عبد الرزاق قيراط يكتب: السيسي على حافة الهاوية
3 مارس، 2016
مقالات
437 زيارة
تنبّأ الرئيس التونسيّ، في حوار نُشر حديثا، بأنّ المنطقة العربيّة “تسير نحو الهاوية”.
وبرّر ذلك المآل بالقول إنّ مصيرنا لم يعد بأيدينا بعد أن أصبح “العرب خارج ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط”. والمتأمّل فيما يجري من حولنا بفعل التدخّل الروسيّ في سوريا، واستمرار الحرب في اليمن، ودقّ طبولها في ليبيا، يميل إلى تأييد الرئيس التونسيّ الذي هَرم في مواقع السلطة وتعلّم من كواليسها.
ولكنّه سيصدّقه على الفور، بمجرّد أن يلاحظ ما تعانيه مصر في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحالما يستمع إلى خطاباته الانفعاليّة التي تشهد على اضطراب الأداء وعسر المرحلة. وقد بلغت تلك الانتكاسة ذروتها في خطابه بمناسبة فعاليات مؤتمر “رؤية مصر 2030″، حيث أثار موجة جديدة من الجدل وعاصفة من السخريات التي لا تخلو من حسرة واعتبار .
عبد الفتاح الاخشيدي
لقد أقنع السيسي، بخطابه الأخير، مؤيّديه قبل معارضيه بأنّ مصر أو رئيسها، (أحدهما أو كلاهما) سائر إلى الهاوية إذا استمرّ ذلك الانقلابيّ المعطوب حاكما عليها.. وهو باعترافه لم يعد مفيدا ولا نافعا إذْ يقول عن نفسه:
“أنا لو ينفع أتباع، أتباع”.
وتلك الإشارة من شوارد الكلمات التي “يسهر القوم جرّاها ويختصم”، بعبارة أبي الطيّب المتنبّي، شاعر المديح والهجاء والفخر. وعلى نهجه، تفاخر السيسي بإنجازاته (الوهميّة) التي حقّقها بسرعة بعد عام ونصف العام من تولّيه السلطة، وهجا أعداء مصر الذين “يعايرونها بفقرها”، ويتآمرون على أمنها واستقرارها.. ثمّ وقع وقعته السوداء، فهجا نفسه بعرضها للبيع.
ومنح الساخرين والشامتين فرصة للعبث بصورته التي نزلت إلى الحضيض، حيث نُشرت في إعلان تجاريّ على مواقع التسوّق الإلكتروني الشهيرة مثل “أمازون”، و” إي باي”، بسعر افتتاحيّ مقداره جنيه واحد، وكان الإعلان تحت فئة “أشياء غريبة للغاية!”.. وتلك هي المفارقة العجيبة بين شعب يعيش في عصر التكنولوجيا الحديثة، ورئيسه الذي انحدر إلى عهد كافور الإخشيدي، حاكم مصر في نهاية القرن العاشر.. ويعرف المتعلّمون،(بتوع المدارس)، أنّ الإخشيديّ كان عبدا يباع ويشترى قبل أن يعيّن ضابطا في الجيش ويصير حاكما على المصريّين لمدّة ثلاث وعشرين سنة من 966 م، وإلى يوم وفاته.
رئيس مدى الحياة
وهكذا، كُتب على مصر أنْ لا يحكمها إلاّ العسكر حتّى إذا كانوا عبيدا يباعون في أسواق الرقيق قديما، وفي مواقع التسوّق على شبكة الانترنت حديثا.. ولو كان المتنبّي حيّا لكتب في السيسي ما لم يكتبه في الاخشيدي، لأنّه سيلاحظ أنّ الوضع لم يتغيّر”فالحرّ مستعبدٌ والعبد معبود”، كما قال في قصيدته التي مطلعها عيد بأيّة حال عدت يا عيدُ.
وعلى نهج الاخشيدي الذي حكم المصريّين إلى آخر يوم في حياته، أكّد السيسي أنّه لن يغادر موقعه قبل أن يحقّق لمصر نهضتها، فقال متسائلا بأسلوب إنكاريّ: “أنتم فاكرين إنّي أنا هاسيبها ولّا إيه؟ لا والله أنا هافضل أبني وأعمّر فيها لغاية أمّا تنتهي يا حياتي يا مدّتي”.. واللافت أنّ المتكلّم أعطى الأسبقيّة لانتهاء الحياة على المدّة في ذكر أسباب زوال الحكم، ما يدلّ على عزم واضح للبقاء في السلطة بقدر ما بقي أسلافه من العسكر، وعلى رأسهم حسني مبارك الذي استمرّ حكمه ثلاثين عاما، “والله يضاعف لمن يشاء”، كما يطمع السيسي.
فهو(حاسبها كويّس)، ولذلك، قال إنّ موعد المصريّين مع التنمية الشاملة سيكون في أفق 2063! وأكّد للشعب أنّ موعده مع الديمقراطيّة مؤجّل إلى حينٍ قد يستغرق عقودا طويلة بقوله:” “لسه بدري أوي علشان تبتدوا الممارسات الديموقراطية”.. وسطّرْ أيّها القارئ تحت كلمة (أوي)، فالسيسي يحبّ التسطير تحت كلماته كما طلب في مطلع خطابه منبّها: “أتحدث معكم بكلّ صدق وإخلاص وبكلّ علم، وضعوا تحت كلمة (علم) خط كويس”!
زعيم الكوميديا
إنّ طبيعة العلم الذي ظهر في كلمة السيسي مجهولة تماما، لم نتشرّف بالإطلاع علبها في مقرّرات المدارس والجامعات التي تخرّجنا فيها.. وغاية ما يُدرك في مآثر خطابه الأخير، أنّه تفوّق بفضله على نجم الكوميديا عادل إمام فحصد عددا كبيرا من المشاهدات على قنوات يوتيوب، وعلى مواقع التواصل الاجتماعيّ، وقد ظهرت موهبة الرجل في إضحاك العامّة والخاصّة بأقوال وأفعال غير متوقّعة تجعلنا لا نستبعد أن يكون فاروق صبري هو الذي حرّر خطاب الزعيم السيسي على نفس الشاكلة التي كتب بها مسرحيّة الزعيم عادل إمام.. وقد لاحظنا الموسيقى العسكريّة التي سبقت خطاب الزعيمين بالإضافة إلى الكثير من المواقف المتشابهة التي وصلت إلى ذروتها عند الحديث عن المؤامرات حيث هتف عادل إمام قائلا: ” هناك بعض الأشخاص يشنبروا لنا .. نحن لن نقبل أيّ شنبرة بأيّ حال من الأحوال..”، وبنفس النبرة والتحذير تحدّث الرئيس السيسي مطوّلا عن المؤامرة أو الشنبرة التي تهدّد مستقبل المصريّين بغاية تخريب بلدهم، وهو يدرك تمام الإدراك أنّه أخطر “المشنبرين” الذين ابتليت بهم مصر في تاريخها الحديث، وإذا استمرّ حاكما عليها فإنّه سائر بها(لا قدّر الله) أو بنفسه (إن شاء الله) نحو الهاوية وسوء المصير.