أسرار جديدة حول صفقات الغاز التي عقدها نظام الانقلاب من أجل تعويض الفاقد في الاستهلاك المحلي، رغم إعلان سلطات الانقلاب عن اكتشافات الغاز الأخيرة، والتي أعلنت أنها ستجعل مصر مصدرًا كبيرًا للغاز على مستوى العالم، في الوقت الذي رفعت فيه الحكومة الدعم عن الغاز، ورفعت سعر الغاز بنسبة 75%.
وقالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، إن الفارق المادي بين الاكتشافات التي أعلنت عنها حكومة الانقلاب وبين رفع الدعم عن الغاز واللجوء للاستيراد من الخارج، سببه الطريقة الخاطئة التي تدير بها القاهرة هذا القطاع، بعد أن اتخذت الحكومة مسارا غير تقليدي لتصبح المصدِّر الرئيسي القادم للطاقة في الشرق الأوسط.
وقالت الصحيفة الأمريكية، إن المواطنين هم من يدفعون الفاتورة، في الوقت الذي أعادت سلطات الانقلاب استقطاب بعض شركات النفط الكبرى إلى مصر جزئياً من خلال دفع المزيد إلى الشركات الأجنبية للحصول على الغاز الطبيعي، ورفع أسعار الكهرباء والغاز للمستهلكين الذين يعانون أيضا من ارتفاع أسعار المواصلات والمياه والسلع الأساسية الأخرى.
ارتفاع الأسعار
وأشارت الصحيفة إلى ارتفاع أسعار الكهرباء بنسبة 26٪ بين ليلة وضحاها، بينما ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي بنسبة 75٪. ونتيجة لذلك، استثمرت شركات “بي بي” البريطانية وشركة “إيني” الإيطالية” مليارات الدولارات في مصر في السنوات الأخيرة، بما في ذلك أكبر حقل للغاز الطبيعي في البحر المتوسط قبالة الساحل المصري.
كما نوهت الصحيفة الأمريكية إلى أن ديون مصر الكبيرة لشركات النفط، والعجز المرتفع في الميزانية، وشروط قروض صندوق النقد الدولي، دفعت إلى عكس نموذج الدول النفطية، في دعم منتجاتها للاستهلاك المحلي، إذ ارتفعت أسعار الطاقة للعامة، في الوقت الذي يُشاد فيه بمجموعة من الاكتشافات الكبيرة للهيدروكربونات.
كما تعرضت لحالة الغضب المكتومة في صدور المصريين بعد ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء، ما أثار استياءً داخل نفوس المصريين العاديين الذين يدفعون أكثر رغم ثبات الأجور التي يتقاضونها.
ونقلت الصحيفة عن إنجي عز، وهي ربة منزل في القاهرة وتبلغ من العمر 32 عاما: «حتى إذا أصبحت مصر مُصدِّرة للغاز، ستواصل الحكومة اختراق جيوبنا بفواتير الكهرباء».
وأضافت أنها مُطالَبةٌ بدفع 200 جنيه مصري كل يومين لسداد فواتير الكهرباء مسبقة الدفع. وتقدر أنها تنفق 10٪ من دخلها الشهري على الكهرباء.
وقالت الصحيفة إن الأزمة الاقتصادية منحت نقطةً جديدة لمعارضي السيسي، الذين انتقدوا طريقة تعامله مع الاقتصاد.
شكاوى واسعة
وقد أدت الزيادات في الأسعار إلى شكاوى عامة واسعة النطاق واحتجاجات، حيث اندلعت مظاهرات صاخبة في محطات مترو القاهرة بعد أن فرضت الحكومة زيادة مفاجئة في سعر التذكرة، لكن الحكومة سارعت إلى قمعها، ونشرت شرطة مكافحة الشغب.
وألقت حكومة السيسي القبض على الآلاف في حملات قمع سياسية في السنوات الأخيرة، إذ أغلقت تقريبا جميع السبل في وجه المعارضة.
وتأتي الزيادات في الأسعار كجزءٍ من عملية رفع الدعم التي حثَّ عليها صندوق النقد الدولي. ومنح صندوق النقد الدولي مصر قرضاً قيمته 12 مليار دولار عام 2016، لكنه طالب الحكومة بخفض إنفاقها الكبير على الدعم الحكومي لخفض عجز ميزانيتها.
ومع ذلك التضخُّم والأجور الثابتة والبطالة المستمرة جعلت حياة المصريين اليومية أصعب. وبعد عقودٍ من التراجع، تلقَّت صناعة إنتاج الطاقة في مصر دَفعة في السنوات الأخيرة باكتشافات هائلة جديدة لحقول الغاز الطبيعي. وتمكَّنَت شركة Eni من العثور على أكبر هذه الحقول، وهو حقلٌ يدعى ظُهر، تحت قاع البحر الأبيض المتوسط في عام 2015، وهو يحتوي على كمية غاز أكبر من تلك التي استهلكتها الولايات المتحدة بأسرها عام 2017، وفقاً لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
وقال السيسي، في مؤتمر في يوليو: إنه يدعو الله كل صباح أن يرزقه باكتشاف «10 أو 12» حقلاً مثل ظُهر. وفي خطوة نحو إنشاء مركز للغاز، وقعت شركة مصرية في فبراير اتفاقية بقيمة 15 مليار دولار لاستيراد الغاز من إسرائيل.
أمنيات مستحيلة
ونقلت الصحيفة الأمريكية عن محللين اقتصاديين ردهم على أمنيات السيسي، أنه حتى لو تحققت التنبؤات الحكومية، فإن فوائد اكتشافات الغاز الجديدة لن تكون كافية لحل المشاكل المالية في مصر. فالدولة غارقة في الديون، وتدين بـ86٪ من الناتج المحلي الإجمالي للمقرضين المحليين والأجانب، وفقاً للبنك المركزي.
وأكدوا أن هناك عقبات قد تعيق تحقيق أهداف الحكومة في مجال الطاقة أو أن يستشعر المواطنون العاديون أثر مكاسبها.
ولا يزال قطاع الطاقة في مصر يتعافى من السنوات المضطربة التي تلت ثورة يناير/كانون الثاني 2011 في البلاد، التي أنهت حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك. عندما استولى السيسي على الحكم 2013 بعد انقلاب عسكري، وغرقت المدن المصرية في ظلامٍ دامس جزئيا بسبب نقصٍ حاد في الغاز. أثناء الأزمة، حوَّلَت الحكومة إمدادات الغاز لمعالجة النقص، وكنتيجة لذلك تضخم دين مصر لشركات الطاقة الدولية ليصل إلى أكثر من 6 مليارات دولار.
ولا تزال مصر مدينة بأكثر من مليار دولار لشركات مثل «Dana Gas» الإماراتية، وفقا لوزارة البترول.
وتقول شركة Dana إنها تؤجل بعض الاستثمارات في مصر بسبب «عدم التسديد بصورة منتظمة ومحددة التوقيت»، مما يبطئ من تنفيذ خطط البلاد في مجال الطاقة.
وتقول مصر إنها ستسدد المبالغ المستحقة لشركات النفط الأجنبية بنهاية عام 2018. كما أنها رفعت الأسعار المدفوعة للشركات.
على سبيل المثال، وافقت الحكومة في عام 2015 على زيادة المبلغ الذي تدفعه إلى ما بين 4.00 دولار و5.88 دولار لكل وحدة غاز، حسبما قال رئيس شركة النفط الوطنية في ذلك الوقت، وهي زيادة عن السعر السابق البالغ 2.65 دولار.