مع إسدال الستار على فترة الترشح للانتخابات البلدية المزمع إجراؤها في الثامن من تشرين أول المقبل، برزت ظاهرة “قوائم التزكية” للواجهة مجددا مع وجود عدد كبير من المواقع في الضفة الغربية لن تجري فيها انتخابات؛ لأن قائمة واحدة فقط تنتمي لحركة فتح ترشحت للانتخابات.
وبحسب رصد أولي أجراه مراسل “المركز الفلسطيني للإعلام”؛ فإن أكثر من مائة موقع لن تجري فيها انتخابات بالضفة الغربية المحتلة؛ بسبب قوائم التزكية بانتظار صدور الرقم الرسمي الاثنين القادم من لجنة الانتخابات المركزية، في حين لم تسجل هذه الظاهرة في قطاع غزة التي تشهد منافسة انتخابية حادة في المواقع كافة.
لا ديمقراطية
ولا يرى المواطن أمجد شحرور في “قوائم التزكية” ظاهرة إيجابية أو مشهدا من مشاهد الإجماع الوطني، بل مصادرة لحق الناس في الانتخابات؛ لأن طريقة تشكيل قوائم التزكية بها خلل.
وأضاف لمراسلنا: ما معنى وجود قائمة واحدة في موقع يقطنه نحو 30 ألف نسمة، وتكون القائمة لتنظيم واحد هو حركة فتح، فإن كان هناك إجماع وطني حقيقي في ذلك الموقع على قائمة واحدة فيفترض بها أن تعكس أطياف البلدة المختلفة وتعكس التنوع السياسي والاجتماعي، وكذلك لا يكون اسمها مرتبطا بتنظيم واحد.
وكانت الانتخابات البلدية التي جرت عام 2012 وقاطعتها حركة حماس سجلت وجود (181) موقعا في الضفة لم تجر فيها الانتخابات، وحسمت بالتزكية لصالح قائمة واحدة لحركة فتح في غالبيتها، ما يعني أن نصف الضفة حسمت بالتزكية.
وترى الناشطة الشبابية أماني حماد أن ذلك غير منطقي، وتساءلت: هل فعلا نصف الضفة الغربية لا يريد إجراء انتخابات بلدية ولا يوجد كفاءات ترغب بالترشح، أم أن هناك أجواء غير ديمقراطية وأمنية وممارسات خلف الكواليس تمنع الممارسة الديمقراطية بشكلها المعتاد والطبيعي.
وأضافت: الناس في المواقع التي تجرى فيها الانتخابات بالتزكية غير راضين عن ذلك، وهذا واضح وجلي، سيما وأن قوائم التزكية تفرز أشخاصا أقل كفاءة وفق تجارب المرحلة السابقة.
تعليمات فتحاوية
مصادر أشارت لمراسلنا إلى أن تعليمات مشددة من مفوضية التعبئة والتنظيم ومسئولي ملف الانتخابات في حركة فتح خلال الفترة الماضية بحسم أكبر عدد من المواقع بالتزكية دون انتخابات، وعدّ التنظيم الذي يستطيع تشكيل كتلة واحدة بالتزكية بأنه تنظيم قوي في موقعه ومسيطر، ومن لم يستطع بأنه تنظيم غير مسيطر على الأمور.
ورأى كثيرون أن ذلك لا يعكس إيمانا بالعملية الديمقراطية، ويكفي للتدليل على أن هذه الظاهرة غير صحية وتتم تحت الترهيب هو عدد المواقع التي تحسم بالتزكية، حيث إن هذا العدد الكبير ملفت ويدل على شي غير طبيعي.
انعكاس للخوف
النائب في المجلس التشريعي إبراهيم دحبور يرى أن “للتزكية” عدة محاذير؛ أولها سلب حق الانتخاب من الناخب ومصادرة رأيه خوفاً من الإخفاق، بمعنى أن قوائم التزكية هي في النهاية شكل من أشكال التعيين.
وشدد لمراسلنا على أنها محاولة للالتفاف على جوهر العملية الانتخابية ومضمونها وغاياتها الثقافية، فالعملية الانتخابية ليست مجرد إجراء شكلي يبدأ بالتسجيل ومن ثم الترشح فالتصويت فإعلان النتائج، وإنما لها غايات تتعلق بتفعيل إرادة الناخب وامتلاكه حق اختيار ممثليه في الهيئة ومنحهم القوة الجماهيرية وليس الرسمية فقط.
كما أن التزكية، حسب دحبور، تعكس حالة عزوف عن الخدمة العامة من الجمهور، والبعد عن الانخراط في الحياة العامة، وهذه الدلالة تعبر عن حالة يأس وفقدان اليقين بإمكانية التغيير والقدرة على تقديم الأفضل.
وكذلك فإن التزكية تفتح المجال واسعاً للمحسوبية والفساد والتملق؛ لأن قوائم التزكية تتشكل في العادة من أنصار الحزب الحاكم، وهذا في الأغلب يقود المجتمع إلى نوع من الحراك السلبي في اتجاه التقرب من السلطة الحاكمة لضمان الاختيار، ويحول دون تقدم المخلص والنزيه لهذه المواقع، كما قال.
وشدد على أنها أحياناً ما تعبر قوائم التزكية عن جو من غياب الحريات وسيادة عقلية الهيمنة، لأنه كما نعلم أن كل مواطن يرغب في ممارسة حقه في التعبير عن إرادته ومنح صوته لمن يراه مناسباً في الأجواء التنافسية الطبيعية.
ظاهرة خطيرة
وكان الكاتب عدنان الصباح، قال في مقال سابق عن قوائم التزكية، إن التوافق أو قوائم التزكية “ظاهرة مرضية خطيرة تشير إلى وجود حالة من الخمول السياسي والاجتماعي لأي مجتمع؛ فمعنى ذلك أنه لا حراك ولا تنافس ولا رؤى مختلفة تسعى للوصول نحو الأفضل، وأتساءل: أي مجتمع هذا المتوافق بالمطلق إلا إذا كان قد وصل حالة متردية جداً بفكره ورؤاه!”.
وأكد أن “الحالة الطبيعية وجود تنافس أكبر واختلاف على قاعدة البحث عن الأفضل (..) التوافق يعني أن لا أحد لديه ما هو أفضل من غيره، ولا أحد يملك رؤى أكثر جدوى من الآخر”.
وشدد على “أن شعبنا وبلادنا بحاجة ماسة للتنافس للانتقال بحالنا إلى الأفضل، فكيف يكون ذلك إن اقتنع الجميع أن الأفضل ما نحن فيه؛ فلو كان التوافق هو الحالة الصحية لكانت كل شعوب العالم الحية قد لجأت إليه كوسيلة بديلة للتنافس!”.