الجمعة , أكتوبر 10 2025
الرئيسية / أخبار / القومية للأسمنت.. تطوير أفضى إلى تصفية

القومية للأسمنت.. تطوير أفضى إلى تصفية

في الثاني من أكتوبر الماضي، قررت الجمعية العمومية لشركة القومية للأسمنت، التي تأسست في عام 1956 وتنتج الأسمنت والجبس الصناعي والطوب ومواد البناء، تصفية الشركة نهائيًا، بعد أن قالت وزارة قطاع الأعمال العام إن خسائرها غير قابلة للعلاج.

رفض عمال الشركة قرار التصفية. وفي 16 أكتوبر أقاموا دعوى قضائية عاجلة أمام مجلس الدولة، للطعن على القرار وإيقاف عملية التصفية، ومقاضاة وزيري قطاع الأعمال، الحالي والسابق، ورئيس الشركة القابضة للصناعات الكيماوية بصفتهم، بحسب ما أكده عبد الغفار مغاوري محامي العمال، الموكل من قبل اللجنة النقابية بشركة القومية للأسمنت، لـ «مدى مصر».

وحددت الدائرة السابعة استثمار بمحكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة جلسة 24 نوفمبر الجاري، للنظر في الشق العاجل من الدعوى لوقف تصفية الشركة وإعادة تشغيلها، وإعادة عمالها للعمل وإعطائهم حقوقهم.

كانت الحكومة بررت قرار التصفية بالخسائر التي تراكمت خلال السنوات الأربعة الأخيرة لتصل إلى نحو  1.5 مليار جنيه، واستند القرار إلى دراسة لأوضاع الشركة أعدها مكتب استشاري تابع لجامعة القاهرة، خلصت إلى أن المؤشرات والأرقام الخاصة بالشركة «غير مشجعة»، وأن استمرارها سيؤدي إلى مزيد من الخسائر.

وقال رئيس مجلس إدارة الشركة في تبريره لقرار التصفية، إنه بالإضافة لخسائرها فهناك وفرة كبيرة في المعروض من الأسمنت في السوق المحلي، مع صعوبة تصديره لأن التصدير لا يتجاوز 1.5% فقط من الإنتاج، وهي تصريحات تتعارض مع افتتاح جهاز الخدمة المدنية، التابع للقوات المسلحة، لمجمع مصانع أسمنت بني سويف، في أغسطس الماضي، بقدرة إنتاجية تزيد على 11 مليون طن سنويًا، وبتكلفة بلغت 1.1 مليار دولار (ما يعادل نحو 19.5 مليار جنيه).

واعترف وزير قطاع الأعمال العام الحالي بوجود «مخالفات جسيمة» للإدارات السابقة للشركة، مؤكدًا إحالة تلك المخالفات إلى النيابة العامة للتحقيق، منذ مارس الماضي، وهي المخالفات التي أدت بشكل مباشر لخسائر الشركة، واتجهت الوزارة لقرار التصفية بغض النظر عن نتائج تلك التحقيقات، التي لم يتم البت فيها حتى الآن.

وكشف محامي العمال لـ «مدى مصر» عددًا من أوجه القصور التي شابت عملية اتخاذ قرار التصفية، أهمها أن الدراسة التي قام بها مركز الدراسات والبحوث التعدينية التابع لكلية الهندسة بجامعة القاهرة، والتي تم على أساسها اتخاذ القرار، لم يطلع عليها جميع أعضاء مجلس إدارة الشركة، ولم تُناقش في اجتماعه. وهو ما أكده رسلان حسني، العضو المنتخب بمجلس إدارة الشركة، والذي قال إن «رئيس الشركة أبلغنا بالانتهاء من الدراسة، وحينما طلب منه العضوين المنتخبين بالمجلس نسخة لقراءتها ومناقشتها خلال 48 ساعة، رفض، لذا لم يتسن لكل المجلس قراءتها أو مناقشتها في اجتماع رسمي».

يتشكل مجلس إدارة القومية للأسمنت من خمسة أعضاء، رئيس الشركة وعضوين معينين واثنين منتخبين، أي أن أكثر من ثلث مجلس الإدارة لم يناقش الدراسة التي أعدها مركز البحوث التعدينية، والذي يؤكد المحامي أنه لم يسبق له إعداد دراسات على الأسمنت.

الخسارة بالتطوير

«بدأت سلسلة الفساد المالي والإداري التي أدت بالشركة إلى كل ما آلت إليه من خسائر مالية وأزمات عمالية وفنية في عام 1997، مع تولي شركة أسيك الخاصة إدارة القومية للأسمنت»، بحسب تصريحات رسلان حسني، عضو مجلس إدارة الشركة المنتخب لـ «مدى مصر». لكن الضربة القاضية جاءت فيما بين عامي 2013 و2017.

