حذرت ورقة علمية من مجموعة من النتائج الكارثية الناجمة عن هيمنة الجيش على مختلف القطاعات الحيوية والمشروعات الرئيسية في البلاد بما يقفز من نسبة استحواذ الجيش على النواحي الاقتصادية في مصر من 30% قبل انقلاب 30 يونيو إلى ما يزيد عن 60% من نسبة الاستحواذ.
ونشر موقع “الشارع السياسي” ورقة بعنوان “توسع سياسات العسكرة بمصر.. التداعيات والمخاطر”، جانبا من آثار النفوذ والامتيازات التي لا حصر لها، لإمبراطورية الجيش الاقتصادية، ومنها: القضاء على تكافؤ الفرص مع المستثمرين المصريين والأجانب، ما يعجل بمواجهة مخاطر هروب الاستثمار، لعدم القدرة على المنافسة أمام المؤسسة العسكرية التي اخترقت جميع قطاعات الاقتصاد وتنافس القطاع الخاص في كل شيء.
أما الخطورة الاقتصادية الأكبر فكانت في ركود مزمن سوف يفضي لا محالة إلى غلق آلاف الشركات وزيادة معدلات البطالة.
ومن النواحي الاستراتيجية تؤدي هيمنة الجيش الاقتصادية إلى تراجع المستوى العسكري للجيش المصري، وأن العسكريين يصبحون أكثر تمسكا واستماتة في الدفاع عن استمرار المؤسسة العسكرة في فرض تصوراتها الاستبدادية الشمولية على السياسة والاقتصاد وباقي القطاعات.
محاولات التقليل
ونبهت الورقة إلى أن السيسي حاول التقليل من حجم هذه الإمبراطورية، زاعمًا أن نسبة اقتصاد الجيش إلى الاقتصاد عموما لا تزيد عن 2 إلى 3% فقط، لكن تقديرات وزير الدفاع الأسبق المشير محمد حسين طنطاوي في تصريحات سابقة بلغت بهذه النسبة إلى 30%، وتقديرات موقع “ميدل إيست آي” البريطاني تصل إلى أن نسبة استحواذ الجيش على الاقتصاد 60%.
وعقب الإطاحة بمبارك قال اللواء محمود نصر، مساعد وزير الدفاع للشئون المالية: إن الجيش “لن يسلم أبدا هذه المشروعات لأي سلطة أخرى مهما كانت”، وأضاف أن هذه المشروعات “ليست من الأصول التي تمتلكها الدولة، ولكنها إيرادات من عرق وزارة الدفاع والمشاريع الخاصة بها” ما يؤكد أن الجيش بات دولة فوق الدولة.

عسكرة التعليم
وبدأت عسكرة التعليم فعليا منذ انقلاب يوليو 52، لكنها تفاقمت بشدة بعد انقلاب 3 يوليو 2013م، وامتدت على جميع عناصر العملية التعليمية سواء على مستوى التعليم الأساسي أو التعليم الجامعي، ومنها أولا، المدارس الدولية؛ حيث تم افتتاح مدرسة بدر الخاصة العسكرية للغات في ٢٠١٥. وتدرس المنهجين البريطاني والأمريكي. وهي نموذج لنحو 13 ألف مدرسة دولية يمتلكها قيادات وضباط بالمؤسسة العسكرية والأمنية، وعدد من رجال الأعمال المتحالفين معهم، وتصل رسومها لأكثر من 200 ألف جنيه في العام.
ووصل عدد اللواءات المنتدبين لوزارة التربية والتعليم في عام 2015 بعهد الوزير محب الرافعي إلى 6 لواءات، من خلال يتم إسناد توريد الأغذية لشركات تابعة للمؤسسة العسكرية، بدءا من الموسم الدراسي 2016/2017، للمدارس والمعاهد الأزهرية.
وفي 30 أغسطس 2016، أسندت جامعة القاهرة، مهمة توريد الأغذية والإشراف على مطابخ المدن الجامعية، التي تضم نحو 59 ألف طالب إلى الجيش المصري.
وفرض العسكر منع بعض أعضاء هيئة التدريس للسفر بحجة عدم الحصول على الموافقة الأمنية، إضافة لتسييس الأبحاث العلمية؛ إذ بات من الممكن أن تشطب رسالة أو يرفض بحث لأسباب سياسية. كذلك عسكرة النشيد المدرسي في طابور الصباح بكل المدارس.
