تحول الرقص الهستيري للناخبات أمام اللجان في الانتخابات الهزلية التي جرت بعد الانقلاب على الرئيس الشرعي محمد مرسي، إلى لطم هستيري على ضياع الأخضر واليابس هذه الأيام، خاصة أن تلك العدوى انتشرت مثل النار فى الهشيم أمام معظم اللجان، إن لم تكن على مستوى مصر منذ اللحظة الأولى، فأصبحت هى المسيطرة على مشهد الانقلاب الذي قاده وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي، ليضحى الحديث عن رقص السيدات بل الرجال أيضا أمام اللجان، نكتة مقارنة باللطم الآن أمام الأفران في أزمة رغيف العيش.
غاب الشعب المصري الحقيقي في مسرحية الانتخابات الهزلية التي أجراها العسكر بعد الانقلاب، وحضر الرقص بقوة من قبل المخدوعين والمدفوعين على حد سواء، سيدات وفتايات يتمايلن أمام الكاميرات ويتواجدن طيلة اليوم؛ وهو مشهد كان صادمًا للعالم كله، عجز الكثير عن تفسير السر وراء هذا الرقص الهستيرى، الذى يتنافى مع طبيعة المرأة الشرقية بشكل عام والمسلمة بشكل خاص.
واليوم ومع تبدل المشهد إلى جنازة وبكاء على أطلال وطن، امتدت الحيرة من المواطن العادى إلى أساتذة علم النفس والاجتماع الذين حاولوا تحليل المشهد الباكي بعد المشهد الراقص.
مع أول غضب شعبي متعلق بقرارات مست حقوق الفقراء، دفعت سلطات الانقلاب بـ”القوات الخاصة” لإنهاء احتجاجات في منطقة العصافرة، بعد قرار مديرية التموين في حكومة الانقلاب بوقف صرف الخبز بالبطاقات الورقية وخفض حصة المخابز من الكارت الذهبي، حيث شهدت عدة محافظات مظاهرات عارمة ضد هذا القرار، الأمر الذي اعتبره خبراء دليل رعب السيسي من اندلاع ثورة تدك ضلوع الانقلاب.
شاهد.. هتافات بإسقاط “السيسي” في “انتفاضة التموين” بالمحافظات |
الشعب ينفجر
وبات مراقبون يتساءلون ألم يأن لهذا الفاشل أن يرحل؟ ألم يكن السبب في ثورة الجياع القادمة أن السيسي والعسكر سبب ضياع هذا الشعب.
الصحفي والناشط أحمد عبدالعزيز يرى في الحدث أهمية كبرى ونقلة نوعية، لأنه تحرك شعبي كبير ينطلق مباشرة من متاعب المواطن، ويشير إلى أن القاعدة العريضة من الشعب لم تعد تحتمل المزيد من الضغوط المعيشية وباتت على شفا الانفجار.
وتابع في تصريح صحفي “احتجاجات أمس تمددت بسرعة في أكثر من محافظة، وهو مؤشر على بداية لتداعيات أخرى لا تقتصر على الخبز فقط، والناس كسرت حاجز الخوف، فالشارع تغلب وتجرأ، وهو ما يمكن أن يمهد لثورة إذا تلامست مع أزمات أخرى مثل الأدوية والمخصصات التموينية الأخرى على البطاقة”.
واعتبر عبدالعزيز أن إمكانية استثمار الغضب تتوقف على القوى السياسية ومدى تنظيمها واستعدادها لقيادة الشارع وخطابها المؤثر في الناس، مع تقديم حلول بديلة تترجم التعاطف إلى واقع.
القراءة الأولية لردود الأفعال على مظاهرات المحافظات تؤشر إلى “تناسب عكسي” بين مستوى التمثيل الشعبي والمواقف الصادرة عن أصحابه، حيث بدت دائرة الجهة المتحملة لمسئولية ما يجري متسعة كلما كان الموقف صادرا عن أشخاص يمثلون القاعدة الشعبية، وضيقة جدا كلما كان صادرا عن “ذوي الحيثية السياسية” وصولا إلى وزير التموين نفسه.
فالمتظاهرون في الشوارع رددوا هتافات منددة بالحكومة ووزارة التموين، منها: “باطل.. قرار وزير التموين باطل” و”يا حكومة فين العيش”، و”ارحل.. ارحل يا مصيلحى” وكانت في يعض الأحيان “يسقط السيسي”.
فيما بلغ مستوى التعبير لدى الشباب منهم إلى حد تدشين وسم جديد على شبكات التواصل الاجتماعي بعنوان “#انتفاضة_التموين”، حملوا فيه نظام الحكم مسئولية إرهاصات انتفاضة تعيد إلى الأذهان تلك التي جرت في يناير 1977، واعتبرتها الأوساط الشعبية إرهاصات “ثورة اجتماعية” فيما سماها النخبويون ومسئولو الدولة بـ”انتفاضة الحرامية”.
قوات فض الثورة!
