بعد أربع سنوات من الصمود بوجه الحصار الذي فرضه النظام السوري عام 2012، تعرّضت خلاله مدينة داريا، بشكل شبه يومي، لكل أنواع القصف الجوي والمدفعي والصاروخي، وشتى القذائف، بما فيها المحرّمة دولياً، من نابالم، وحارقة، فضلاً عن أكثر من سبعة آلاف برميل متفجر، تعود قصة هذه المدينة إلى الواجهة عبر ما قيل إنه “اتفاق”، جاء نتيجة الحصار الخانق، ويقضي بتهجير من تبقى من سكانها إلى مناطق مجاورة.
وأطبق النظام حصاره عليها في يونيو الماضي، ما زاد من معاناة أهلها، إثر فصل المدينة عن بلدة المعضمية المجاورة، ومكّن قوات النظام من إخضاع داريا وتهجير أهلها من مدنيين وعسكريين.
ويقضي “الاتفاق” الذي جرى بين النظام وفصائل المعارضة، الأربعاء الماضي، عبر وفد من النظام دخل إلى المدينة، بترحيل من تبقى من أهلها، وعددهم أكثر من 5 آلاف شخص، على دفعات إلى بلدة صحنايا المجاورة، الواقعة تحت سيطرة قوات النظام.
ويشمل هذا الاتفاق نقل العسكريين وعددهم نحو الألف، على دفعات إلى مدينة إدلب في الشمال السوري، الخاضعة لسيطرة قوات المعارضة، على أن تستمر العملية أربعة أيام، تحت إشراف الصليب الأحمر الدولي.
ودخلت اللجنة الخاصة بتنسيق خروج الأهالي، أمس الجمعة، إلى داخل داريا، في حين توجّهت عشرات المركبات المجهّزة لنقلهم إلى تخوم المدينة مع سيارات وفرق للهلال الأحمر السوري والأمم المتحدة. ووفقاً لأحد أعضاء المجلس المحلي لداريا، “سيتم بدءاً من اليوم (أمس الجمعة)، وعلى مدى أربعة أيام، إخراج نحو 5 آلاف مدني باتجاه ضواحي ومدن ريف دمشق، فيما تبدأ اليوم عملية إخراج المقاتلين باتجاه مدينة إدلب”. وأوضح أنّه “جرى الاتفاق على ترتيبات الخروج، تحسباً لأي خرق للاتفاق من قبل قوات النظام، وحتى لا يتم اعتقال أي شخص، ولضمان عدم تعرّض الموكب للنيران، خصوصاً أنه سيقطع أكثر من 400 كيلومتر باتجاه الشمال نحو إدلب. ويفترض أن ترافق الموكب سيارات أممية لضمان ذلك”. وأشار إلى أن “عائلات المقاتلين فضّلت الانتقال مع أبنائها إلى إدلب، خوفاً من تعرضها للاعتقال أو الانتقام من قبل قوات النظام”.
من جهته، كشف ناشط إعلامي من المدينة، يدعى حسام، عن أن “وفد النظام هدّد خلال عملية التفاوض علناً بإبادة كل من يرفض الخروج من داريا، ورفض نقل المقاتلين باتجاه الجبهة الجنوبية، كما رفض إبقاء المدنيين في داريا”. ومع تنفيذ هذا الاتفاق وإخلاء المدينة من سكانها، تطوى أربع سنوات من الحصار عاشها أهالي داريا، أقرب مدن الغوطة الغربية إلى العاصمة دمشق، تعرّضت خلالها لآلاف الغارات الجوية التي دمّرت بنيتها التحتية، وأودت بحياة المئات من أبنائها.
من الورد إلى السلاح
منذ انطلاقة الثورة السورية، ربيع 2011، شاركت مدينة درايا الواقعة على بعد أقل من 10 كيلومترات عن دمشق، والتي كان يسكنها نحو ربع مليون نسمة ويتبع لها إدارياً العديد من المدن والبلدات المجاورة، بكثافة في التظاهرات السلمية المناهضة للنظام. عُرفت بنشطائها السلميين، وأشهرهم غياث مطر، الذين حاولوا القيام بمبادرات ودية تجاه قوات الأمن المكلفة بقمع الاحتجاجات عبر تقديم الورود لهم، لكنها جهود لم تلق من النظام إلا مزيداً من القمع والرصاص، وزجّ بهؤلاء الناشطين في غياهب السجون، ليلاقوا حتفهم تحت التعذيب.
غير أن التحول الأبرز في مسيرة المدينة خلال الثورة كان في صيف 2012 حين ارتكبت قوات الفرقة الرابعة التي يقودها شقيق رئيس النظام ماهر الأسد، مجزرة بحق المدنيين في المدينة راح ضحيتها المئات منهم، لتبدأ بعدها بمحاصرة المدينة قبل أن تدخلها في شهر نوفمبر، وتقتل المزيد من الأشخاص داخلها.
هذا الأمر دفع عناصر من “الجيش السوري الحر” الذي بدأ آنذاك في التشكل داخل المدينة، إلى التدخل للدفاع عن المدنيين، لتعيش بعدها المدينة خلال السنوات التالية تحت وقع الحصار والقصف اليومي، مع عشرات المحاولات الفاشلة لاقتحامها.