أينما تولي وجهك، ستجد من يواجهك بهذا السؤال: ماذا سيحدث في يوم 11/11 ؟، وينطلق منه سؤال آخر ما رأيك في الدعوة إلى الثورة في هذا اليوم، تحت عنوان “ثورة الغلابة”؟!
الإجابة عن السؤال الثاني تبدو سهلة، فأنا لدي حساسية من أن أدعو الجماهير في مصر للتظاهر، بينما أعيش بعيداً، لاسيما أننا أمام سلطة لا ترقب في المصريين إلا، ولا ذمة، وإذا خرجت أعداد قليلة في هذا اليوم أو غيره، فسوف تفتك بها، تقتل فريقاً وتأسر فريقاً.
أما إجابة السؤال الأهم وهو: ماذا سيحدث في هذا اليوم؟، فلا أظن أن أحداً في مصر الآن يمكنه أن يتنبأ بما سيحدث غداً، وقد خرجت في ثورة 25 يناير، وكلي قناعة بأن شيئاً لن يحدث، وكنت ضد المقارنة بالمشهد التونسي، فهناك وعي أكبر، كما أني مدرك أن الرئيس بن علي تعرض للخيانة من قائد الحرس، الذي أخبره أن المتظاهرين في طريقهم للقصر، وليس لديه قوات تستطيع التصدي لهم، بينما هناك حظر للتجول وكان التونسيون في بيوتهم انصياعاً له، وإذ نزل الجيش للشارع، فقد انحاز للجماهير، لحاجة في نفس يعقوب!
هذا ما كنت أدركه، بينما أسير في مسيرة دخلت “ميدان التحرير”، وقلت ليلتها لو انتهى هذا المشهد بإقالة حبيب العادلي، وزير الداخلية لكان انتصاراً كبيراً، لعلمي أن مبارك لم يكن ليتنازل عن وجود العادلي بسهولة، وهناك أمنية خاصة لي في إقالة هذا الوزير، الذي كان بيني وبينه ما صنع الحداد.
وإذا انتهى المشهد الثوري في الواحدة صباحاً، بتدخل عنيف لقوات الأمن التي طاردت المتظاهرين بكل قسوة، فقد ظننت أن الأمر قد انتهى، وهو الظن الذي سيطر عليّ عندما خرجت من صلاة الجمعة يوم 28 يناير، فإذا بالحضور الأمني كثيفاً ومرعباً ولا يبدو هناك متظاهرون على “مدد الشوف”، لكن المعادلة تغيرت بعد قليل.
ومن هنا فالتنبؤ مغامرة، لاسيما مع حالة الرعب التي تنتاب سلطة الانقلاب وأذرعها الإعلامية، وفي الواقع فإن الدعوة لثورة الغلابة في هذا اليوم لم يحدث لها هذا التأثير إلا بحالة الفزع في صفوف أهل الحكم، فهم الذين روجوا لها، وهم الذين أسمعوا بها من لم يسمع، وحالة الارتباك هي المسؤولة عن الرأي ونقيضه في البرنامج الواحد من نفس الشخص!
استمعت لأحدهم عبر أحد برامج الخوف، فقال إن هذا اليوم سيشهد حضوراً إخوانياً يستعين بالبلطجية من أجل تدمير البلد، وفي النهاية قال إنه يوم سيمر عادياً، وذلك في مداخلة لم تستغرق خمس دقائق!
حالة الفزع هذه هي التي دفعت البعض ممن يسيطر عليهم الهاجس المخابراتي إلى إعلان أن هذه الدعوة تقف وراءها سلطة الانقلاب كمسوغ لاعتقال أكبر عدد من المعارضين، وحتى يستطيع السيسي أن يعيد الخائفين للاحتشاد حوله، بعد أن غادر الكثيرون معسكره، باعتبار أن هناك خطراً يواجه الدولة، كما يستهدف النفخ في هذا اليوم، حتى يصاب الناس بالإحباط بعد الفشل!
وهي وجهة نظر تبدو منطقية لكنها تتهاوى عند أول نظرة فاحصة؛ ذلك بأننا أمام سلطة لا تحتاج لأي مسوغ للاعتقال، والبطش، والإخفاء القسري، والتصفية الجسدية، فضلاً عن أن المصريين وقد استبد بهم اليأس من فشل السيسي، لم يعد لديهم فائض قدرة ليحتشدوا حوله، لاسيما أنهم لم يعودوا فعلاً يؤمنون بأنه الخيار الأفضل، فهو المشكلة ورحيله هو الحل!