ويردد المصريون الآن بحسرة على ثورة 25 يناير، آن لهذا الفاشل أن يرحل وترحل معه طغمة الجنرالات الذين يعيشون في نعيم أسطوري لا يعيشه أمراء ورؤساء وملوك العالم، آن لفشلة مبارك وقيادات عسكره الذين أخرجوه براءة بعد أن ضيع أربعة أجيال من حوله أن يرحلوا، آن لرجل مبارك الأول ومنفذ سياساته في تجويع الشعب المصري الذي لم يعد يجد قوت يومه بالمعنى الحرفي لغالبية أبنائه أن يرحلوا ويتركوا الحكم والسلطة التي تسلطوا بها على الناس.. فاستعبدوهم وقهروهم وأذلوهم.
وبات الشعب المصري في ظل حكم انقلاب 30 يونيو مستذلا من جنرالات العسكر، مستعبدا من فراعنة المناصب الذين يجلسون في غرفهم المكيفة وشياعهم وقصورهم، ويصدرون القرارات برفع الدعم عن الشعب الجائع، ويسرقون منه حتى الخبز لصالح تكديس المليارات والسكن في القصور في الدتخل والخارج.
الكل يطرح السؤال المرّ.. أليس منكم رجل رشيد يرحم هذا الشعب الذي أصبحت حياته جحيما لا يطاق.. وعذاب يومي حطم أرجاء معيشته اليومية؟!
ويعتقد محللون وسياسيون أن ثورة الجياع قادمة ولن تبقى ولن تذر، ولن تنفع نداءات من قبيل ارحموا هذا الوطن المنسحق تحت أقدام الكبار والطغاة، ونشرت مواقع التواصل الاجتماعي مجموعة من الصور من منطقة العصافرة بعد فض المظاهرات، وظهر شريط السكة الحديد خاليًا بعد أن قطعه مواطنون لمدة ساعة وأكثر، وظهرت القوات الخاصة أو ما يطلق عليها قوات فض الثورة!
ولأول مرة انتفضت عدة محافظات ضد قرار وزارة التموين في حكومة الانقلاب، دون إعلام رسمي، بتخفيض عدد أرغفة الخبز المستحقة للمواطنين على “الكارت الذهبي”؛ ففي محافظة كفر الشيخ قطع الأهالي طريق شارع الجيش من أمام مجلس مدينة دسوق، ومنعوا مرور السيارات القادمة من اتجاه الموقف العمومي، ورفضوا إعادة فتح الطريق مرة أخرى، مرددين هتافات: “الصحافة فين.. الغلابة أهم”، و”واحد اتنين رغيف العيش فين”، و”العيش العيش.. الحكومة فين”.
الأمر نفسه من أهالي مدن محافظة المنيا وقراها؛ حيث انتفض المئات من الأهالي ضد قرار تخفيض الخبز إلى النصف لأصحاب الكارت الذهبي، مرددين هتافات: “عايزين عيش، عايزين عيش”.
وفي قرى أسيوط ومدنها تجمهر المئات أمام مكاتب التموين احتجاجًا على قرار وزير تموين الانقلاب علي المصيلحي بتخفيض كميات الكارت الذهبي المخصص للمواطنين الذين لا يمتلكون بطاقات تموينية، ونتجت عن الاحتجاجات حالة من الهرج والمرج، وتدخلت الشرطة لفضها.
فيديو| اتهامات وفشل.. هكذا تناول إعلام العسكر “أزمة التموين” |
القراءة الأولية لردود الأفعال
قبل اشتعال مظاهرات الخبز بساعات، استضاف “بيت حسن” بمنطقة الحسين في القاهرة ندوة حضرها عدد من الكتاب والمفكرين، وأطلقوا فيها جرس إنذار من إرهاصات “ثورة جياع” في مصر.
وفي هذا السياق، أكد المحلل السياسي عمار علي حسن، أن التقارير المحلية تقول إن من يعيش تحت خط الفقر، أي بدخل دولارين في الشهر، يمثلون 40% من سكان مصر، مشيرا إلى أن كثيرا من الاقتصاديين كتبوا عن انهيار الطبقة الوسطى وزيادة الفجوة الاقتصادية، بما يشعل الضوء الأحمر للمسئولين لتجنب الغضب الشعبي وثورة قادمة إذا استشرى الفساد أكثر.
ويبدو أن صدى هذه التحذيرات قد وصلت إلى سلطات الانقلاب، حيث نقلت صحيفة الأخبار اللبنانية مضمون تقرير وصفته بالسيادي، قُدم على صورة تقدير الحالة العامة للشعب إلى رئيس الانقلاب السيسي، وحذر من “ثورة جياع” إذا استمرت الأوضاع الاقتصادية في الانحدار خلال الأشهر المقبلة.
وتضمن التقرير أن ارتفاع الأسعار هو السبب الرئيسي للاحتقان الاجتماعي، إضافة إلى امتداد الغضب صوب قطاعات شعبية مؤثرة بسبب تدني رواتبها، خاصة الأطباء والمدرسين.
فهل تعيد مظاهرات الخبز الروح إلى ثورة 25 يناير من جديد؟ أم تستمر سياسة حكومة الانقلاب في نفي وجود أزمة وتحميل المسئولية على “جشع التجار” و”بلطجة أصحاب المخابز”؟.. الأيام المقبلة حبلى بالإجابات.