ارتبطت اغلب هبّات المصريين الغاضبة بعجز حكومات الانقلاب عن توفير الخبز والوقود، وهو ما بدأت بوادره في الازدياد مؤخرا مع رفع تذاكر قطار المترو من جنيه واحد أيام المخلوع مبارك إلى سبعة جنيهات في عهد السفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، عودة الطوابير الطويلة أمام محطات الميكروباص وأتوبيسات النقل العام كأحد البدائل لن يدوم طويلاً، فقريباً سيتم رفع تعريفة ‘بنزين 80′، اللازم إلى تشغيل مؤسسات حيوية وبينها تشغيل المخابز والمستشفيات ووسائل النقل.
أما أجهزة الحكم المحلي التي يبلغ عدد موظفيها نحو ثلاثمائة ألف شخص، فقد عمدت حكومات العسكر منذ أيام مبارك وحتى السيسي على أن يشكلوا ‘دولة داخل الدولة’، يتلخص دستورها في كلمة واحدة: الفساد، وبات الشعب يغلي فوق نار الغلاء والأسعار والفساد والقمع والانتهاكات، فكيف سيواجه السفيه السيسي انفجارا يؤكد المراقبون أنه بات قريباً، وهل سيسمح للجيش والشرطة مواجهة الطوفان الشعبي، أم هنالك طرف ثالت يجري تحضيره للمعركة المقبلة؟
تقول الناشطة صدفة الحسن:” أعتقد أن نخنوخ مطلوب للمرحلة القادمة الأسعار تغلي الناس تتظاهر فبدل ماينزل الجيش أو الشرطة يسيبوا عالناس البلطجية والمجرمين ومن الواضح كده أن نخنوخ عنده تشكيل إجرامي مشغله وهينفع الدولة أووووي الفترة اللي جاية”.
عوامل الانفجار
تواطؤ سلطات الانقلاب والأجهزة التابعة له في التغاضي عن آلاف المخالفات القانونية يوميا مقابل رشاوى، يفسر الانهيار المستمر في بنايات حديثة البناء، وكارثة غرق مناطق في الجمهورية جراء هطول الأمطار، وأدى هطول الأمطار لمدة 48 ساعة فقط إلى غرق مناطق بشكل غير مسبوق في أنحاء العاصمة بما في ذلك بعض الأحياء الراقية، وهي مع ذلك لا تتورع عن جباية على فواتير الكهرباء متكررة الانقطاع.
يقول الناشط محمود سعد :” نخنوخ عنده أسطول من البلطجية شديدي الإجرام وواضح انه رجل المرحلة القادمة بعد قرارات رفع الدعم عن المشتقات البترولية وزيادة الأسعار في الكثير من السلع ضيفي على كده الاستغناء عن مئات الموظفين قريبا”.
وإذا أضفنا إلى ذلك كله تدهور في الخدمات الصحية والصرف الصحي والتعليم، لا يمكن الهروب من حقيقة أن مصر تواجه خطرا غير مسبوق في تاريخها السحيق، أما ردود أفعال هكذا التآكل في قواعد الدولة فكان استئسادا من العصابات الإجرامية إدراكا منها أن سلطات الانقلاب منشغلة في قمع المظاهرات، ولم يعد غريبا أن تحدث حالات ‘تثبيت’ كما يسميها المصريون اي سرقة مسلحة باستخدام رشاشات آلية في وضح النهار، أما في الطريق العام أو داخل سيارات الميكروباص.
ويقول الناشط مشير الباشا:” طبعا البلد محتاجه لكل نخنوخ عشان حد من وسط النظام يحاول يمشى لوحده قاضى مش عاوز يحكم بالى يقولوله عليه اعلامى عمل فيها شريف وشعب زاد عليه سعر رغيف العيش وحد اتكلم يلاقى البلطجيه فوق دماغو وحبه من الشرطه وحبه من نخنوخ”.
كما قرر بعض المواطنين أن يحموا أنفسهم بأنفسهم، فانتشرت الأسلحة الشخصية والشركات الأمنية الخاصة بعد أن كانت شبه غير معروفة أصلا عند المصريين، ويبقى هذا قليلا من كثير مما وصلت إليه الأحوال المعيشية للمواطنين المصريين، وكثير منهم أصبح يعتبر أن ‘للصبر حدودا’، خاصة بعد كل ما قدموا من تضحيات وهذا هو الخطر الحقيقي الذي تسعى وسائل إعلام العسكر جاهدة إلى التعتيم عليه، إلا أن الحقيقة انه موجود ويتصاعد يوميا.
كوارث الانقلاب
واعتاد المصريون في الآونة الأخيرة على الاستيقاظ صباح أي يوم على موجة غلاء جديدة، وكانت آخر موجة من تلك التي أغرقت المصريين، هي قرار رفع أسعار تذاكر المترو، على أن تصبح تذكرة عبور تسع محطات ثلاثة جنيهات، و16 محطة خمسة جنيهات، وأكثر من 16 محطة سبعة جنيهات، في حين كانت أغلى تذكرة لا تتجاوز جنيهين.
وفي ظل هذه السياسة التي تقوم بها حكومة الانقلاب لاستنزاف كل ما يملكه الفقراء من أموال محدودة، حتى يصل بها الأمر لرفع ثمن تذاكر المترو بنسبة 250%، لم يجد أفراد الشعب البسطاء أي وسيلة أمامهم غير الاعتراض بالدعوة إلى حملات مقاطعة المترو على الفيسبوك، أو السخرية بتقديم حلول للاحتيال على الحكومة في ثمن التذكرة.
وربما زاد من حدة الاحتجاج التي عُبئ بها الشارع المصري، أن هذه الزيادة في تذاكر المترو كانت الثانية في نفس العام، وخرجت التصريحات الرسمية لتبرير هذه الزيادة المبالغ فيها تجاه البسطاء ومحدودي الدخل، الذين هم أكثر الفئات ارتيادًا للمترو، أن هذه الأموال موجهة لاستكمال خطط التطوير المنشودة لمستخدمي مترو الأنفاق وتطوير وتحديث أنظمته.
وذرًّا للرماد في العيون، قالت وزارة النقل في حكومة الانقلاب إنها راعت البعد الاجتماعي، فلم تزد من أسعار اشتراكات الطلبة وذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن، وأن هذه الزيادة جاءت لتحقيق العدالة الاجتماعية، وللحفاظ على هذا المرفق الذي يخدم ملايين المصريين.
ويعتبر هذا الإجراء خطوة ضمن تحقيق الإجراءات التقشفية التي تم الاتفاق عليها للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي لمدة ثلاث سنوات بقيمة 12 مليار دولار، والتي تم توقيعها عام 2016، وهذه الإجراءات تتمثل في رفع الدعم، وخاصة دعم الطاقة، وزيادات في الضرائب، حتى يتم إيقاف العجز بميزانية الدولة، وجذب المستثمرين الأجانب الذين ابتعدوا عن الاستثمار في مصر عقب انقلاب 30 يونيو 2013.