الحديث عن دفع الناس لليأس عندما يفشل هذا اليوم ليس صحيحاً، فهذه ليست الدعوة الأولى فقد بدأت الدعوات لإسقاط الانقلاب منذ حشد رابعة، والنهضة، ثم الدعوة إلى أيام بعناوين مختلفة، لم تفض في النهاية إلى شيء، إلا في زيادة عدد المعتقلين والضحايا، واليأس يكون ليوم أو لأسبوع ثم يجدد الجسم خلاياه ويدب الأمل من جديد عند أول دعوة لإسقاط الانقلاب، وهو المأزق الذي يواجهه عبد الفتاح السيسي، فرغم ما فعل من قتل، واعتقال، وتصفية، إلا أنه لم ينجح في مهمة بث الإحباط في قلوب خصومه لفترات طويلة.
الفزع الذي انتاب أهل الحكم وذيولهم في الإعلام، مرده إلى أن الإخوان يقفون وراء الدعوة، وهذا ليس صحيحاً، فالإخوان يترقبون مثل غيرهم من القوى، وهم منذ البداية ليسوا متحمسين لحراك ثوري على قواعد المطالب الاقتصادية، التي لو نجحت ستعود لتحاكم الحكم الجديد بالساعة في تحقيق مطالبها، وقد تتحول إلى طوفان لا يمكن السيطرة عليه، وقد كان عبد الفتاح مدركاً لطريقتهم في التفكير فوجه لهم كلامه بأن مصر لو دخلت هذا النفق فلن تصلح لا لنا ولا لكم، وهو يعاملهم على أنهم البديل له، الذي لن يسعده استلام دولة ممزقة بفعل الحراك الثوري الذي لن يستسلم هو له، وسيفرد في مواجهته الجيش في ست ساعات في كل القطر المصري.
الحديث عن أن الإخوان يقفون وراء الدعوة لـ 11/11، يستهدف أيضاً تخويف القوى الأخرى منها، والتي وإن نفضت يدها من السيسي وشعرت بخيبة الأمل، فإنها لم تقترب من الإخوان قيد أنملة، كما أن هناك خلايا السيسي النائمة، ممثلة في أتباع الكنيسة وإن كانوا قد فقدوا حماسهم له، فإنهم يخافون من حدوث ثورة عنيفة تقوم بالانتقام ويفقد الاصطلاحيون قدرتهم على السيطرة!
قولاً واحداً، فإن هذه الدعوة من خارج الإخوان، وكل القوى الشبابية وإن كانت لم تحدد موقفها منها، فإنها تنتظر الوقوف على مدى الاستجابة الجماهيرية لها، فإن كانت واسعة تمت المشاركة فيها، وإن لم تكن فإن المترقبين يكونون قد لاذوا بالحيطة، فلم يتورطوا في تأييدها، وكذلك الإخوان، الذين لن يدعوا لثورة، ولا تداعب خيالهم هذه العناوين عن المطالب الاقتصادية، وثورة الجياع ، وما إلى ذلك، لكن نجاح أي حراك ثوري لن يكون إلا بوجود الإسلاميين، لأن لديهم القدرة على الحشد، ودائماً كانت القوى المدنية مجرد “نواة تسند الزير”، في ثورة يناير كان “الزير” هم الإسلاميون، وفي انقلاب يوليو مثلت الدولة العميقة “الزير” فيها!
بيد أن الحراك لن ينجح إلا في وجود هذه “النواة”، لأن الدم الإسلامي رخيص، ويمكن لعبد الفتاح السيسي أن يضرب الإسلاميين بالنابلم ، فلا يتأذى الضمير الغربي، بل قد يكافئه على هذا، وقد شاهدنا حراكاً ثورياً بالملايين بعد الانقلاب، لم يزعج السيسي ربما لعلمه أيضاً، بأنه استعراض وجود أكثر من كونه يستهدف تحقيق انتصار، في حين إن خمسة آلاف متظاهر في يوم الأرض 15 أبريل، بدت بسببه الولايات المتحدة الأمريكية متعجلة في أمرها وأعلن البيت الأبيض أنه يراقب الموقف في مصر عن كثب، وقد أعلن الإخوان مشاركتهم لكنهم لم يشاركوا، ولو حضروا وأمكن الصمود في شوارع وسط البلد ليومين أو ثلاث لحدث في الأمور أمور.
ماذا سيحدث يوم 11/11 ؟.. قديماً قالوا يا خبر اليوم بفلوس غداً يكون مجاناً.