قطاع الصحة
وتعاقد الجيش في قطاع المستلزمات والصناعات الطبية، مع شركات القطاع الخاص بالأمر المباشر لتوريد المستلزمات والأجهزة الطبية للمستشفيات العامة والجامعية. ويتولى عدة لواءات المناصب الحساسة بوزارة الصحة ومن خلالهم تتم تعاقدات الأمر المباشر.
وسطى العسكر على المستشفيات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين كما تسعى وزارة الإنتاج الحربي إلى إقامة مصنع لإنتاج لقاحات الأورام والسرطان بالتعاون مع وزارة الصحة، كما أبلغ مستشفى المعادي العسكري مندوبي توزيع أدوية الأورام أن أحد أطبائها العسكريين هو من سيتولى الإشراف على جميع مناقصات توريد أدورية الأورام وأن الجيش هو من كلفه بذلك.
ويمتلك الجيش حتى 2016 نحو 45 مستشفى ومركزا طبيا وعيادة، في 16 محافظة، معظمها في العاصمة القاهرة، حيث يعاني قطاع الصحة من استشراء الفساد، ونقص المعدات، وسوء الخدمات الصحية المقدمة، وغياب الرقابة في أكثر من 1800 مستشفى.
الأمن الغذائي
يهيمن الجيش على مفاصل قطاع الأمن الغذائي، مثل السيطرة على إدارة بيانات بطاقات التموين عبر وزارة الإنتاج الحربي، وتعطيش السوق من سلعة أو سلع معينة عبر قرارات مدروسة ثم فتح الباب أمام الجيش ليبدو بمظهر المنقذ وفتح الباب أمام احتكاره استيراد السلعة بأسعار أضعاف ما كانت عليه قبل الأزمة وهو السيناريو الذي حدث مع أزمة السكر سنة 2016م وانتهى الأمر برفع سعره من 5 جنيهات إلى 20 جنيها للكيلو ثم استقر عند 10 جنيهات حاليا، ثم اسناد استيراده لشركة الوادي التابعة للجيش، وهو نفس ما جرى مع لبن الأطفال وزيوت الطعام وسلع أخرى.
ويحتكر الجيش والمخابرات مافيا استيراد القمح حتى لو كان مصابا بفطر الإرجوث القاتل، وتشوب عمليات استيراده فسادا كبيرا على حساب مصر وشعبها.
ويسيطر الجيش على صناعة وتجارة اللحوم الحمراء والبيضاء والأسماك، من خلال عدة مزارع ضخمة منها مزرعة بكفر الشيخ سعتها 100 ألف رأس، ومزرعة بمشروع مليون رأس، ويحترك الجيش استيراد اللحوم الحمراء من أيرلندا ويضلل الناس أنها من أسبانيا.
واستورد الجيش دواجن رخيصة منتهية الصلاحية أدت إلى حالات وفاة وأثارت غضبا واسعا بين المصريين.و
أنشأ الجيش شركة “الشركة الوطنية للاسترزاع السمكي والأحياء المائية” في يناير 2015، برأس مال قدره مليار جنيه برئاسة اللواء حمدي بدين. واحتكرت الشركة مجرى النيل وبحيراته وشواطئ مصر وقناة السويس كما خصص السيسي “4100” فدان بمنطقة بركة غليون بكفر الشيخ لصالح جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابعة للجيش لاستخدامها في مشروعات الاستزراع السمكي.
ويمتلك جهاز مشروعات الخدمة المدنية شركة مصر للتصنيع الزراعي التي تمتلك 7 مصانع لإنتاج ”صلصة طماطم – منتجات ألبان – أعلاف الماشية والأسماك – البصل المجفف“، وشركة كوين لإنتاج المكرونة التي تمتلك 9 مصانع في محافظات مختلفة، إضافة إلى قطاع الأمن الغذائي الذي يمتلك عددا من المزارع والمجازر للحيوانات والدواجن.
إضافة إلى وحدات إنتاج الألبان ومجمعات إنتاج البيض التي تنتج 120 مليون بيضة سنويا وشركة مياه صافي التي تعمل في إنتاج وتعبئة المياه المعدنية وزيت الزيتون وتضم 3 مصانع ولديها 24 منفذا بالقاهرة الكبرى وكذلك الشركة الوطنية للصناعات الغذائية ومقرها مدينة رفح بسيناء والتي تضم 4 مصانع للزيتون والفاكهة ومزرعة وادي الشيح بأسيوط والمقامة على 10 آلاف فدان وغيرها.
كذلك يمتلك الجيش الشركة الوطنية للاستصلاح وزراعة االأرضي الصحراوية والتي تقع بمنطقة شرق العوينات بمحافظة الوادي الجديد وتستغل الشركة ز ارعة 110 آلاف فدان وتركز على زراعة ”القمح والشعير والذرة”.
