سبيل الله عز وجل، ونصرة دين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحس الناس وكأنهم في عهد من عهود الإسلام الأولى، وطغى هذا الشعور على الجميع، حتى كف الفسقة عن ارتكاب المعاصي، وامتنعوا عن شرب الخمور، وامتلأت المساجد بالمصلين، ولم يبق للناس حديث إلا الجهاد، وأمست ليلة الجمعة لخمسٍ بقين من شهر رمضان ولم ينم الملك المظفر تلك الليلة، بل قضاها في ترتيب العسكر وإصدار الأوامر، وكان في خلال ذلك يكثر من ذكر الله عز وجل وتلاوة القرآن.
إذاً: استطاع أن يجعل الأمة كلها تعيش حركة جهاد، وحالة استنفار وتعبئة معنوية ونفسية جادة، و لما بدأت المعركة، وهجم المسلمون على التتر ، حينئذٍ خلع الملك المظفر خوذته وصرخ بأعلى صوته وهو يقول: وإسلاماه (ثلاث مرات) واندفع يضرب رءوس التتر ، فحمي المسلمون، وقلدوا ملكهم، واستبسل وزيره بيبرس، ثم قتل قائد التتر، وطوق المسلمون العدو، وأفنوهم ضرباً بالسيوف وطعناً بالرماح، وانتهت المعركة وخرَّ الملك ساجداً لربه عز وجل، وأطال السجود، ثم رفع رأسه والدموع تتحادر على لحيته حتى سلم من صلاته ، ثم خطب قائلاً: أيها المسلمون، إن لساني يعجز عن شكركم، والله وحده قادرٌ أن يجزيكم الجزاء الأوفى، لقد صدقتم الجهاد في سبيله فنصركم على عدوكم، قال الله عز وجل:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ” أيها المسلمون، إياكم والزهو بما صنعتم، ولكن اشكروا الله واخضعوا لقوته وجلاله، إنه ذو القوة المتين. إذاً: الأمة -أولاً- تصاغ على الجهاد ثم تخوض المعركة بعد ذلك.