كانت البداية بعقد بين الشركة القابضة للصناعات الكيماوية والقومية للأسمنت التابعة لها من جهة، وبين شركة أسيك من جهة أخرى، يعطي الأخيرة مهمة إدارة «القومية» لمدة خمس سنوات، على أن يتم خلالها تدريب العمال وصيانة الأفران والمصانع وتسليمها بحالتها الأصلية. «لكن ما حدث كان مغايرًا تمامًا لما ينص عليه العقد»، بحسب حسني.

استمرت أسيك في إدارة القومية للأسمنت لمدة تجاوزت 17 سنة، ولم تقم الشركة خلال تلك المدة الطويلة بصيانة الأفران والمصانع، بل «سلمتها متهالكة تمامًا»، كما يقول حسني، موضحًا أن استلام الأفران المتهالكة تم بموافقة لجنة ضمت رئيس الشركة القابضة وقتها، نبيل الجابري، وعضوية عثمان حماد، رئيس القومية للأسمنت آنذاك.

كان آخر خطط التطوير في عهد أسيك، بحسب عضو مجلس الإدارة، في 2013 عندما قررت إدارة القومية تطوير (up grade) للفرنين الرئيسيين للإنتاج (3 و4)، وتعاقدت مع شركة أرسكو (التابعة لمجموعة القلعة للاستثمار) كمقاول منفذ، ووقع على العقد من جانب الشركة المنفذة مديرها المالي خالد بدوي، الذي أصبح في وقت لاحق وزيًرا لقطاع الأعمال، والذي أبدى دهشته، في أول مؤتمر صحفي يعقده كوزير، من خسارة شركة تعمل في صناعة الأسمنت، واصفًا حالة «القومية» بأنها «حالة تُدرّس».

وكان مقررًا تمويل هذه الخطة بنحو 268 مليون جنيه، على أن يتم التنفيذ خلال 6 أشهر، يُغلق خلالها الفرنان بالتبادل، كما يوضح عضو مجلس الإدارة المنتخب، لكن التنفيذ استمر ثلاث سنوات، وأُغلق الفرنان بشكل شبه كامل، وليس بالتبادل، وقفزت التكلفة إلى 1.2 مليار جنيه (أكثر من أربعة أمثال التكلفة المقررة). تكبدت الشركة خسائرًا كبيرة، كما تراكمت فواتير الغاز ومرتبات العاملين، دون إنتاج يغطي التكلفة، من جراء الخطة، حيث اقتصر العمل في تلك المرحلة على طحن الأسمنت والتعبئة.

ومع خروج أسيك من إدارة القومية للأسمنت، تعاقدت الإدارة مع شركة دنماركية (FLS) لتتولى مهام الإدارة وصيانة المصانع والأفران، مقابل 360 مليون جنيه سنويًا، وهو العقد الذي اعتبرته وزارة قطاع الأعمال مؤخرًا من المخالفات الجسيمة التي ارتكبتها الإدارات السابقة للشركة، وأحالتها للنيابة للتحقيق فيها، بحسب عضو مجلس الإدارة، الذي أوضح أن مدة العقد تمتد من 2014 إلى 2019، لكن إدارة «القومية» أنهته مبكرًا بعد قرار وقف العمل بالأفران في نهاية العام الماضي، وأعطت الشركة الدانماركية كامل مستحقاتها.

وكانت مصانع القومية قبل التطوير، وفي ظل تهالك الخطوط الذي خفض إنتاجها من 4000 إلى 2500 طن في اليوم، لا تسجل خسائر، بل كانت تملك مدخرات بلغت نحو 600 مليون جنيه، وهي المدخرات التي ابتلعتها التكاليف الضخمة للخطة، بالإضافة إلى تكاليف توقف الإنتاج على مدار ثلاث سنوات، ما انتهى بالشركة «مديونة»، كما يروى حسني.

وفوق كل ذلك، يقول عضو مجلس الإدارة، لم يتحقق الهدف الأساسي من الخطة: تعديل الأفران لجعلها قليلة استهلاك الطاقة، وبالتالي تقليل تكلفة الإنتاج، خاصة مع اتجاه أسعار الطاقة للزيادة. فإنتاج طن الكلينكر (خام الأسمنت) كان يستهلك 80 مترًا مكعبًا من الغاز قبل التطوير، فإذا بالاستهلاك يرتفع بعد التطوير إلى نحو 120 متًرا مكعبًا لإنتاج نفس الكمية، «أي أن المشروع فشل فشلًا ذريعًا»، حسب حسني.