كما تضم 15مزرعة أغنام، و5 مزارع أبقار تسمين، و30 منحلا لإنتاج عسل النحل. وتمتلك الشركة 612 وحدة سكنية مخصصة لأفراد القوات المسلحة، وشاركت إلى جانب القطاعات الاقتصادية للجيش فيما سمي بمشروع استصلاح المليون ونصف فدان. كما أسس الجيش الشركة الوطنية للتبريدات والتوريدات التي تم إنشاؤها عام 2015 بغرض توفير طرق النقل المبرد للبضائع.
المقاولات والإنشاءات
ونبهت الورقة إلى أن احتكار الجيش سوق المقاولات والإنشاءات من خلال شركتين كبيرتين تابعتين لجهاز الخدمة الوطنية هما الشركة الوطنية للمقاولات العامة والتوريدات والشركة الوطنية للطرق والكباري، حيث تحتكر الشركتان حصة الأسد من سوق الإنشاءات في مصر.
إضافة إلى إسناد العديد من المشروعات الكبرى للهيئة الهندسية، ففي مايو 2014، قال مدير الهيئة الهندسية للقوات المسلحة إن الجيش نفذ “473” مشروعا خدميا خلال السنة والنصف الماضية تشمل مد أنابيب المياه وبناء المشروعات والطرق والجسور والموانئ، وترميم المستشفيات والمدارس ومراكز الشباب، ومد محطات تحلية المياه.
كما تتولى الهيئة الهندسية إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة بعد أن أصدر السيسي القرار رقم 57 لسنة 2016 بتخصيص (16,645) 16 فدانا من الأراضي الواقعة جنوب طريق القاهرة السويس للجيش وسط أنباء عن تكلفة تقترب من 300 مليار دولار.

واحتكر الجيش سوق الأسمنت بما نسبته 30% على الأقل، وذلك بعد افتتاح مصنع بني سويف للأسمنت في مارس 2018، وينتج 6 آلاف طن يوميا، وبدأ الجيش إنتاج حديد بكمية تصل لـ2 مليون طن سنويا، وتتصدر شركة النصر للخدمات والصيانة “كوين سرفيس” مجال الأنشطة المتصلة بالإنشاءات والمعمار والسياحة، وتعمل الشركة في خدمات الأمن والحراسة والنظافة والتطهير وصيانة المعدات والمنشـآت، كما تدير الشركة مجموعة من الفنادق والقرى السياحية والبوفيهات والجراجات والساحات الرياضية، وتنشط في التوريدات العمومية، وصيانة السيارات، ويستحوذ جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة عليها بنسبة “75%”.
الصناعات الكيماوية
وأشارت الورقة إلى أن الجيش يمتلك معظم المناجم التعدينية في البلاد مثل مناجم الجبس والمنجنيز والرمل الزجاجي والطَفل والزلط. إضافة إلى الشركة الوطنية للبترول التي تدير محطات بنزين “وطنية”، وتنتج العديد من المنتجات النفطية.
وفي مجال البتروكيماويات والكيماويات الوسيطة هناك شركة النصر للكيماويات الوسيطة “المنظفات الأسمدة – مكافحات الحشرات”، وشركة العريش للإسمنت وشركة إنتاج المشمعات البلاستيك. إضافة إلى ذلك فإن الهيئة العربية للتصنيع، وهي مكلفة بتوفير احتياجات القوات المسلحة المصرية من المعدات الدفاعية، وقد توسع نشاطها ليشمل مشروعات مدنية إضافة إلى مشروعاتها العسكرية، حتى أصبحت تدير 11 مصنعا وشركة. كما توجد الهيئة القومية للإنتاج الحربي، وهي مكلفة بالإشراف على المصانع الحربية، وتمتلك الهيئة حاليا أكثر من 18 مصنعا للصناعات العسكرية والمدنية.
الإعلام والدراما
وامتدت العسكرة إلى قطاع الإعلام والفن والثقافة؛ حيث استحوذت المخابرات العامة عبر شركة (إيجال كابيتال) على جميع الفضائيات والصحف والمواقع واحتكرت قطاع الإنتاج الفني والدراما والتسويق والدعاية والإعلان.
وتقوم أجهزة السيسي الأمنية بإعادة هيكلة لسوق الدراما من حيث الإنتاج والمضمون والممثلين والمخرجين والكتاب والأسعار، في تكرار تجربة ستينيات القرن الماضي، للسيطرة المخابراتية على السينما والفن بدافع الأمن القومي.