في نبرة تحد واضحة؛ قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأربعاء 6 مارس 2019م: إن بلاده لن تتراجع عن شراء منظومة إس-400 للدفاع الصاروخي روسية الصنع، مستطردًا بأن أنقرة ربما تدرس لاحقًا حيازة منظومة صواريخ إس-500.
وشدد أردوغان، في حوار على قناتي “24 TV” و”TV 360″ التركيتين، على أن تركيا لا يمكن أن تتراجع أبدًا (عن الصفقة)، مشيرًا إلى أن بلاده اتفقت مع روسيا بهذا الصدد. وأردف: “سنبدأ الإنتاج المشترك، ويمكن أن ندخل بموضوع منظومة إس-500، بعد إس-400”.
وفي ما يتعلق بقرار نظام التفضيلات المعممة لواشنطن – الذي أعلنت الأخيرة أمس أنها تنوي استثناء تركيا منه ردًا على صفقة إس-400 – أوضح الرئيس التركي أن تركيا تتخذ كافة تدابيرها، مبينًا أن الأخيرة “معتادة على مثل هذه المواقف”، وبخصوص المنطقة الآمنة التي يتم التباحث بشأنها حاليًا في شمال سورية، قال أردوغان إن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أظهر موقفًا حازمًا خلال هذه المرحلة بخصوصها.
وشدد أردوغان على أن أنقرة لا توافق على منح السيطرة على المنطقة الأمنة لأي جهة غير تركيا؛ “لأنه يمكن في أي لحظة مهاجمتنا انطلاقًا منها”، وحول الانسحاب الأمريكي من سورية، أوضح أنه “يمكنهم أخذ أسلحتهم معهم إذا رغبوا، أو بيعها لنا، لكن عليهم أن لا يمنحوها للإرهابيين”.
وتأتي تصريحات أردوغان في الوقت الذي تحض فيه الولايات المتحدة بلاده على العودة عن قرارها شراء منظومة صواريخ أس 400 المضادة للصواريخ، على اعتبار أن هذه الأسلحة الروسية لا تتوافق مع المعدات المستخدمة في جيوش حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي تعتبر الولايات المتحدة وتركيا من أبرز أعضائه.
وصواريخ أس 400 هي منظومة دفاع جوي روسية مضادة للطائرات وللصواريخ البالستية، ومنافس لبطاريات باتريوت الأمريكية، في حين أن منظومة أس 500 هي النسخة المحسّنة من هذا النظام وهي لم تدخل الخدمة بعد. وتعتبر صفقة الصواريخ الروسية إحدى نقاط الخلاف الأساسية بين أنقرة وواشنطن، ومن المفترض أن تبدأ روسيا تسليم تركيا صواريخ إس 400 في يوليو المقبل.

ووافقت واشنطن في ديسمبر الماضي على بيع تركيا منظومة باتريوت الدفاعية المضادة للطيران في صفقة بلغت قيمتها 3،5 مليارات دولار، وكانت ترمي بذلك إلى ثني أنقرة عن شراء المنظومة الروسية المنافسة، ويمكن أن يعارض الكونجرس الأمريكي بيع صواريخ باتريوت لتركيا أو أن يعيد النظر في السماح لها بشراء طائرات “أف 35”.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية أول أمس: إن واشنطن أبلغت تركيا بأنها في حالة شراء منظومة أس 400 فإنه سيتحتم على الولايات المتحدة إعادة تقييم مشاركة أنقرة في برنامج مقاتلات إف 35 التي تنتجها شركة “لوكهيد مارتن”.
هل تتخلى أنقرة عن سياسة الموازنة؟
وفي قراءة تحليلية للمشهد الراهن؛ نشرت صحيفة “نيزافيسيمايا” الروسية تقريرا تحدثت فيه عن الزيارة التي أداها اثنان من كبار الدبلوماسيين الأمريكيين، وهما وكيل وزارة الخارجية، ماثيو بالمر، والمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، إلى أنقرة، والتي تهدف بشكل أساسي إلى ثني تركيا عن شراء منظومة “إس-400” الروسية.
وقالت الصحيفة في تقريرها إن تركيا ستضطر في وقت قريب إلى التخلي عن سياسة الموازنة بين لاعبين عالميين وهما روسيا والولايات المتحدة، وذلك بحسب ما يراه مراقبون.
وأضافت الصحيفة أن الجانب الأمريكي، وخلال مفاوضاته مع المسئولين الأتراك لم يتطرق إلى مسألة منظومة “إس-400” الروسية فحسب، بل إلى الأزمة السورية أيضا. ويثير الوضع الجاري في إدلب، الواقعة تحت سيطرة المعارضة المسلحة الموالية لتركيا، فضلا عن مستقبل المحافظة، قلق سوريا. من هذا المنطلق، تُظهر القوات النظامية استعدادها لتنفيذ هجمات على المحافظة. في المقابل، تزعم مصادر موالية للمعارضة أن تركيا حذرت شركاءها في محادثات أستانا من الموافقة على شن هذه الهجمات.
وذكرت الصحيفة أنه في حال لم تلتزم كل من روسيا وإيران بطلب تركيا، سوف تنسحب أنقرة من محادثات أستانا. كما طالب الجانب التركي القوات الموالية له والموجودة في إدلب بالرد على أي إجراءات عسكرية تقوم بها قوات النظام السوري، بالنظر إلى أن مصير شمال سوريا من القضايا التي تهم تركيا.
الجدير بالذكر أن الملف السوري لا يؤثر على العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة مقارنة بالاتفاقيات التي تمضيها تركيا في المجال العسكري.

ويرى الباحث في الشأن الروسي والتركي، كريم هاس، أنه بالإضافة إلى اهتمام تركيا بمنظومة “إس-400” والوضع ما بعد الحرب في شمال سوريا، تعد قضية المساعد السابق للرئيس الأمريكي للأمن القومي، مايكل فلين، والمشتبه في تورطه في خدمة أنقرة وممارسة الضغط من أجل مصالحها، من الأمور التي توليها تركيا اهتماما بالغ الأهمية.
بالمقابل في حال اتفق الجانب الروسي مع نظيره التركي على المضي قدما في سوريا، خاصة فيما يتعلق بشرق نهر الفرات، فذلك يعني أنه باستطاعة أنقرة تحسين علاقاتها مع دمشق؛ ما سيولد مشاكل مع واشنطن. ونوهت الصحيفة بأنه في حال تفاوضت تركيا مع الولايات المتحدة بشأن إنشاء منطقة عازلة في شمال سوريا، فسوف تزيد موسكو من الضغط على القيادة التركية، ما سيجبر تركيا على التخلي عن سياسة الموازنة بين موسكو وواشنطن.
ونقلت الصحيفة ما صرح به المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، إيريك باهون، الذي قال: “نحن على دراية برغبة تركيا في تعزيز دفاعها الجوي، ولكن حصول تركيا على أنظمة “إس-400” الروسية سيكون له عواقب وخيمة على التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة وتركيا. كما نعمل على مساعدة تركيا على إيجاد خيارات بديلة لتلبية احتياجاتها العسكرية، لكن في الوقت نفسه، نحذر من العواقب واسعة النطاق للمضي قدما في هذه الصفقة.