ومع ارتفاع استهلاك الغاز بنحو 40 مترًا مكعبًا للطن، في ظل تحرير سعر الصرف  وتحرير سعر الغاز، أصبحت تكلفة الطاقة باهظة وسببًا رئيسيًا في تحقيق خسائر كبيرة للشركة، التي أصرت الحكومة، وفقًا لرئيس اللجنة النقابية، على محاسبتها على متأخراتها من الغاز بسعر ما بعد التعويم (يتم تسعير الغاز بالدولار)، ولأن الجنيه فقد ما يقرب من نصف قيمته أمام الدولار بعد التعويم فقد بلغ بند فروق تحرير سعر الصرف نحو 671 مليون جنيه، وهو ما ساهم في تراكم الخسائر التي وصلت إلى 971 مليون جنيه في ميزانية 2016/ 2017.

ثم اتخذت إدارة القومية للأسمنت قرارًا بوقف الأفران عن العمل في نوفمبر 2017، بعد نحو عام من استئناف عملها عقب التطوير، مبررة قرارها بأن وقف الإنتاج هو السبيل لكبح جماح الخسائر التي يسببها الاستهلاك العالي للغاز، لكن الجهاز المركزي للمحاسبات اعتبر، في تقريره عن الشركة في مايو الماضي، أن هذا القرار رتب خسائر بلغت 550 مليون جنيه، كما أن قرار إيقاف الأفران جاء على عكس توصية سابقة للجنة دراسة أوضاع الشركة، والتي خلصت إلى أن الإيقاف هو البديل الأسوأ.

ضحايا التصفية

لم يشمل قرار الجمعية العمومية أي ملامح لمصير العاملين في الشركة، 2100 عامل، وطرق حصولهم على تسوياتهم المالية حال تفعيل قرار التصفية نهائيًا، كما أكد رئيس اللجنة النقابية بالقومية، لكن عماد الدين مصطفى، رئيس الشركة القابضة للصناعات الكيماوية، أعلن في تصريحات صحفية قبل يومين، عن تشكيل لجنة لبحث الآلية التي سيتم بها تعويض العمال.

وقال أيمن سلاطين، رئيس اللجنة النقابية بـ«القومية للأسمنت»،  لـ «مدى مصر»، إن «المؤشرات الأولية لتعويضات العاملين غير مبشرة»، موضحًا أنه وفقًا لتصريحات سابقة لرئيس الشركة ووزير قطاع الأعمال فإن التعويضات سيتم احتسابها بواقع شهرين عن كل عام محسوبة على آخر مرتب، ولما كانت رواتب العمال قد تم تخفيضها بتخفيض الحوافز من 390% إلى 75% منذ بداية العام الجاري فإن التعويضات «لن تكون عادلة».

وقال رئيس اللجنة النقابية بالشركة إنه وفقًا لوزير قطاع الأعمال فإن المبلغ المرصود لتعويضات العاملين يبلغ 650 مليون جنيه، «لو افترضنا مجازًا تقسيمه بالتساوي بين العاملين سيصل التعويض نحو 270 ألف جنيه لكل عامل، وهو رقم قليل جدًا في ظل الحالة الصحية للعاملين»، لأنه من المعروف عالميًا أن صناعة الأسمنت من الصناعات «القذرة» شديد التلويث للبيئة والإضرار بالعاملين بها، فضلًا عن أن التعويض يُحسب فعليًا بناء على الأجر الحالي للعامل وسنوات الأقدمية، والتي تتفاوت بشدة بين العمال والقيادات العليا للشركة.

وأكد سلاطين أن شباب العاملين (582 عاملًا) يواجهون مشكلة كبيرة، حيث لم يمر على تعيينهم 12 عامًا، وبالتالي لن يكون لهم معاش تقاعد، لأن المعاش يتم منحه بعد 20 سنة تأمينية، بالإضافة إلى أن وجودهم بالشركة لفترة قصيرة لن يمكنهم من الحصول على تسوية مالية جيدة.

ويوضح رئيس اللجنة النقابية بالشركة أنه إلى الآن لم تتم الدعوة لمناقشة طرق التسوية من قبل مصفي الشركة، وكان الإجراء الوحيد الذي اتبعه مع العمال هو إعطاء أجازة مدفوعة الأجر لـ 1200 عامل، والسماح لـ 900 آخرين باستكمال أعمالهم في الشركة.

شاهد أيضاً

عامر حسين: ننتظر إنقاذ برج العرب لمباراة الأهلي.. و”الانتقادات” سبب الأزمة

أكد عامر حسين رئيس لجنة المسابقات بالاتحاد المصري لكرة القدم أن هناك اتصالات مع الأمانة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *