الجمعة , أكتوبر 10 2025
الرئيسية / مقالات / إسراء ومعراج المؤمنين اليوم ..بقلم عامر شامخ
بقلم: د. فتحى أبو الورد

إسراء ومعراج المؤمنين اليوم ..بقلم عامر شامخ

يهل علينا شهر رجب الفرد، وتهل معه ذكرى إسراء ومعراج النبى- صلى الله عليه وسلم- تلك الذكرى الخالدة فى تاريخ العالمين، والتى نقلت دعوة الإسلام الذى ارتضاه الله دينًا للناس كافة من حال الضعف إلى حال القوة، ومن مقام الاستكانة إلى درجة الاستعلاء، ومن طور المحنة إلى فضاء المنحة.. لقد رضى الله عن نبيه فرقّاه وأعلى رتبته، وأراه ما لم يره نبى من الأنبياء والمرسلين.

أُسرى بالنبى- صلى الله عليه وسلم- ثم أُعرج به فى ساعات معدودات، لكن يبقى الأثر إلى أن يطوى البارئ الأرض والسماوات، وما على المؤمنين إلا أن يفعلوا ما فعل نبيهم وسيدهم؛ ليوقن المسلم اليوم أن كل محنة وراءها منحة، وأن مع كل عسر يسرين، وأن الكرب يعقبه فرج، والضيق يعقبه المسرّة والفرح، ما كان المؤمن على بصيرة من أمره، راجيًا ما عند ربه، مخلصًا له العمل، فإن السماء تُفتح لأهل الإيمان، ويقترب البعيد، ويلين الحديد، ويطوى الزمن، وتقصر المسافات، وتصير المخلوقات طوع أمره، ويذل الله لأجله الجبابرة، ويخضع له الأكاسرة والقياصرة.. انظروا كيف انتقل نبيكم فى ليلة واحدة من مكة إلى الأرض المباركة، ثم علا من سماء إلى سماء حتى وقف الموقف المشهود!.

وانظروا كيف جبر الله خاطره، وكيف أعاده سالمًا غانمًا بريئًا طاهرًا مطهرًا!، وانظروا كيف كان قبل الرحلة وكيف صار بعدها!.

وما رضى الخالق عن عبده إلا لأنه كان مخلصًا، وكان زكيًا، وكان صابرًا، وكان قانتًا لله حنيفًا، وكان مجاهدًا، وكان مخبتًا، وكان رؤوفًا رحيمًا، احتمل ما لم يحتمله واحد من إخوانه فى سلسلة النبوة، وكان همه الأوحد رضا ربه، فسبقت تلك الحادثة عبارته المشهورة: «إن لم يكن بك غضبٌ علىَّ فلا أُبالى، ولكن عافيتك هى أوسع لى، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك».

إن المحن والابتلاءات قد تحاصر المؤمن من كل اتجاه، وتضيق عليه أنفاسه، وتجعله قليل النوم، قلقًا، ملتفتًا التفاف المضطرب، لكنه لا يفقد الثقة فى ربه، وأنه ناصره- ولو طال الوقت- وأنه لا بد أن يلزم غرس نبيه الذى احتمل الآلام والابتلاءات والمصائب، فما صرفه ذلك عن الله شيئًا، حتى انقشعت الغمة وزال الهمّ، وأسلم الناس لله رب العالمين.

واليوم كثرت الفتن، وزلزت قلوب بعد ثبوتها لعظم البلاء، لكن نشهد أن طائفة ليست بالقليلة ما زالت على الحق والصدق والإيمان، ما ضرها خذلان الآخرين لها، مقتدية بما فعل المعصوم- صلى الله عليه وسلم- فإنه ما تخلى عن حق، وما فرّط فى واجب، وما افترى على الله شيئًا، بل كانت كل حركاته وسكناته لله، فما قَبِل المساومات، وما جنح للراحة يومًا، بل فضّل المعاناة، ومعه أصحابه الفضلاء الأكرمون، الذين تركوا المال والأولاد حسبة لله تعالى.

وفى السماء كانت هنالك صور مشرفة لتلك السلسلة المباركة من أهل الحق الذى قتلوا فى سبيل الله، فهم أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله، منهم ماشطة ابنة فرعون التى نطقت باسم الله فى حضرة سيدها، فكانت عاقبتها الحرق فى بقرة النحاس المحمية هى وأبناؤها، فلمّا تلجلجت، أنطق الله صغيرها يحرضها على اقتحام النار؛ لتموت حرقًا، لكنها الموتة الشريفة التى أحيا الله بها البشرية؛ ولكى يُخلد ذكر (ماشطة!!)، ولولا إيمانها لماتت دون أن يذكرها أحد من العالمين.

إسراء المؤمنين اليوم: أن يفهموا فلسفة دينهم المجيد، وأن يعلموا أن الجهاد لهذا الدين فريضة ماضية إلى يوم القيامة، وأنه ما تركه جيل من أجيال المسلمين إلاّ ذُلوا، وأن يفهم المؤمن كذلك أن نبيه مات فلم يذق يومًا طعمًا لراحة، ولم يشبع من قوت، ولم يترك مالا، ولم يخلف ولدًا، إنما ورّثنا هذا الدين، فنحن عليه أمناء، والله سائلنا عنه: حفظناه أم ضيعناه؟،

ولئن ذُكرت رحلة الإسراء والمعراج فسوف يُذكر معها أبو بكر الصديق؛ ذلك النموذج الفذ من المؤمنين، الذى عمر الإيمان قلبه حتى جعله سباقًا بالخيرات، صالح البال، صدِّيقًا، مُعزًا لدين الله، فإنه لما أبلغه المشركون ما قاله النبى من أنه أُسرى وأُعرج به- وكانوا يتوقعون انصرافه عنه لاستحالة حدوث ذلك فى واقع البشر- قال جملته المشهورة: «لئن كان قال ذلك لقد صدق».
قالوا: أو تصدقه أنّه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟!
قال: نعم؛ إنى لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء فى غدوة أو روحة.

رحم الله أبا بكر، ورحم كل مسلم على طريقته، وصل اللهم على سيدنا وقدوتنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شاهد أيضاً

نظرات في الإسراء والمعراج.. للإمام الشهيد حسن البنا

نحمد الله تبارك وتعالى، ونُصلي ونسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *